عبدالباري عطوان*

نستغرب الحالة الاحتفالية الضخمة التي سادت معظم أجهزة الاعلام العربي، وبعض الخليجية منها خاصة بالهزيمة الجزئية الثانوية التي لحقت بالقوات الروسية في منطقة خاركيف الشمالية الشرقية أثر هجوم مضاد من القوات الاوكرانية بدعم امريكي، حتى لكأن هذه القوات احتلت موسكو واعتقلت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وجميع أعضاء الصف الأول من قيادته.

هذه حرب توشك على دخولها شهرها الثامن، استطاعت خلالها القوات الروسية من السيطرة على خمس الأراضي الأوكرانية، وتعزيز ضمها لشبه جزيرة القرم، وإقامة جسر بري يربطها باليابسة الروسية، وعلينا ان نتذكر ان حرب اليمن على حافة عامها االثامن.

هذا “انتصار” جاء من اجل توفير ذخيرة لآلة إعلامية غربية جبارة لرفع معنويات الشعب الاوكراني المخطوف أولا، والرأي العام الغربي الذي يعيش حالة من القلق من جراء ازماته الاقتصادية والمعيشية المتفاقمة بعد تورط حكوماته في هذه الحرب التي تقودها أمريكا من على بعد خمسة آلاف ميل، ودون ان يخسر جنديا واحدا، ثانيا.

***

هناك عدة نقاط تؤكد هذه الحقيقة وان الاحتفال بالنصر قد يكون سابقا لأوانه، مع اعترافنا بالصدمة المفاجئة التي ترتبت عليه في موسكو وعواصم أخرى حليفة لها:

  • أولا: اقدام الرئيس الأمريكي جو بايدن (الجمعة) على حث نظيره الروسي بوتين بعدم استخدام أسلحة نووية او كيمياوية تكتيكية، الامر الذي يعكس قلقا أمريكيا (من اليوم التالي)، وليس نشوة بنصر الحليف الاوكراني.
  • ثانيا: تَوَعَد الرئيس بوتين برد قوي على هذا “الانتصار” الاوكراني بالتحذير من ان الضربات الروسية المستقبلية على أوكرانيا ستكون أكثر خطورة، والاشارة الى ان روسيا لا تستخدم جيشها بالكامل وانما جزء صغير منه فقط، وان هدفها الرئيسي هو تحرير كل “إقليم دونباس”.
  • ثالثا: اعتراف فلوديمير زيلينسكي رئيس أوكرانيا، في رد على سؤال وُجه اليه حول عدم تحقيق انتصارات أخرى بالقول اليوم الاثنين “ان قواته لا تأخذ استراحة، وان الهجوم تباطأ استعدادا للمراحل القادمة”، وهذا اعتراف يؤكد العودة الى عدم المبالغة بانتصار في منطقة تعرف بأنها غير استراتيجية (خاركيف) في اقصى الشمال بينما تندلع المعارك الضارية في الجنوب الشرقي من البلاد.
  • رابعا: تحذير الجنرال مارك ميلي رئيس هيئة الأركان الامريكية المشتركة يوم امس الاحد اثناء زيارة لقاعدة أمريكية في بولندا من ان الرد الروسي على الخسائر الميدانية “لم يعرف بعد” وطالب الجنود الأمريكيين في هذه القاعدة بالتحلي بأعلى درجات اليقظة لأنها ربما تكون (القاعدة) أحد اهداف هذا الرد الروسي القادم.
  • الخامسة: قدمت روسيا اليوم الى الأمم المتحدة في جنيف ملفا كاملا يتضمن ادلة موثقة عن الأنشطة البيولوجية العسكرية الامريكية في معامل في أوكرانيا، وقد يكون من ضمن هذه الأدلة كيفية تصنيع وإنتاج فيروسات قاتلة من بينها فيروس “كوفيد 19” المسبب للكورونا.

حرب أوكرانيا ما زالت في بداياتها التمهيدية، ولم تدخل المرحلة الحاسمة والحرجة بعد، ومرشحة للاستمرار ربما لسنوات، ونهايتها قد تكون نووية مرعبة على غرار الحرب العالمية الثانية التي انتهت بالهجوم الانتحاري الياباني على الاسطول الأمريكي في بيرل هاربر بقنبلتين نوويتين على نكازاكي وهيروشيما، مع الاخذ في الاعتبار ان احتمال الحسم قد يكون روسيا، واحد الدلائل “استجداء” بايدن للرئيس الروسي بعدم استخدام أسلحة نووي تكتيكية.

***

أوروبا التي هي الضحية الكبرى لهذه الحرب بدأت “تتململ” واشعلت شعوبها فتيل مظاهراتها الاحتجاجية على أوضاعها المعيشية المتدهورة بسببها، فالعاصمة الفرنسية شهدت السبت ثلاث مظاهرات، وألمانيا تستعد لمظاهرة أضخم من الأولى التي انطلقت في شمالها للمطالبة برفع العقوبات عن روسيا، ولا ننسى التذكير بمظاهرات “ربيع براغ 2” التي شارك فيها مئات الآلاف للسبب نفسه.

روسيا التي تزعمت قمة شنغهاي في سمرقند (انتهت الجمعة) شراكة مع حليفها الصيني ليست معزولة، والمعزول هي أمريكا، فقد شاركت في هذه القمة دول تمثل شعوبها أكثر من نصف العالم، وتسيطر على ثلثي انتاج النفط والغاز والغذاء عالميا، وتضم أربع دول نووية (الصين، روسيا، الهند، باكستان وقريبا ايران آخر المنضمين)، وهناك ست دول عربية بينها السعودية وقطر ومصر والبحرين، حلفاء أمريكا “التقليديين” تقدمت بطلب العضوية.

نتمنى على جنرالات الحواسيب في بعض القنوات العربية ان يتريثوا قليلا، وان يتوقفوا عن بيع انتصارات وهمية، فروسيا ليست ليبيا ولا سورية ولا العراق، فالظروف تغيرت، وامريكا لم تعد أمريكا التي حكمت العالم دون منافس لأكثر من سبعين عاما.. “زمن الثورات وتغيير الأنظمة، والثورات الملونة قد والّا”، ونحن ننقل هنا عن الرئيس الصيني شي جينغ بينغ وخطابه في قمة سمرقند.

* المصدر :رأي اليوم

* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع