السياسية- متابعات:

مرّ حوالي 6 أشهر على العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا. وهو الوقت الذي كانت تظن فيه الولايات المتحدة أنه كافٍ للحد من فعالية تقدم موسكو اتجاه تحقيق أهدافها، من خلال وضع مزيد من العقوبات، لكنه في الواقع، لم يكف لتتم واشنطن استخلاص النتائج من تجارب العقوبات التي فرضتها، والتي تثبت شهراً بعد آخر، أنها لا تزيد الوضع إلا سوءاً بالنسبة للدول الأوروبية، التي سيعيش مواطنوها بالقريب العاجل، في حرارة دون الـ 20 درجة تحت الصفر، كألمانيا، دون وقود للتدفئة على الأقل.

تحت عنوان: “النفط.. الآثار “المحدودة للغاية” للعقوبات الغربية ضد روسيا، قال موقع “ميديابارت” الاستقصائي الفرنسي إن النفط أصبح أكثر من أي وقت مضى هبة من السماء لموسكو.. فعلى الرغم من العقوبات، فإن روسيا تنتج وتصدر تقريباً بقدر ما كانت تفعل قبل العملية العسكرية، وفقاً لتقرير وكالة الطاقة الدولية، في ظل ارتفاع الأسعار.

ما مدى فعالية العقوبات الغربية ضد روسيا؟

السؤال مشروع بعد 6 أشهر، فالعالم شهد خلال هذه الأشهر الستة ارتفاعاً تاريخياً في أسعار الطاقة، حيث عاد التضخم إلى مستويات لم يشهدها منذ عدة عقود وينتشر ليشمل جميع قطاعات الاقتصاد العالمي، إذ عادت المخاوف من الركود للظهور، وها هي أوروبا اليوم تتساءل عما إذا كانت ستتمكن من تدفئة نفسها هذا الشتاء.

ويتابع “ميديابارت” أنه لا توجد أرقام موثوقة لتقييم التأثير الحقيقي للعقوبات غير المسبوقة المفروضة على روسيا على اقتصادها. وتضمن موسكو أنها تتغلب تماما على جميع المحظورات – تجميد احتياطاتها الخارجية، وحظر الوصول إلى النظام المالي الدولي، وحظر شراء التقنيات الغربية المهمة، والحظر على صادراتها من الهيدروكربونات والمواد الخام – التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها. ومع ذلك، انكمش الناتج المحلي الإجمالي الروسي بنسبة 4.7% في الربع الثاني، وفقا للتقديرات الأولية. هذا أقل بكثير مما توقعه بعض الخبراء في بداية الحرب -كانوا يراهنون على الانهيار الاقتصادي لروسيا في غضون أسابيع قليلة- لكن الصدمة تبقى كبيرة رغم كل شيء، حيث يقول الاقتصادي الروسي ألكسندر إيساكوف: “إن الحرب في أوكرانيا تعيد روسيا أربع سنوات إلى الوراء”.

وقال “ميديابارت” إنه إذا كان الاقتصاد الروسي قد أظهر بعض المقاومة، فإن ذلك يرجع في المقام الأول إلى صادراته من الغاز والنفط، والتي أصبح يعتمد عليها بشكل متزايد. فمنذ بدء العملية، تراجعت صادرات النفط الروسية إلى الولايات المتحدة وأوروبا واليابان وكوريا الجنوبية بمقدار 2.2 مليون برميل يوميا، لكن تم تحويل وجهتها إلى الهند والصين وتركيا، على سبيل المثال لا الحصر المتلقين الرئيسيين. وتفوقت الصين على أوروبا كأكبر مستورد للنفط الروسي في شهر حزيران/يونيو الماضي.

وكانت وكالة الطاقة الدولية قد توقعت أن تصل خسائر الإنتاج لصناعة النفط الروسية إلى ملايين البراميل يوميا، عندما تم الإعلان عن العقوبات الغربية، وها هي تعترف اليوم بأنها كانت مخطئة في تقديراتها: “كان للعقوبات الغربية تأثير محدود للغاية” على موسكو. ففي شهر يوليو الماضي، كان إنتاج روسيا من النفط أقل بمقدار 310 آلاف برميل في اليوم فقط من مستويات ما قبل الحرب من أوكرانيا، وانخفضت صادراتها النفطية بمقدار 510 آلاف برميل فقط في اليوم، وهو ما يمثل انخفاضا بنسبة 3 و 4% مقارنة بنهاية عام 2021. هذا التخفيض الصغير أقل أهمية لأنه في الوقت نفسه ارتفعت أسعار النفط الخام بأكثر من %30 وكانت تحوم حول 100 دولار للبرميل في الأيام الأخيرة. وبفضل صادراتها النفطية، كسبت موسكو 21 مليار دولار في شهر يونيو و19 مليار دولار في شهر يوليو.

 

العواقب غير المُقيّمة للحظر الأوروبي

ماذا سيحدث هذا الشتاء؟ السؤال يطرح نفسه على اللاعبين والسياسيين في سوق النفط، يقول “ميديابارت”، موضحاً أنه في نهاية العام، سيتعين على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي-باستثناء المجر وجمهورية التشيك وسلوفاكيا التي حصلت على تدابير الإعفاء نظرا لموقعها الجغرافي غير الساحلي- أن تفرض حظرا شاملا على النفط الروسي، كما هو مقرر في حزمة العقوبات السادسة التي فرضت على موسكو في نهاية شهر أيار/ مايو.

وعلى أمل تخفيف التوترات، اقترحت الولايات المتحدة، في قمة مجموعة السبع الأخيرة، تنفيذ آلية تسمح بصادرات النفط الروسية ولكن بسعر أعلى، بطبيعة الحال، أقل من تلك الموجودة في السوق. من المفترض أن يصحح الجهاز أخطاء ونواقص العقوبات التي تثبت في هذه المرحلة أنها عقابية للغرب كما لروسيا.

فحتى لو استمرت مناقشة الاقتراح، فلن يحرز أي تقدم. ويتوقع الكثيرون ألا شيء سيتحرك إلى الأمام. لأن اعتماد هذا الإجراء يفترض مسبقا شرطا أساسيا مهما: موافقة الكرملين. فبينما نجح فلاديمير بوتين في الالتفاف على العقوبات، من الصعب تخيله يقبل إعادة إنتاجه النفطي تحت السيطرة الغربية، وهو علاوة على ذلك بسعر منافس! ما تزال الولايات المتحدة وأوروبا لا تفهمان أنهما لم يعودا في وضع يسمح لهما بفرض وجهات نظرهما وسياساتهما على بقية العالم، يقول “ميديابارت”.

من جهتها، قالت صحيفة “أوبزيرفر” ان الأوكرانيين قد يتعرضون لطعنة في الظهر. معتبرة ان “ما لم يكن واضحا هو فيما إن كان القادة يعتقدون صدقا بقدرتهم على تحقيق الأهداف، نظرا لسجل الناتو غير المشرف الرافض للتدخل مباشرة…وهو ما يستدعي طرح سؤال مثير للقلق وغير مريح: هل على الأوكرانيين تحضير أنفسهم لطعنة في الظهر بحلول الشتاء؟”.

وبعد مرور ستة أشهر على الحرب فالفجوة تزداد اتساعا بين الخطاب والواقع العبثي. فقد حل محل الغضب العام على الغزو القلق الذي يصل إلى حد الفزع، بشأن الآثار المقلقة على الطاقة وأسعار الطعام وكلفة المعيشة. وهو ما يثير الشك حول بقاء الوحدة الأوروبية، وإلى متى ستظل قبل أن تنهار، لو قامت روسيا بغلق صنبور الغاز الطبيعي عنها.

 

  • المصدر : الخنادق اللبناني
  • المادة الصحفية تم نقلها من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع