مستقبل “المجلس الرئاسي” بعد معارك شبوة
السياسية – متابعات:
علي ظافر
بعد مواجهات عنيفة ودامية خلال الأيام الماضية، بين مجاميع مسلّحة تابعة للإصلاح، مغضوب عليها سعودياً وإماراتياً، ومجاميع مسلّحة مدعومة سعودياً وإماراتياً (العمالقة، وقوات شبوة)، تمكنت الأخيرة من السيطرة على مدينة “عَتَق”، المركز الإداري لمحافظة شبوة جنوبي شرقي اليمن.
وسط معلومات مفادها أن طائرات مسيّرة إماراتية دخلت على خط المواجهات لمساندة “العمالقة”، وتسببت بمقتل أكثر من 60 عنصراً من مقاتلي حزب الإصلاح في أثناء المعارك، وقتل آخرين في أثناء الانسحاب.
ليس هذا الخبر مفاجئاً، ولن يكون كذلك، فالصراع بين هذه الأدوات صراع مزمن حاولت السعودية احتواءه، بهدف توحيد هذه المجاميع المتباينة والمتقاتلة تحت مظلة “التحالف” لقتال الجيش اليمني واللجان الشعبية.
ولهذا الهدف جمعتهم في الرياض أكثر من مرة، وأجبرتهم على توقيع ما عرف بـ “اتفاق الرياض”، لكنه فشل في نسختيه، ثمّ لمّا تبيّن للنظام السعودي استحالة ذلك، بدأ يفكر في صيغ بديلة، وذهب إلى إطاحة الأدوات القديمة، الواحدة تلو الأخرى، بدءاً بعبد ربه منصور هادي وعلي محسن الأحمر (الرئيس ونائبه)، وصولاً إلى محمد المقدشي، الذي عيّنوه وزيراً للدفاع.
ثم رست الصيغة السياسية والعسكرية بالتوافق بين الرياض وأبو ظبي على تشكيل ما سُمِّي “المجلس الرئاسي”، وهو تشكيلة كان الهدف منها إعطاء الفصائل المدعومة إماراتياً (“الانتقالي”، و”العمالقة”، و”حراس الجمهورية”) صفةً سياسية وشرعية دولية، من وجهة نظر التحالف، بينما تم اختيار فرج البحسني وسلطان العرادة وعبد الله العليمي ممثلين لحزب الإصلاح وللسعودية، ووضع رشاد العليمي، المعروف بارتباطه الوثيق بواشنطن والرياض، على رأس ذلك المجلس.
كنا ندرك، منذ البداية، أن هذه التشكيلة وُلِدَت ميتة، وأنها غير قابلة للحياة، وغير قابلة للبقاء سياسياً، لسبب واحد، هو أن هذه التوليفة غير منسجمة وغير متجانسة، وما يفرّقها أكثر مما يجمعها، تاريخياً وحاضراً ومستقبلاً.
فهناك تباين كبير فيما بين أعضائها، في الأجندة والمشاريع السياسية، والأيدولوجيات، والارتباطات الخارجية. ونحن اليوم أمام واحد من أهم مصاديق ذلك، إذ باتت سبحة المجلس مهدَّدة بالانفراط في أي لحظة في ظل الاحتقان القائم، بعد أن قدّم عبد الله العليمي (محسوب على الإخوان المسلمين) استقالته من المجلس، ثم عدَل عنها نتيجة ضغوط سعودية على خلفية الأحداث الدامية في شبوة ومساعي تجريف قوات الإصلاح من المشهد تماماً، علماً بأن السعودية ذاتها تدعم هذا التوجه، إلى جانب الإمارات، وتمرّر ذلك عبر ما يُسمى “المجلس الرئاسي”، الذي لا يملك في الحقيقة قراراً، بقدر ما ينفّذ إملاءات السعودية والإمارات.
وحزب الإصلاح يدرك ذلك، وبات يخشى على مأرب بعد شبوة، وهذا ما يفسّر تهديده الأخير بـ”إعادة النظر في مشاركته في كل المجالات” إذا لم تتم الاستجابة لشروطه، عبر إقالة محافظ شبوة المعيَّن إماراتياً، ومحاسبة من تسبّب بالأحداث الدامية، كما ورد في بيان الإصلاح.
تمكين “العمالقة” و”الانتقالي” في محافظة شبوة، ثالثة أكبر المحافظات، من حيث المساحة، وفي أكثر من محافظة، يأتي في سياق تجريف الإخوان المسلمين، المغضوب عليهم سعودياً وإماراتياً، من المشهد، سياسياً وعسكرياً، ووصمهم بطابع التمرد على الشرعية، بعد أن كان التحالف، طوال الأعوام الماضية، يصفهم بـ “الشرعية” و”الجيش الوطني”، بينما باتت قوات التمرد في الأمس “شرعيةً” في نظر التحالف اليوم.
وهذا ما بدا واضحاً في الإعلام الإماراتي، كما في الإعلام السعودي، على نحو يعزّز حقيقة مفادها أن التحالف يستخدم هذه القوى ويدير عبرها الفوضى، لأهداف تكتيكية، تصبّ في خدمة أهدافه الاستراتيجية: السيطرة والهيمنة على المحافظات النفطية والمواقع والجزر الاستراتيجية.
من ضمن التباينات أيضاً، أن “قوات حرس الجمهورية”، التي ترفع شعار الوحدة، تصطف بصورة مباشرة مع “الانتقالي” و”العمالقة”، اللذين لا يؤمنان بالوحدة، بل يدوسان علمها، ويطمحان إلى العودة إلى ما قبل عام 1990، من خلال انفصال ما يسمّيانه “دولة الجنوب العربي”. وكل ذلك تحت مسمى “الشرعية”.
وهذا يدفعنا، بصورة قاطعة، إلى استنتاج، مفاده أن المعارك، التي دارت في شبوة، تخدم أجندة خارجية من خارج السياقات المذهبية والمناطقية والسياسية والجهوية والشعارات التي ترفعها الفصائل المتناحرة.
وهذه القوى الخارجية معلومة بالضرورة (السعودية والإمارات)، وتضع نصب أعينها محافظة شبوة بسبب ما تتمتع به من ثروات نفطية وغازية، ومواقع استراتيجية مهمة، نتيجة إطلالتها على البحر العربي والبحار المفتوحة. ووُلدت هذه القناعة لدى محمد بن سلمان بعد أن وجد نفسه مستنزَفاً مالياً وعسكرياً من جانب الإخوان المسلمين، طوال سبعة أعوام، وخرج من السوق من دون حمّص، كما يقال.
إذاً، ما يجري يخدم مشاريع خارجية مكشوفة. وبات رهان التحالف، في تحقيق أهدافه، سواء في شبوة، أو في غيرها من المحافظات النفطية والمشاطئة للبحر الأحمر والبحر العربي، على قوتين أساسيتين:
– القوات الجنوبية، ممثلة بـ”الانتقالي” و”العمالقة”.
– قوات طارق عفاش، والتي لا تزال تنسب نفسها إلى حزب المؤتمر.
وهذا ما يفسّر دعم التحالف، عسكرياً وسياسياً وإعلامياً، لفصيل على حساب آخر، مع أن هذه القوات كلها كانت تقاتل تحت مظلة التحالف طوال سبعة أعوام. إذاً، المسألة تتجاوز عبد ربه لعكب، وعوض محمد، ابن الوزير العولقي، وقبلهما ابن عديو. الكل مجرد أدوات و”كروت” مرحلية، في نظر تحالف العدوان. ومن يخدمْ مشروع الاحتلال أكثر تُطلَقْ عليه صفةُ “شرعية”.
الصراع والتباين القائمان في شبوة قد يوسّعان الشرخ أكثر داخل “المجلس الرئاسي” المعيَّن سعودياً. فبعد استقالة عبد الله العليمي، قد يستقيل العرادة. وهذا ما تخشاه الرياض، التي أرسلت الخميس طائرة خاصة إلى عدن لنقل العليمي إلى الرياض، في محاولة للضغط عليه من أجل العدول عن الاستقالة.
وإن عَدَل عنها هذه المرة فقد يُقْدِم عليها مستقبلاً، بسبب ما ذكرناه سابقا عن التباين داخل مجلس المتناقضات، لأن هناك مخاوف لدى حزب الإصلاح من أن ما جرى في شبوة سيحاصره في مأرب، وسيقلّص نفوذه عبر استنساخ تجربة شبوة في مأرب، آخر معاقل الإخوان المسلمين، من خلال تغيير العرادة وإحلال أحد الموالين للإمارات بديلاً عنه. لن نستبق الأمور، وسننتظر مآلات المشهد، لكنا لا نستطيع ذلك كله.
- المصدر: الميادين نت
- المادة الصحفية تم نقلها من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع