ملك البحرين يزور ماكرون.. هل أُصيبت باريس بالزهايمر؟
السياسية – رصد:
خلال زيارة رسميّة لم تحدد مدّتها يقوم بها ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة بدعوة من الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون، بحث فرنسا والبحرين سبل تعزيز التعاون، والمستجدات الإقليمية والدولية والقضايا محل الاهتمام المشترك في قصر الإليزيه بالعاصمة الفرنسية باريس، في وقت تتعرض فيه السلطات البحرينيّة لانتقادات لاذعة في مجال حقوق الإنسان والذي وصل إلى أسوأ حالاته بسبب القمع المتصاعد ومحاربة حرية الرأي و التعبير و تعزيز الانقسام والطائفيّة، ناهيك عن الانتهاكات الشديدة التي تمارسها المنامة بحق النشطاء والمعارضين، حيث إنّ سجل النظام البحريني بات حافلاً بانتهاكات حقوق الانسان مع استخدامه القضاء كأداة لكمّ الأفواه الشعبية المُطالبة بالديمقراطية، في حين تنتزع الاعترافات بالتعذيب تتراوح أحكام القضاء التي تستهدف المعارضين ما بين الإعدام و السجن لعدة أعوام وإسقاط الجنسية، الشيء الذي دفع كثيرين لانتقاد “سياسة المصلحة” التي تتبعها فرنسا مع الطغاة والديكتاتوريين، وخاصة في ظل الأوضاع الراهنة في العالم.
مصلحة فرنسيّة
إنّ الشيء الأهم الذي ركّز عليه الإعلام البحرينيّ في أخباره المتعلقة بزيارة ملك البحرين لباريس هو “التأكيد خلال المباحثات على أهمية تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين والانتقال بها إلى آفاق أرحب، ولا سيما في قطاعات الاقتصاد”، فيما تناست الحكومة الفرنسيّة أنّ النظام الحاليّ في المنامة يحظر جميع وسائل الإعلام المستقلة ويمنع جميع أحزاب المعارضة السياسية، ويسجن العديد من قادتهم، ناهيك عن أصحاب الرأي والمواقف الحرة والمدافعين عن حقوق الإنسان، والنشطاء، والمدونين، والحكم والتهمة جاهزان دوماً أي سجن مدى الحياة بتهم تتعلق بالتعبير واتهامات ملفقة بالتجسس والعمالة.
وعلى الرغم من أنّ البحرين تحدثت عن بحث الجانبين عدداً من القضايا الإقليمية والدولية الراهنة والتي من شأنها تهديد السلم والأمن الدوليين، وتناول سبل حلها بالطرق الدبلوماسية السلميّة، إلا أنّ المصالح الفرنسيّة تطفو بشدّة على سطح هذه الزيارة التي أعقب زيارات لزعماء بالمنطقة خلال نحو شهر، حيث سبقه في يوليو/ تموز المنصرم كل من رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والفلسطيني محمود عباس، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في ظل ما يشهده العالم من أزمات كبيرة في إمدادات الطاقة والغذاء، كما تشهد أسعار النفط الخام والغاز الطبيعي ارتفاعًا، بفعل ازدياد الطلب والمحاولات الغربيّة الأوروبية لفكّ الارتباط بمصادر الطاقة الروسيّة في إطار عقوبات دولية ردّاً على غزو القوات الروسيّة لأوكرانيا منذ فبراير/شباط الماضي.
والمثير للسخريّة، هو تأكيد عاهل البحرين على موقف المملكة الداعم للسلام والتعايش والتسامح في العالم أجمع، وإيمانها بالحوار وحل القضايا بالطرق الدبلوماسية السلمية، ونبذ الإرهاب والعنف والتطرف، في وقت يتحمل الحقوقيون والنشطاء والقادة السياسيون القسم الأكبر من القمع السياسيّ في البحرين، ويواجهون الاعتقال التعسفيّ والسجن والتعذيب لفترات طويلة للغاية لمجرد اتخاذ مواقف معارضة من الحكومة، وقد جُرد المئات من البحرينيين من الجنسية بشكل غير قانونيّ، فيما يتعرض النشطاء والصحفيون في الخارج لخطر الاغتيال والانتقام من أفراد عائلاتهم الذين بقوا داخل بلادهم.
أيضاً، التقى وزير الخارجية البحرينية، عبد اللطيف الزياني في إطار تلك الزيارة، كاثرين كولونا، وزيرة أوروبا والشؤون الخارجية بفرنسا، وبحثا مسار التعاون بين البلدين وسبل تعزيزه والارتقاء به في كل المجالات، إضافة إلى بحث تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في المنطقة، حيث تغاضت باريس عن سلسلة طويلة من المطالبات الدوليّة والحقوقيّة، والتي زادت الضغط في السنة الأخيرة على النظام البحرينيّ للإفراج عن السجناء السياسيين في البلاد، والكف عن ممارسة الانتهاكات بحق المنادين بحرية الرأي والتعبير، حيث يعيش الشعب البحرينيّ تحت وطأة حزمة واسعة وفاضحة من الانتهاكات والجرائم الماسة بحقوق الانسان وهي في تصاعد وتوسع كلما امتدت الازمة السياسية في البلاد، حيث تورطت الحكومة البحرينيّة خلال العقد الأخير حتى اليوم في سجل أسود لا مثيل له على كل المستويات بعد انفراط العقد الاجتماعيّ بين المسؤولين والشعب ما دفعهم لارتكاب كل المحرمات والانتهاكات في سبيل الانتقام والتهميش والقمع وتضييق الخناق على المطالبين بأدنى حقوقهم التي يكفلها الدستور الذي بات مُجرد حبر على ورق المستبدين.
سجل مُشين
يعتبر الدعم الفرنسيّ الحالي بمثابة قطع طريق أمام أيّ صوت معارض في البحرين، على الرغم من أنّها أثقبت آذان العالم بشعار “حريّة الرأيّ والتعبير”، والذي جعلها مراراً تتطاول على مقدسات الآخرين وتسيء لمعتقداته، وإنّ الشعب الفرنسيّ نتيجة لتصرفات حكومته بات يؤمن أكثر فأكثر مع الوقت بأنّ حكومة بلادهم غارقة بدماء الأبرياء، فوفقاً لبيانات جمعية الوفاق البحرينيّة المعارضة، فإنّ انتهاكات النظام البحريني شملت إصدار قوانين متطرفة واتخاذ إجراءات صارمة وتشكيل مؤسسات شكليّة وتقييد السلطات الثلاث والتحكم المطلق فيها وبعثرة الثروات والأموال الطائلة وبث الفوضى الدبلوماسيّة وتشكيل التحالفات الخبيثة وارتكاب تجاوزات وطنية واسعة، في سبيل الانتصار للعائلة المالكة التي يزور أبرزهم فرنسا ضد شعب البحرين وكسره وتهميشه وإفقاره وتجهيله وخنقه والتضييق عليه في معيشته، كي لا يفكر في المطالبة بالحرية أو المشاركة أو أن يكون عزيزاً وكريماً وصاحب رأيّ.
دليل آخر على خداع السياسة الفرنسيّة ونفاقها هو أنّ تعاونها مع أكثر الأنظمة استبداداً في العالم سيكون على حساب شعب البحرين المحرومٌ من أبسط حقوقه الواردة في الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان وفي العهدين الدوليين وفي كل المقررات الدولية، وعلى رأسها الحق في الحياة، لأنّه ممنوع من المشاركة السياسية في السلطات الثلاث وتوزيع الثروة والقرار والتشريع والتنفيذ والقضاء، كما أن الحقوق السياسية محجوبة عنه، إضافة إلى حرية الرأي والتعبير، والحرية الدينية، وحرية تكوين الجمعيات والاحزاب، وحرية التجمع السلمي وغيرها من الحريات التي تصادرها سلطات آل خليفة بالقوة والبطش، كما أنّ حكومة البحرين واستكمالاً لمنهج الاستبداد غير الموصوف والانتهاك الصارخ لحقوق الإنسان، عملت مع أجهزتها الأمنيّة والعسكريّة على تفكيك المعارضة وإلغائها عبر حلّها وسحب تراخيص العمل وتطبيق قانون العزل السياسيّ في الدولة دون أي دوافع أو أسباب منطقيّة.
وعلى ما يبدو يجب تذكير الرئيس ماكرون بأن دولة البحرين موغلة في الفساد العام والفساد السياسيّ والمالي والتشريعي والقضائيّ كما صنفتها جهات دولية في تقاريرها كواحدة من بين عدة أنظمة وحشيّة وقمعيّة، والبلد التسلطي الاستبداديّ ضمن قائمة الدول “غير الحرة” ومن بين الأكثر قمعًا في الشرق الأوسط، في وقتٍ تتصاعد في البحرين وتيرة الاستيلاء على المال العام وسرقة ونهب الأراضي والسواحل العامة، والهيمنة على القرار السياسيّ والنفوذ والسيطرة على كل مؤسسات الدولة وقراراتها.
وبينما تسعى باريس للحصول على الفوائد الاقتصاديّة، غضّت الطرف عن أنّ النظام البحريني خلال العشر سنوات المنصرمة عمل بشكل كبير على تدمير البنية التحتيّة لحقوق الانسان بشكل كامل، حيث ألغى الحريات السياسيّة والدينيّة والصحفيّة والثقافيّة وحرية الرأي والتعبير وحرية تشكيل الجمعيات والاحزاب وحرية تشكيل مؤسسات المجتمع المدني وحرية التظاهر وحرية العمل وتجاوز كل ذلك بمشاريع كارثية لا تليق بدولة في هذا العصر.
في النهاية، وبعد أن أثبت نظام آل خليفة للقاصي والداني عدم رغبته في كسر القيود على شعبه، لإفات “الثورة السلميّة” الوحيدة في العالم العربيّ، ورفع صوت التنكيل والإجرام عالياً، يُشكك البعض بإمكانيّة أن تتحرك الدول الغربية التي تلهث وراء المصالح الاقتصاديّة عقب تأثيرات الحرب الأوكرانيّة، بجديّة لوقف استبداد نظام آل خليفة، مستندين إلى أنّ مجلس حقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمم المتحدة الدوليّة، بقي مشلولاً تجاه قضية قمع المعارضين والنشطاء السياسيين والدينيين في البحرين، ولم يأخذوا أيّ خُطوة في تعيين مبعوث خاص لحقوق الإنسان هناك، فيما يؤكّد مراقبون أنّ صمت الدول والمنظمات تجاه انتهاكات حقوق الإنسان من قبل الحكومة البحرينيّة لا يعدو عن كونه ورقة اقتصاديّة رابحة، فالبحرين يعُد سوقاً لتصريف أسلحتهم ومعداتهم العسكريّة إضافة إلى أنّ الأراضي البحرينيّة تستضيف قواتهم في قواعد عسكريّة، وهذا بالطبع أهم بكثير بالنسبة لمخادعي الديمقراطيّة من الإنسان ومن حقوقه.
المصدر: موقع الوقت التحليلي