السياسية :

يستحيل على أحد أن يذكر الحرب بين لبنان والكيان الصهيوني عامي 2000 و2006، دون أن يتذكر الخطب النارية التي ألقاها السيد حسن في ظل القصف اليومي لبيروت، ووسط يأس الناس كان واثقا من الانتصار على العدو بالكامل، وتحدث عن هزيمة “إسرائيل” بناء على الوعد الإلهي، التي كانت في ذلك الوقت لا تزال تحمل أسطورة “لا تقهر”، ولكن سيد المقاومة الشجاع وصفها بأنها أوهن من بيت العنكبوت.

لقد تحققت وعود السيد حسن سواء من حيث تمريغ أنف الجيش الصهيوني في الأرض، وعدة مرات خلال السنوات الخمس عشرة الماضية، والأزمات السياسية والاجتماعية في الأراضي المحتلة التي تسببت في يأس الصهاينة من إيجاد حكومة مستقرة.. إضافة إلى الأسس الضعيفة والمتزعزعة لهذا الكيان الزائف والتي أصبحت مكشوفة ليراها الجميع.

ربما بسبب هذه الوعود، يركز الصهاينة دائمًا على مواقف وتهديدات زعيم حزب الله أكثر من اللبنانيين أنفسهم، حيث يتراجعون عن مواقفهم مع أصغر تهديد من السيد حسن. الخلاف الأخير على الغاز بين لبنان والكيان الصهيوني هو مثال واضح وحديث على مثل هذا الوضع.

الآن انتهى اللبنانيون من احتفالات ربيع المقاومة الأربعين، وعلى حد تعبير السيد حسن نصر الله، فإن استمرار هذه الانتصارات والأمل بمستقبل اللبنانيين وتحول حزب الله إلى قوة إقليمية قوية وذات نفوذ لم يكن ليتحقق إلا بالمجاهدين والدماء الكثيرة التي أريقت على أقدام شتلة المقاومة في العقود الأربعة الماضية، والتي حولتها إلى شجرة قوية، متجذرة ومثمرة، ليس فقط من أجل أمن لبنان ومصالحه وحدوده واستقرار المنطقة ودول الجوار ضد توسع الكيان بحماية ودعم الصهيونية ومؤامرات أمريكا وحلفائها.

كلمتا سيد حسن، الذي اعتبر في خطابه الأخير أن تأسيس حزب الله ليس نتيجة توافق بل كنتيجة لأحداث ميدانية، وأداء حزب الله على مدى السنوات الماضية يظهر أن هذه الحركة هي اليوم الركيزة الأساسية للمقاومة الإسلامية في الميدان، والتي إضافة إلى وجودها في خط المواجهة مع الكيان الصهيوني، فإنها تلعب دورًا بارزًا في مختلف الجبهات العملياتية. الوقوف إلى جانب الحكومة والشعب السوري في المهمة الحربية الخطيرة ضد جيش الإرهابيين الدولي، والجهاد ضد الإرهاب التكفيري لداعش في العراق، والنزول إلى الميدان في مواجهة محور المقاومة ضد الكيان الصهيوني، ودعمه المقاومة الفلسطينية إلخ.

لفهم هذا المجال نذكر ذكرى السيد حسن نصر الله الذي قال في 2015 منذ الأيام الأولى لتشكيل المقاومة الشعبية في العراق ضد داعش: “عندما بدأت المقاومة ضد داعش جاء الحاج قاسم بعد أيام قليلة إلى لبنان وقابلني وطلب منا إرسال حوالي 120 من عناصر حزب الله إلى العراق لقيادة العمليات. قال إننا لسنا بحاجة إلى مقاتلين لأن هناك الكثير من المقاتلين في العراق، لكننا نحتاج إلى قادة عمليات في مناطق مختلفة، كما أرسلنا العديد من إخواننا إلى العراق، فُتحت الحدود بين إيران والعراق لوضع أسلحة في المناطق الحدودية وبدأت المعركة مع داعش.

من ناحية أخرى، ما يمكن ملاحظته في مواقف زعيم حزب الله من الأمل بالمستقبل والمزيد من الانتصارات للمقاومة في لبنان، هو تآزر قوى المقاومة في كل المنطقة من فلسطين وسوريا والعراق إلى اليمن والبحرين، على الرغم من وجود فجوة بين الإنجازات الميدانية والوضع المثالي، وهي موجودة في الآراء النظرية والمثل العليا لحركة حزب الله في لبنان ودول المنطقة والمجتمع الإسلامي.

في هذا المجال، تظهر كلمات السيد حسن أنه على الرغم من وجود الكثير من العمل والمسؤولية في المستقبل، إلا أن الدافع العقلي والعاطفي لفتح قمم النصر المثالية واضح بين مجاهدي محور المقاومة، وهناك قدرة كافية لتحقيق ذلك.

في غضون ذلك، لم تؤد العداوات والمؤامرات المستمرة لأعداء المقاومة اللبنانية ومخططاتهم، ولا سيما خبث الصهاينة اللامتناهي، إلى عدم تعطيل مسار حركة حزب الله ومثله فحسب، بل خلقت أيضًا استقرارًا ودافعاً إضافياً في قادة المقاومة.

بينما كان تركيز تخطيط أعداء حزب الله في السنوات الأخيرة على الاستثمار في التطورات الداخلية في لبنان من أجل إضعاف المقاومة وأسس شرعيتها الشعبية، فإن أداء حزب الله التعددي والطوائف في هذا المجال كان له أثره أيضًا.. يظهر تعزيزاً للمصالح الوطنية للبنان، فهو يعتبر أولوية أهدافه وأنشطته الداخلية والخارجية، ويعتبر الحفاظ على استقرار لبنان خطاً أحمر لسياسته السياسية الداخلية الجاذبة جداً للمواطنين اللبنانيين.. الأمر الذي يُظهر أن حزب الله، الذي أصبح اليوم قوة تحول في الساحة الإقليمية، هو أيضًا الفاعل الرئيسي في المشهد السياسي اللبناني.

* المصدر :الوقت التحليلي

* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع