السياسية:

أفادت وسائل إعلام فرنسية ودولية بأن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيسعى، بمناسبة زيارته الرسمية المرتقبة إلى الجزائر، الخميس 25 أغسطس/آب 2022، إلى طرح وساطة بلاده لحل الأزمة مع المغرب وإسبانيا. لكن مراقبين للشأن الجزائري يرون أن الظروف ليست مواتية بعد، على الرغم من أن مسألة الغاز والطاقة بالنسبة للاتحاد الأوروبي تبقى قضية ذات أولوية لباريس وبروكسل، وقد تشكل نافذة لفتح باب الدبلوماسية بين العواصم الثلاث.

وتداولت مواقع إخبارية محلية ودولية أنباءً عن سعي فرنسا إلى لعب دور الوساطة بين الجزائر من جهة والمغرب وإسبانيا من جهة أخرى، بمناسبة زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون الخميس إلى الجزائر التي ستستمر 3 أيام، بحسب تقرير لموقع فرانس 24.

لكن لعب فرنسا دور الوسيط لحل الأزمة بين الجارين المغاربيين على خلفية قضية الصحراء الغربية، والتي بلغت حد قطع العلاقات الدبلوماسية في 24 أغسطس/آب 2021، والخلاف بين الجزائر وإسبانيا الذي أشعله أيضاً تغيير مدريد موقفها تجاه سبل حل هذا النزاع في 18 مارس/آذار 2022، يطرح العديد من التساؤلات.

فأسباب الأزمة لا تزال قائمة، وهو ما يعتبره مراقبون دافعاً أساسياً لعدم قبول الجزائر بأية مساعٍ للحلحلة، على الرغم من تأكيدهم على أن الجزائر ترحب بكل جهد من شأنه تحقيق التقارب أو التوصل إلى صيغة للتفاهم إن كان في إطار يضمن احترام مواقفها الراسخة بالنسبة لتلك الملفات، ولكن خصوصاً على أساس “الند للند” مع فرنسا ودورها، وهو الموقف الذي سبق أن عبّر عنه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2021.

“رياح جليدية بين فرنسا والمغرب”

ولا ننسى أن ماكرون سيزور الجزائر مثقلا بملفات ثنائية شائكة أبرزها ملف الذاكرة، وكذا سعي باريس لضمان مصالحها في وقت تسعى الجزائر إلى توسيع قائمة شركائها الاقتصاديين في العالم مثل تركيا والإمارات وقطر وإيطاليا.

المغرب وفرنسا وقضية الصحراء

من جهة أخرى، فإن لعب باريس دور الوساطة لا يبدو ممكنا في الوقت الحالي، في ظل برود العلاقات الفرنسية-المغربية والذي عبرت عنه صحيفة “لوبوان إنترناشيونال” في مقال نشرته الاثنين تحت عنوان: “رياح جليدية بين فرنسا والمغرب”، قالت فيه: “يبدو أن لا الرئيس إيمانويل ماكرون ولا وزير الداخلية جيرالد دارمانان مدركان لتدهور العلاقات بين فرنسا والمغرب”. وأثارت الصحيفة الفرنسية قضية قرار باريس في أواخر العام الماضي، تشديد منح تأشيرات الدخول لتونس والجزائر والمغرب.

وتابعت “لوبوان”: “بعيدا عن المشاكل الإدارية، يمكن القول إن التيار لا يمر بين رئيسي الدولتين. فقد تعود المغرب على علاقات متميزة. أما ماكرون فليست لديه حساسية مغاربية. بالرغم من ذلك، فهو مهووس بالجزائر ويعتقد أنه سينجح في ترطيب العلاقات الفرنسية-الجزائرية”. وقالت أيضا إن ماكرون “بصدد التضحية بالتفاهم الجيد مع المغرب على أمل الحصول من الجزائر على مواقف أفضل تجاه بلاده”.

تفاؤل الصحافة الإسبانية

بالنسبة لإسبانيا، فقد رأى الإعلام المحلي في زيارة ماكرون فرصة لإحياء العلاقة بين الجزائر ومدريد. وعلقت صحيفة Atalayar أتالايار ههنا: “تأتي زيارة ماكرون في وقت يبدو فيه أن التوتر بين الجزائر والمغرب ينحسر، وهو ما قد يبشر بالخير للزعيم الأوروبي في محاولة لتحقيق بعض الاستقرار في المنطقة، وهو أمر أساسي لأوروبا”. وأضافت الصحيفة الإسبانية: “ستكون لدى الرئيس الفرنسي أوراق كثيرة يلعبها في محاولة إقناع الجزائر بتخفيف التوتر مع المغرب وإسبانيا. إن تطبيع العلاقات مع هاتين الجارتين للجزائر هو المفتاح لازدهار مشروع خط أنابيب غاز-ميدكات” (من إسبانيا لدول الاتحاد الأوروبي عبر فرنسا).

الجزائر

فإذا، هل تسعى فرنسا فعلا للتوسط بين الجزائر والمغرب وإسبانيا؟ هل يكون الغاز بوابة لتحقيق التقارب أو التفاهم؟ هل تطوى صفحة الخلاف بين الجزائر وفرنسا بعد زيارة ماكرون؟ هل لا يزال باب الدبلوماسية مفتوحا بين الجزائر والمغرب؟ وكيف يمكن استئناف العلاقات الطبيعية بين الجزائر وإسبانيا؟ يجيب عن هذه الأسئلة كل من الصحافي علي بوخلاف وأستاذ الإعلام والاتصال في جامعة الجزائر العيد زغلامي.

ما مدى صحة الأنباء حول سعي فرنسا إلى التوسط لحل الأزمة بين الجزائر والمغرب وإسبانيا؟
قال الصحافي علي بوخلاف لموقع فرانس 24: “هذه المعلومة وردت عن موقع إسباني غير موثوق به أصلا. ثم إن كان هناك شيء من هذا القبيل فسيتم الإعلان عنه لكن لا وجود لأي معلومة موثوقة حاليا. مبدئيا هذا (الوساطة الفرنسية) ليس بالغريب ففرنسا لديها علاقة جيدة مع الجزائر. لكن لا ننسى أن هناك برودة كبيرة في العلاقات بين المغرب وفرنسا، ومنذ قضية بيغاسوس (التجسس) لا نرى أي تبادل بين الجانبين”. وتابع قائلا: “لا أستبعد أن تكون هناك وساطة لكن حاليا الظروف ليست مهيئة لذلك، إذ إن الزيارة ثنائية وحتى في حال وجود مبادرة من هذا القبيل فستكون على أدنى مستوى. يمكن أن يتم تناول الموضوع خلال المحادثات الثنائية بين الرئيسين لكن ليس هذا ضمن النقاط الأساسية المدرجة في برنامج الزيارة”.

بدوره فنّد العيد زغلامي أستاذ الإعلام والاتصال في جامعة الجزائر الأنباء عن الوساطة الفرنسية لحل الأزمة بين الجزائر مع المغرب وإسبانيا، وقال: “لا أعتقد أن هذا الخبر صحيح لأن أسباب قطع الجزائر علاقاتها مع المغرب وتدهور علاقاتها مع إسبانيا لا تزال قائمة وهي معروفة للجميع وموضوعية. فرنسا ليست مؤهلة للعب دور الوساطة وهي تساند إسبانيا الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي. بالنسبة للمغرب نحن نعرف جيدا أن فرنسا تؤيد مغربية الصحراء وبالتالي فهي ليست مؤهلة لا أخلاقيا ولا سياسيا للعب الوساطة. ربما سيتم التطرق خلال محادثات ماكرون وتبون” لهذه القضايا.

هل سيكون الغاز بوابة لتحقيق تقارب أو تفاهم بين البلدان الثلاثة؟
صرح الصحافي علي بوخلاف: “لا أظن أن فرنسا ستحتضن قمة للوساطة بين الدول الثلاثة إذ إنه لا نية للجزائر للتصالح مع المغرب لأسباب معروفة عبّر عنها المسؤولون الجزائريون الذين قالوا إنهم لن يقبلوا بأي وساطة. لكن في حال تم ذلك ففرنسا يمكن أن تستعمل علاقاتها الدبلوماسية ويمكن أن تكون ضامنا فيما يتعلق بقضايا الأمن المطروحة من طرف الجزائر فيما يخص مخاوفها من إقدام المغرب على محاولة زعزعة استقرار الجزائر عبر علاقته مع إسرائيل أو شيء من هذا القبيل”.

وبالنسبة لورقة الغاز، أضاف بوخلاف: “يمكن طرح قضية إعادة العمل بخط أنابيب الغاز الجزائري الموجه لأوروبا والعابر للمغرب. لكن يُلحظ أن فرنسا أصلا ضد إنجاز الأنبوب العابر لأوروبا من إسبانيا إلى ألمانيا وهي تفضل العلاقات الثنائية المباشرة بين الجزائر ودول أخرى وهي لا تسعى لحد الآن إلى إنجاز هذا الخط”.

إسبانيا والجزائر
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ورئيس الحكومة الإسباني بيدرو شانسيز
من جهته، قال العيد زغلامي: “لا أعتقد أن فرنسا تملك أوراقا تلعبها فيما يخص الوساطة إذ إنها ليست حيادية في قضية الصحراء الغربية ونحن نعرف علاقتها المتميزة مع المغرب إذ كان الملك محمد السادس قد تكلم منذ يومين عن الدعم الفرنسي لما يسمى بالوحدة الترابية. بالنسبة للجزائر ففرنسا انحازت إلى المغرب وليس لها دور الحكم النزيه أو المفاوض الذي يكون على نفس المسافة بين المغرب والجزائر وبين إسبانيا والجزائر”.

وأضاف محدثنا فيما يخص ملف الطاقة: “ما يهم ماكرون خلال الزيارة هو كيفية تعويض الخسارة ونقص الغاز الروسي في أوروبا وتعويضه بالغاز الجزائري. ماكرون سيحاول إيجاد صيغة توفيقية بين الجزائر وإسبانيا من باب أن الأخيرة تحاول التفاوض مع الجزائر في مجال الطاقة وليس أمر آخر. يهم فرنسا والاتحاد الأوروبي تأمين مصدر الطاقة خاصة ونحن على أبواب الخريف والشتاء”.

الجزائر-فرنسا: نحو طي صفحة الخلاف بعد زيارة ماكرون؟
يرى بوخلاف أن العلاقات بين فرنسا والجزائر قد “رجعت إلى سابق عهدها وأصبحت عادية وعلى الرغم من أنها ليست حميمية لكنها مقبولة على المدى البعيد. بالنسبة إلى ملف الذاكرة، من المنتظر أن يدلي ماكرون بتصريحات جديدة وجريئة نوعا ما. إضافة إلى ذلك هناك اتفاقيات اقتصادية مرتقبة خاصة وأن الجزائر تنتظر من المؤسسات الفرنسية استثمارات مباشرة وبالتالي فأظن أن العلاقات ستكون على أحسن ما يرام بالرغم من بعض النزوات في بعض الأوقات وبعض التصريحات التي يمكن أن تخرج عن نطاقها”.

فرنسا الجزائر

في المقابل، يرى زغلامي أنه “من الصعب طي الخلاف وهو قائم منذ عقود لأن المسألة تتعلق بمشكلة فرنسية داخلية لا بد من حلها لتوحيد الموقف الفرنسي إزاء الجزائر بما في ذلك موقف الأحزاب المتطرفة. الحل يتطلب اعتراف فرنسا علنيا بجرائمها مثلما قامت به بلجيكا في الكونغو. يجب أن يكون التعامل بين الدولتين على أساس الند للند. قضية الذاكرة لا تزال عالقة وزيارة ماكرون يجب أن تجسد من خلال إرادة فرنسية حقيقية لتحسين العلاقات وفق الاحترام المتبادل. لكن أخشى أن مغادرة ماكرون الحكم في فرنسا ستفتح المجال أمام صعود المتطرفين للسلطة وبالتالي نعود إلى نقطة الصفر. العلاقات بين الجزائر وفرنسا شائكة وتتطلب وقتا”.

هل لا يزال باب الدبلوماسية مفتوحا بين الجزائر والمغرب؟
وبالنسبة للعلاقات الجزائرية-المغربية، قال الصحافي علي بوخلاف: “في العلاقات الدولية والدبلوماسية كل شيء ممكن، ومن المرجح أن تعود العلاقات إلى طبيعتها لكن هذا سيأخذ وقتا طويلا. نتذكر أنه في 1976 تم قطع العلاقات بين الجزائر والمغرب وتم استئنافها بعد سنوات، وبالتالي يمكن أن يتم ذلك على المدى المتوسط أو البعيد”.

لكن أستاذ الإعلام والاتصال في جامعة الجزائر العيد زغلامي لا يرى من أمل في استئناف العلاقات الجزائرية-المغربية، وهو يقول: “أظن أن العلاقات بين الجزائر والمغرب خرجت من إطارها الدبلوماسي. نحن في نفق بسبب التعنت المغربي في مواقفه وتصرفه وغلق باب الحوار وشن حملة مسعورة على الجزائر والاستقواء بإسرائيل والاحتماء بدول منها الأوروبية. يعتقد المغرب أنه حقق مكاسب دبلوماسية لكن لا تأثير لها في ظل استمرار نزاع الصحراء الغربية. هناك بوادر غير حسنة مثل تصريحات رئيس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين (الداعية المغربي أحمد الريسوني) وهناك جهات أخرى تطالب بمناطق جزائرية، ما يشكل مصدر قلق للجزائر وهو ما لا يسمح للدبلوماسية بلعب دورها. أبواب الدبلوماسية أغلقت ونحن في مرحلة أخرى هي حرب كلامية وإعلامية”.

كيف يمكن استئناف العلاقات الطبيعية بين الجزائر وإسبانيا؟
قال علي بوخلاف: “أذكّر هنا بتصريح لأحد الناطقين باسم رئاسة الحكومة الإسبانية مؤخرا قال فيه إن حل مشكلة الصحراء الغربية يكون في إطار الأمم المتحدة وبالتالي فإن مثل هذه التصريحات يمكن أن تدفع الطرف الجزائري إلى التنازل نوعا ما خاصة في الجانب الاقتصادي، لأن العلاقات الجزائرية-الإسبانية عريقة ومتينة ويمكن أن ترجع إلى سابق عهدها بسهولة في حال تراجع إسبانيا عن تصريحاتها السابقة (بخصوص نزاع الصحراء الغربية) ولو شكليا أو ضمنيا”.

بدوره، قال العيد زغلامي: “تحيز إسبانيا إلى المغرب كان السبب وراء فقدان الثقة في العلاقات الجزائرية-الإسبانية. فالجزائر ملتزمة بعقود الغاز لكن سياسيا واقتصاديا الأمور مجمدة إلا في حال رجوع إسبانيا عن الإساءة وانتهاك روح الاتفاق مع الجزائر. نحن نرتقب الانتخابات الإسبانية وصعود حكومة تعيد المياه إلى مجاريها”.

المصدر: موقع عربي بوست