السياسية :

 

يتَشكّل فيما يبدو موقف عُماني رافض صارم وحازم لحالة الإقبال غير المسبوقة على التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وتحديدًا من قِبَل دول “سلام أبراهام” الخليجيّة.

الجديد في المواقف العُمانيّة، ويُسجّل لها في سياق الأفعال، لا فقط الأقوال، الأنباء حول رفضها فتح أجوائها أمام الرحلات الجويّة الإسرائيليّة، هو ما يعني التعطيل التام على تلك الطائرات الاستفادة من فتح الأجواء السعوديّة وتقصير المسافة ومُدّة الرحلات ساعتين إلى ثلاثة في الطيران إلى الشرق الأقصى، كالهند، وتايلاند، والصين، كما والتقليل من كُلفتها، وتطبيقاً للمثل القائل “كأنّك يابو زيد ما غزيت”.

هذه أنباء ذكرتها صحيفة “يسرائيل هيوم”، وتأتي بمثابة الصّدمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، فالأخيرة كان في اعتقادها أن فتح الأجواء السعوديّة يعني تلقائيّاً فتح الأجواء العُمانيّة أمامها بواقع قوّة العلاقات السعوديّة- العُمانيّة، وشركة طيران “العال” الإسرائيليّة أساساً كانت قد أعلنت الأسبوع الماضي أنها ستحصل على إذن بالتحليق في أجواء عُمان في غُضون أيّام، وقد خاب ظنها، وهذا ما يُؤكّد على وجود إصرار عُماني رسمي وشعبي على رفض التطبيع، وتذكير بسيادة واستقلاليّة عُمان المُعتادة، ونأيها عمّا لا يخدم مصالحها، تماماً كما فعلت بحيادها في حرب اليمن، وأزمة مُقاطعة قطر، فكيف الحال بالتطبيع الذي أضر، ويضر، بسمعة دول خليجيّة طبّعت، وسبقتها إليه الأردن، ومصر، حيث جرى الاعتداء على مُواطنيها السيّاح الإماراتيين في تل أبيب، ما خلق انتقادات داخليّة لإقدامها على “سلام أبراهام”، أو خلق حالة تضامن واسعة مع وزيرة بحرينيّة (مي الخليفة)، رفضت مُصافحة السفير الإسرائيلي في المنامة، وعُوقبت بالإقالة من منصبها.

وتحدّثت الأوساط العُمانيّة عن مُغريات ماليّة أمريكيّة وإسرائيليّة جرى طرحها على السلطنة للمُوافقة على فتح الأجواء، كما جرى التحذير من ضُغوطات إسرائيليّة وخليجيّة على عُمان، ودعمها في موقفها الوطني، إلى جانب أهميّة علاقتها الإيجابيّة مع إيران، فعلاقات السلطنة مع الجمهوريّة الإسلاميّة امتازت بالإيجابيّة على الدوام، كما لعبت عُمان دائماً دور الوسيط المُحايد في الأزمات، وباختيارها لهذه المَهمّة، وأبرزها المفاوضات السريّة الأمريكيّة الإيرانيّة التي تُوّجت بالاتفاق النووي في عهد إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما.

بكُل حال الانفتاح العماني على إيران الإسلاميّة، واتخاذ مواقف مُشتركة ضد مصالح دولة الاحتلال الإسرائيلي، يختلف تماماً عن التنسيق والعمل والتطبيع مع الكيان تحت عُنوان مصالح الفلسطينيين، والذي تُدينه الشعوب العربيّة والإسلاميّة بواقع أفعالها الرافضة له بالتظاهرات الشعبيّة أو التغريدات الافتراضيّة.

وتعزيزًا للموقف السياسي العُماني يأتي دور الديني، وعلى عكس العديد من بعض شيوخ الخليج الذين ما انفكّوا عن جلب فتاوى “الإحسان” لليهود من بوّابة تعامل النبي محمد الأكرم معهم، وتقديم محاسن التطبيع من خلال الفتاوى والدراما، سجّل مُفتي عُمان الشيخ أحمد بن حمد الخليلي الذي وقف إلى جانب ما وصفهم بأبطال القدس وغزّة وفي معركة سيف القدس، وطلب الدعاء لهم، كما أدان أخيرًا “العدوان الغاشم” على غزة، والذي أدّى إلى مقتل فلسطينيين، الكثير منهم أطفال عُزّل، وأدان في فتاوى رسميّة كُل أعمال التطبيع مع العدوّ الإسرائيلي.

بطبيعة الحال تُعبّر مواقف المُفتي العُماني ليس فقط عن شعب عُمان الرافض للتطبيع جُملةً وتفصيلاً كما أعلن تكرارًا عبر أرض الواقع والمنصّات، بل عن القيادة العُمانيّة الجديدة، فالمُفتي مُعيّن من قبلها، وجميع فتاويه وتصريحاته مرصودة، ويجري مُباركتها، بل وهي مصدر إحراج لمُحيطها الخليجي المُطبّع منها، حيث كان هاجم المفتي الخليلي التطبيع قائلاً “إن من يقف مع الاحتلال الإسرائيلي ويشد أزره ضد الفلسطينيين، فإن ذلك لا يصدر إلا ممن في قلبه مرض”، كما هاجم المفتي دولاً خليجيّة مُطبّعة بعينها، وهو بذلك يُسجّل مواقف ثابتة، وحقيقيّة ضد التطبيع، وليست للاستهلاك الإعلامي.

وعلى عكس الاسطوانة الخليجيّة الدّارجة بخُصوص تحمّل الفلسطينيين مسؤوليّة الدفاع عن بلادهم ومُقدّساتهم، وفشلهم يعني وجوب تجربة خيار التطبيع، كان المفتي العُماني صارماً بخصوص ذلك، وأكّد أن مسؤوليّة تحرير المقدسات، هي مسؤوليّة الأمّة جميعاً، وخُذلان المسلم هو خُذلان الدين.

وفي موقف داعم للعربيّة السعوديّة كقائدة للعالم الإسلامي، وخادمة للحرمين، ومحاولة لتثبيتها ضد مُطالبات التطبيع الغربيّة، كما شد أزر مشائخها الرافضين لمُصافحة قادة الكيان، تحت راية التوحيد، تضامن المفتي العُماني مع إمام الحرم المكّي صالح بن حميد، ضد الحملة الإسرائيليّة الهُجوميّة التي طالته، وذلك بعد دعائه على اليهود من على منبر الحرم، وأكّد أن الدعاء “أثلج صُدورنا”.

 

* المصدر : رأي اليوم – خالد الجيوسي

* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع