السياسية :

مع الانسحاب العسكري الأمريكي من أفغانستان في عام 2021، أصبح شمال سوريا تقريبًا منطقة القتال النشطة الوحيدة للجيش الأمريكي في العالم. ولكن مع جلوس حرب أوكرانيا في مركز الاهتمام الدولي، بما في ذلك اهتمام الرأي العام الأمريكي، أصبح النشاط القتالي للجيش الأمريكي في شمال سوريا قضية منسية لدرجة أن بايدن اضطر الأسبوع الماضي إلى تذكير العديد من الأمريكيين بأن الولايات المتحدة لا تزال تشارك بنشاط في القتال العسكري في الخارج. جاء هذا التذكير في الوقت الذي تتكرر فيه الهجمات الجوية والصاروخية على القواعد الأمريكية في شمال سوريا والتي تم الرد عليها، حسب البيت الأبيض، بهجمات مضادة.

في غضون ذلك ، يسعى البيت الأبيض لإظهار الوجود العسكري الفاعل في شمال سوريا وقدرة هذه القوات على مواجهة التحدي المتزايد لهجمات جماعات المقاومة، والتي يبدو عليها الارتباك الاستراتيجي حول الوجود العسكري الأمريكي في هذه المنطقة.

تطوير القواعد الأمريكية في شمال سوريا

هناك إحصائيات ومعلومات مختلفة حول عدد الجنود والمعدات ونطاق نشاط القوات الأمريكية في شمال سوريا ، وهي أحيانًا متفاوتة جدًا. حيث إن ما سربته وسائل الإعلام من مصادر محلية حول الأنشطة العسكرية الأمريكية في هذه المنطقة في الأشهر الأخيرة يظهر أن البنتاغون وسع بهدوء وسرية وجوده في شمال سوريا.

أعلن البنتاغون أن 503 جنود أمريكيين ، باستثناء القوات البديلة ، يخدمون داخل سوريا. لكن بعض التقديرات تشير إلى وجود أكثر من 2000 جندي أمريكي حول القواعد الموجودة في الحسكة ودير الزور وريف دمشق (قاعدة التنف).

وفي هذا الصدد، أعلن الشيخ مضر حماد الأسعد، المتحدث باسم مجلس عشائر وبدو سوريا، في نيسان من العام الجاري، في حديث مع Nedaa Post، عن توسيع قواعد أميركية في شمال شرق سوريا، والتوسع الأخير في عدد القوات الأمريكية حصل في قاعدة الشدادي.

وحسب الأسعد، يوجد حاليًا 28 قاعدة عسكرية أمريكية في سوريا.

ويأتي وجود هذه القواعد بحجة دعم ما يسمى بقوات سوريا الديمقراطية ومنع ظهور داعش.

تتوزع القواعد العسكرية الأمريكية في شرق سوريا وشرق نهر الفرات من جنوب شرق سوريا بالقرب من معبر التنف الحدودي ، إلى الشمال الشرقي بالقرب من حقول رملان النفطية في الحسكة ودير الزور. يشبه توزيع القواعد الأمريكية حلقة تحيط بمصادر النفط والغاز في سوريا الواقعة شرقي نهر الفرات ، ما يدل على الجهود الأمريكية للسيطرة على هذه الموارد الباطنية.

وتعد قاعدة الشدادي (55 كلم جنوب الحسكة) أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في سوريا ، وتقوم القوات الأمريكية بتوسيع قواعدها بمساعدة ميليشيات قسد.

وحسب الأسعد، استولت القوات الأمريكية على المزيد من الأراضي العائدة لعائلة الشيخ حمد علي الأسعد، أحد شيوخ قبيلة الجبور، جنوب مدينة الحسكة الواقعة جنوب مدينة الشدادي، بهدف توسيع قاعدتهم العسكرية. وأشار إلى أن مساحة هذه القاعدة كانت بالفعل حوالي 1000 فدان (حوالي 404 هكتارات) ، والتي من المتوقع أن تصل إلى حوالي 2000 فدان (حوالي 809 هكتارات) في التوسع الأخيرة.

يمكن لعملية تطوير وربما تعزيز الوجود العسكري الأمريكي في شمال سوريا أن تتماشى مع التخطيط لوجود طويل الأمد في المنطقة لإبقاء مراكز عدم الاستقرار في الحزام الأمني ​​لمحور المقاومة من طهران إلى لبنان نشطة. وأيضًا لتغطية نقاط الضعف العسكرية في مواجهة اتساع تهديدات المستقبل وزيادة قوة المناورة بنقل القوات من العراق إلى سوريا والعكس. إضافة إلى ذلك ، وبسبب الانسحاب الفاضح لأمريكا من أفغانستان ، والذي أدى إلى انتقادات داخلية وخارجية شديدة (خاصة من حلفاء أمريكا) لأداء حكومة بايدن ، يخشى الديمقراطيون تكرار هذا الوضع في سوريا.

أسباب فشل بايدن في تبرير القتال في سوريا

بينما صرح بريت ماكغورك ، منسق البيت الأبيض للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في خطاب ألقاه العام الماضي، أن الحد من العنف والحفاظ على الضغط العسكري على داعش، ومعالجة الأزمة الإنسانية في سوريا ودعم إسرائيل هي الأهداف الرئيسية الأربعة لـ الولايات المتحدة في سوريا. ولكن لا يزال بايدن بحاجة إلى جلب الرأي العام الأمريكي معه من أجل استمرار الوجود العسكري في شمال سوريا وتبرير القتال في هذه المنطقة، وهو موضوع لم ينجح في هذا المجال لعدة أسباب.

أولاً، الحرب السورية معقدة للغاية. من ناحية ، هذه الحرب هي حرب أهلية اشتبك فيها العديد من الميليشيات ذات الأيديولوجيات المختلفة مع القوات الحكومية، ومن ناحية أخرى، مع انتشار واسع للإرهابيين الأجانب ودور العديد من الجهات الأجنبية الإقليمية وخارج الإقليمية، فهي تعتبر صراعًا وأزمة دولية. لذلك فإن أمريكا ليست سوى قدرة محدودة القوة في ساحة المعادلات السياسية والميدانية، ومن الواضح أن البيت الأبيض لا يستطيع إقناع الرأي العام بنجاحات هذا الوجود العسكري المكلف بسقوط ضحايا. وخاصة أن الطبيعة الفوضوية للانسحاب من أفغانستان زادت الدعوات للبيت الأبيض لتقليص تواجده العسكري في جميع أنحاء المنطقة، التي حُملت المسؤولية عن الهجوم على أبراج التجارة العالمية أو الاستيلاء على أسلحة الدمار الشامل.

ثانيًا، على عكس حرب احتلال أفغانستان عام 2001 أو الهجوم على العراق عام 2003، أعلنت الولايات المتحدة تدمير خلافة داعش في عهد ترامب، لذا فليس لها الأن مهمة محددة أخرى (مثل الإطاحة بحكومة طالبان الداعمة للقاعدة أو اسقاط نظام البعث العراقي) يمكن أن تضفي الشرعية على الوجود العسكري المستمر في شمال سوريا. لذلك نرى بين الحين والآخر أن البيت الأبيض يعلن مقتل بعض قيادات داعش في سوريا لإقناع الرأي العام بضرورة استمرار هذا الوجود.

ثالثًا، في حين أن الوجود المستمر للقوات الروسية في سوريا ربما يكون قد ساعد أيضًا في دعم موقف بايدن في إبقاء القوات الأمريكية في سوريا، لأن القيام بذلك من الناحية الجيوستراتيجية من شأنه أن يضمن عدم قدرة روسيا على نشر قواتها في سوريا بالكامل في أوكرانيا.

لكن مبررات الولايات المتحدة لاستمرار الوجود الأمريكي في سوريا لا تزال غير واضحة للجمهور الأمريكي، الذي يريد إنهاء حروب أمريكا التي لا نهاية لها والتي تسبب الأزمات. استمرار الوجود العسكري في سوريا، حتى من وجهة نظر جزء كبير من العسكريين والسياسيين الأمريكيين، موضع انتقاد لتسببها باستمرار الصراع العسكري مع القوات الروسية والسورية والإيرانية.

*المصدر: موقع الوقت التحليلي

* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع