لماذا تصاعد خطاب الكراهية ضد المسلمون في الهند ؟
السياسية:
يقدّر المسلمون في الهند بنحو 200 مليون نسمة، ما يجعل الهند ثالث أكثر بلد من حيث عدد المسلمين في العالم بعد إندونيسيا وباكستان.
ورغم ذلك، فإن المسلمين لا يشكلون إلا ما يقارب 15 بالمئة من سكان الهند، وبالتالي، يصنفون كأكبر أقليّة في البلد ذي الغالبية الهندوسية.
خلال الأشهر القليلة الماضية، تكثّفت بشكل ملحوظ الأخبار عن تصاعد ممارسات التمييز بحقّ المسلمين في الهند، وبلغ الأمر ذروته عند نشوب أزمة دبلوماسية حادة بين الهند وعدد من الدول الإسلامية، نتيجة تصريحات حول النبي محمد، أطلقتها المتحدثة السابقة باسم حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم، نوبور شارما، والناطق الإعلامي السابق باسم الحزب كومار جيندال.
ورأى مسلمون أن التصريحات استفزازية ومسيئة، وشهدت الهند مواجهات عنيفة وتظاهرات احتجاجاً على ما ورد على لسان شارما في مقابلة تلفزيونية، وما كتبه جيندال على مواقع التواصل.
التوزيع الديني في الهند
حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم، بزعامة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، حيّد نفسه عن تلك التصريحات، واعتبرها “هامشية”.
ولكن، بالرغم من نفي السلطات الهندية المستمرّ اتباعها أي سياسة تمييزية ضدّ الأقلية المسلمة، سجلت العديد من الجهات الحقوقية ومراكز الأبحاث خلال الأشهر الماضية أعمال عنف ضدّ المسلمين، واكبت خطاب كراهية علنيّ على لسان عدد من قيادات الحزب الحاكم. وفي وقت اعتقلت الشرطة الأخير على خلفية تصريحاته، وجهت محكمة هندية اللوم لشارما، وطالبتها بالاعتذار لأنها تسبّبت “بإشعال النار في البلاد”.
ويرى مختصّون في الشأن الهندي، أن موجات الكراهية ضدّ المسلمين تصاعدت منذ وصول حزب بهاراتيا جاناتا إلى الحكم، وتحقيقه فوزاً ساحقاً في الانتخابات عام 2014.
وتدهورت الأمور بشكل ملحوظ عام 2019، مع إقرار البرلمان الهندي تعديلات على قانون المواطنة الصادر عام 1955.
تسبّب التعديل بالجدل، لأنه كفل للمهاجرين الهاربين من الاضطهاد الديني في باكستان وبنغلادش وأفغانستان، حقّ الحصول على الجنسية الهندية، إن كانوا من أتباع الديانات السيخية والهندوسية والبوذية والمسيحية والجاينيّة والزراداشتية، ولكنه استثنى المهاجرين المسلمين.
يومها قال الحزب الحاكم إن السبب في ذلك يعود إلى كون المسلمين لا يعدّون أقليات مضطهدة في البلدان المجاورة، بعكس أتباع الديانات الأخرى.
لكنّ التعديل أثار موجات غضب في الهند، إذ رأى كثر أنه يتنافى مع الدستور الهندي ومع مبادئ حقوق الإنسان، إذ يقصي جماعة من نيل جنسية بلد ما بسبب ديانتها.
ويقول حقوقيون إنّ التعديل تكريس قانوني لمناخ كراهية عام، تعزّزه خطابات قادة الحزب اليميني الحاكم تجاه الأقلية المسلمة.
“أقلية مضطهدة”
وصنّف تقرير صدر عن لجنة خبراء دوليين مستقلة في تموز/يوليو الماضي، المسلمين، كـ”أقلية مضطهدة” في الهند، بعد مراجعة سلسلة انتهاكات وصفت بـ”الجديّة” لحقوق الإنسان، سجّلت بدءاً من عام 2019.
وبحسب أدلة جمعتها اللجنة، تشمل الانتهاكات اعتماد السلطات لقوانين وسياسات “تستهدف المسلمين أو تنعكس عليهم بشكل سلبي أكثر من غيرهم”. يضاف إلى ذلك فشل الدولة في الهند في حماية المسلمين من هجمات تستهدفهم، يصل بعضها حدّ القتل والتعذيب.
ومن خلال العودة إلى خطابات علنية لعدد من السياسيين البارزين في الحزب القومي الهندوسي الحاكم، تقوم السرديّة المهيمنة على رسم صورة سلبيّة عن المسلمين، من خلال تضخيم عدد من القضايا، أبرزها:
ـ الخشية من تحوّل المسلمين إلى أكثرية في البلاد خلال سنوات، وذلك ما تستبعده الاحصائيات. لكن الهاجس الديموغرافي يحضر بكثافة على لسان القوميين الهندوس، ويدعو بعض قادتهم أتباع الديانة لتكثيف الإنجاب.
ـ التهويل بما يسمّى “جهاد الحبّ”، إذ يأخذ بعض القوميين الهندوس على عاتقهم منع الزيجات المختلطة بين أتباع الإسلام والهندوسية، قائلين إن هناك رجالاً مسلمين يدّعون أنهم هندوس، للزواج من هندوسيات، وإجبارهن على اعتناق الإسلام.
ـ العودة إلى أحداث دمويّة في تاريخ الهند، خلال حقبة حكم المغول التي امتدت لنحو ثلاثة قرون (1526-1857)، وخصوصاً خلال حكم السلطان أبو المظفر محيي الدين محمد الملقب بأورنكزيب عالم كير، في نهاية القرن السابع عشر.
للبحث في مدى الدقّة التاريخية لهذه السرديّة، طرحنا السؤال على المؤرخة الأمريكية وأستاذة الدراسات الآسيوية في “جامعة روتجرز” أودري تراشكي.
تاريخ من الانقسامات
صحيح أن خطاب الكراهية والأفعال المعادية للمسلمين تكثفت خلال السنوات القليلة الماضية، ولكن تراشكي تقول إنها “ليست ظاهرة جديدة، بل جزء جوهري من القومية الهندوسية، منذ نشأتها كإيديولوجيا يمينة قبل حوالي قرن من الزمن”.
بحسب تراشكي، فإنّ “عقيدة الهيندوتفا” (القومية الهندوسية) كانت تعدّ في السابق وجهة نظر راديكالية هامشية، لا يفكّر أي هندي محترم أن يتبناها، ولكن ما تغيّر الآن هو أن القوميين الهندوس باتوا يحكمون البلاد”.
وبحسب عقيدة هيندوتفا، “فإن المسلمين هم العدوّ الرئيسي والعقبة التي يعرّف الهندوس (هويتهم) ضدّها”، تقول تراشكي.
وقبل العودة إلى تاريخ حقبة المغول، يشكّل انقسام الهند وباكستان عام 1947، أبرز الأحداث السياسية الحديثة التي رسمت حدود انقسام دمويّ بين المسلمين والهندوس في شبه القارة الهندية.
أدى الانقسام في نهاية الحكم البريطاني إلى تهجير الملايين، وتفريق العائلات عن بعضها، وإلى سقوط قتلى يقدرون بمئات الآلاف.
وبحسب دراسة لـ”مجلس العلاقات الخارجية” وهو مؤسسة أمريكية مستقلة ودار نشر تختص بإصدار دراسات حول السياسة الدولية، فإن الدستور الهندي يكفل المساواة بين كافة شرائح المجتمع، وقد أضيفت كلمة “علمانية” إلى مقدمته عام 1976.
وبعد اغتيال غاندي عام 1948، أراد أول رئيس وزراء للهند بعد الاستقلال جواهر لال نهرو، تكريس مبدأ المساواة والدولة العلمانية، ولكن التوترات السياسية في الثمانينيات، جعلت زعيمة حزب المؤتمر الوطني الهندي أنديرا غاندي، “تستغل الانقسامات الدينية” بحسب الدراسة، للبقاء في الحكم.
وحاول السياسيون في الهند مغازلة الفكر القومي الهندوسي الذي بدأ بتشكل في عشرينيات القرن الماضي على يد الكاتب والسياسي فيناياك دامودار سافاركار الذي وضع التنظيرات الأولى لعقيدة الهيندوتفا.
أما حزب الشعب الهندي الحاكم اليوم، فقد تأسس في عام 1980، ووصل إلى الحكم بأغلبية مطلقة عام 2014.
بحسب تراشكي، فإن فكرة بناء “هند علمانية” لم تكن يوماً في حسبان القوميين الهندوس، الذي “كانوا لدرجة واسعة خارج المعركة من أجل استقلال الهند عن بريطانيا، لأنهم كانوا يعتبرون أن المسلمين، وليس البريطانيين، هم عدوّهم الحقيقي”.
صورة “المغول الأشرار”
وتعتقد تراشكي أن القوميين الهندوس يعيدون تشكيل أحداث تاريخية من حقب ماضية، لتدعيم نظرياتهم العقائدية، خصوصاً حول مرحلة حكم المغول.
تقول المؤرخة إن “تاريخ الهند في عصور ما قبل الحداثة، شهد عدّة أشكال من الصراعات المسلحة التي لم تكن مبنية على أساس تقسيمات دينية. في الواقع، إن عدنا إلى التاريخ سنجد أن الكثير من ملوك الهند المسلمين، اختاروا تعيين أعوان من الهندوس، ومنهم قادة عسكريين كبار، والعكس صحيح”.
وترى تراشكي أن صورة “المغول الأشرار” التي يستند إليها القوميون الهندوس لرسم مظلومية تاريخية، وتوظيفها لخدمة أولوياتهم، ليست دقيقة. وتقول “إن الكثير من المظالم التي ينظر إليها كوقائع تاريخية حقيقية، هي إلى حد كبير أفكار مغلوطة اخترعت في القرنين التاسع عشر والعشرين، مع تبني الاستعمار البريطاني بروباغندا تشيطن الحكام الهنود المسلمين تاريخياً، كاستراتيجية لتبرير الاستعمار”.
وبحسب دراسة “مجلس العلاقات الخارجية”، فإنّ السياسة الهندية شهدت خلال السنوات الثلاثين الماضية، عدداً من الأحداث العنيفة التي مهّدت الطريق للمشهد السائد اليوم.
أبرز تلك الأحداث الهجوم على مسجد بابري عام 1992، في مدينة أيوديا شمال البلاد. بحسب المعتقدات الهندوسية، فإن ذلك المسجد بناه قائد عسكري مغولي خلال القرن السادس عشر، في موقع ولادة الإله الهندوسي رام. وفي عام 2020، سمحت المحكمة العليا في الهند ببناء معبد للإله رام في مكان المسجد المدمّر الذي أدت أعمال العنف حوله إلى مقتل نحو 3 آلاف شخص معظمهم من المسلمين.
من الأحداث المهمة أيضاً، والتي أدت إلى موجات عنف ديني، حادث القطار في ولاية كجرات، شمال غرب البلاد، عام 2002. أدى حريق في القطار إلى مقتل عشرات الحجاج الهندوس، وألقي اللوم على المسلمين في الحادثة، ما أدى إلى أعمال قتل وعنف طالت مواطنين مسلمين، وتدمير مصالحهم وأماكن عبادتهم.
وتشير تقارير حقوقية خلال السنوات الماضية، إلى أن الهجمات على المسلمين تكثفت خصوصاً مع تشكيل بعض الهندوس فرق مراقبة، لتعقّب تجار الماشية المسلمين، واعتراض طريقهم، وصولاً إلى قتل بعضهم، رفضاً لذبح البقر التي تعدّ حيوانات مقدسة عند الهندوس.
هند “هندوسية فقط”؟
يستند القوميون الهندوس في سرديتهم الكارهة للمسلمين إلى اعتقاد راسخ بأن الهند هي بلد هندوسي في الأساس، وأن المسلمين دخلاء على النسيج الهندي “الأصلي” للبلاد.
بحسب المؤرخة أودري تراشكي فإن هذه السردية غير دقيقة تاريخياً، فشبه القارة الهندية لم تكن أبداً خلال تاريخها الثريّ والمتنوّع “هندوسية فقط”، ولا “يمكننا الحديث عن الهند من دون الإشارة إلى تقاليد متعددة الأشكال والمصادر، من ضمنها الثقافات الإسلامية”.
تقول: “يبلغ عمر التقاليد الهندوسية بأشكالها الأولى نحو 3500 عاماً، في حين أن تاريخ الهند أقدم من ذلك بكثير. من الناحية الدينية، يمكننا القول إن التقاليد القبلية تشكّل أقدم التقاليد الدينية في شبه القارة الهندية، وليس الهندوسية. في الأصل، كانت التقاليد الهندوسية محصورة وسط جماعات صغيرة في العصر الفيدي (1500 إلى 600 قبل الميلاد) في الشمال الغربي للبلاد، أو ما يعرف حالياً بأفغانستان وباكستان. تلك التقاليد أخذت آلاف السنين لتنتشر، سواء على المستوى الجغرافي، أو عبر طبقات المجتمع الهندي، كما تغيّرت بشكل جذري عبر الزمن”.
بالنسبة لتراشكي، لا يمكن أن نتخيّل الثقافات الهندية على تنوعها في الفن واللغة والملابس والأدب وغيرها، من دون تأثير انتشار التقاليد الإسلامية في شبه القارة الهندية، على مدى الـ 1300 سنة الماضية. تقول: “حين يصرخ القوميون الهندوس Jai Hind! أو “النصر للهند”، فهم يستخدمون كلمة “هند” ذات الجذر الفارسي – العربي. كما أن الوجهات السياحية الأكثر ربحاً في الهند ذات أصول هندية مسلمة، بناها حرفيون ينتمون إلى تقاليد دينية متنوعة”.
المصدر: بي بي سي