ماذا وراء العملية العسكرية الصهيونية المباغتة في غزة؟
السياسية:
شن جيش الاحتلال الصهيوني، عملية عسكرية مباغتة ضد قطاع غزة، افتتحها باغتيال القائد الميداني في حركة الجهاد الإسلامي تيسير الجعبري، وعدد آخر من المقاومين من الحركة، امس الجمعة 5 أغسطس/آب 2022. وقال جيش العدو في بيان إنه يستعد لـ”أيام طويلة من العمليات العسكرية ضد قطاع غزة، قد تستمر لنحو أسبوع، وأنها ستكون أطول إذا لزم الأمر”، مشيراً إلى أن “الجعبري لن يكون الهدف الأخير لجيش كيان إسرائيل”، على حد تعبيره. فماذا وراء هذه العملية العسكرية؟ وما سر توقيتها؟
مباغتة “الجهاد الإسلامي”
تكشف العملية العسكرية عن “انتقام” صهيوني من حركة الجهاد الإسلامي وتكبيدها “ثمناً باهظاً”؛ لأنها فرضت ما يشبه بحظر تجوال على المستوطنات المحاذية لغزة لعدة أيام، وأرادت فرض معادلة خاصة بها على الاحتلال، بسبب تهديدات بالتصعيد أطلقتها الحركة خلال الأيام الماضية.
وبسبب تنامي نشاطها العسكري في الضفة الغربية، وتحديداً في جنين ونابلس، شن الاحتلال حملات اعتقال واسعة وعمليات تصفية لكوادر “سرايا القدس”، الجناح العسكري المسلح للحركة مؤخراً.
وكان آخر عمليات الاعتقال التي اعتبرها الجهاد الإسلامي “تجاوزاً لكل الخطوط الحمراء، اعتقال القيادي البارز، الشيخ بسام السعدي، وسحله في جنين الأسبوع الماضي، وهو ما دعا الحركة للاستنفار في الضفة وغزة، في حين قالت وسائل إعلام صهيونية إن الكيان ظل في حالة تأهب في المنطقة المحاذية لقطاع غزة، خشية انتقام الجهاد الإسلامي.
لكن كيان إسرائيل باغتت الحركة بشن عشرات الغارات الاستباقية على مواقعها في القطاع، وقامت باغتيال تيسير الجعبري، الرجل الذي ورث مهام القيادي بهاء أبو العطا، الذي اغتالته كيان إسرائيل عام 2019، حيث اندلعت مواجهة دامية بين الحركة وجيش الاحتلال استمرت لأيام، قبل التوصل لهدنة عبر الوسيط المصري.
لكن هذا قد لا يكون السبب الوحيد الذي يدفع حكومة لابيد إلى رفع سقف التهديدات، والتأكيد على قدرتها في المضي قدماً في هذه العملية العسكرية “لأيام إن احتاج الأمر ذلك”، وواصلت الجهاد الإسلامي تهديداتها للكيان.
تقول صحيفة Haaretz الإسرائيلية إنه لا توجد وسيلة لتجنب الإشارة إلى أنَّ الأزمة في قطاع غزة تحاول أن تتعامل معها حكومة تصريف أعمال بقيادة يائير لابيد في “شكل جديد”، فهي تستعد لبداية حملة انتخابية وتصارع للبقاء، وقد تكون الحرب فرصة لا تتكرر لتفويت الفرصة على زعيم المعارضة، بنامين نتنياهو، بالفوز في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني القادم.
وتواجه هذه الحكومة الضعيفة تحدياً من المعارضة بزعامة نتنياهو ورفاقه المتطرفين، حيث يزعم نتنياهو أنه لو كان الليكود ما زال في السلطة، لأزيلت جميع “التهديدات الأمنية” بحزم وعدوانية في غزة والضفة.
في الوقت نفسه، فإن هذه الحكومة يتنافس زعيمها، لابيد، ووزير دفاعها، بيني غانتس، على نفس المكانة السياسية تقريباً، ولا يخفيان عداءهما المتبادل الملتهب.
وبحسب “هآرتس”، فمع مرور كل أسبوع يظل لابيد فيه محصوراً في مكتب رئيس الوزراء، يكتسب مزيداً من النقاط في استطلاعات الرأي العام، فيما يتعلق بملاءمته للوظيفة، ويغلق قليلاً من الفجوة مع منافسه الرئيسي، نتنياهو.
لكن في كيان إسرائيل، يُنتخَب رؤساء الوزراء أساساً وفقاً لأدائهم في الأزمات الأمنية، وهنا أيضاً يمكن دق ناقوس الموت السياسي. وفي حالة نسيان لابيد، يمكنه أن يطلب من صديقه إيهود أولمرت -رئيس الوزراء الصهيوني السابق- أن يخبره عن تجاربه الفاشلة في صيف عام 2006 مع غزة.
ويأتي التوتر في غزة على رأس “فخ” يتعلق بحزب الله لم يُحَل بالكامل، بشأن ترسيم الحدود البحرية مع لبنان وتهديد الحزب بتوجيه ضربة للعمق الصهيوني إذا حاولت تل أبيب التعدي على حقول الغاز الواقعة قبالة السواحل اللبنانية.
كما لا تزال كيان إسرائيل تحاول أن تتعامل مع التهديدات الإيرانية شبه اليومية، حيث تخشى تل أبيب اشتعال المواجهة عبر الجبهة الشمالية وحتى الجبهة الجنوبية، حيث تتلقى حركة الجهاد الإسلامي دعماً كبيراً من طهران، وقد تدين لها بالانخراط في مواجهة مع تل أبيب إذا اشتعلت المنطقة، وبالتالي قد تريد كيان إسرائيل استباق ذلك بضرب العنصر الأقل قوة بين هؤلاء الخصوم وإضعاف قوته.
محاولة صنع “صورة نصر” بعد مواجهة 2021
قد تأتي العملية الجارية في القطاع، في محاولة من جيش العدو استعادة صورة “الجيش القوي”، بسبب “الادعاء غير المقنع” من كبار ضباط الجيش الصهيوني، بأنَّ “نصراً ساحقاً” قد تحقق في عملية “حارس الأسوار”، التي أطلقتها كيان إسرائيل على غزة في مايو/أيار 2021.
وتحاول كيان إسرائيل في الوقت نفسه، عدم توسيع هذه المواجهة لتشمل حركة حماس، إذ أرسلت أكثر من إشارة مفادها أنها لا تريد إدخال “حماس” في هذه المواجهة، بل الجهاد الإسلامي فقط، وأكدت للوسطاء ذلك أكثر من مرة، كما أنه من الواضح أن الإعلام الصهيوني يحاول تجنب مهاجمة حماس أو قيادتها خلال العملية العسكرية الجارية، في محاولة لـ”دق إسفين” بين فصائل المقاومة، كما يرى بعض المحللين الفلسطينيين.
لكن بعد اغتيال الجعبري، حمَّلت “حماس” الاحتلالَ المسؤولية الكاملة عن التصعيد على قطاع غزة، مؤكدة أن المقاومة موحدة بكل فصائلها في هذه المعركة.
حيث قال الناطق باسم الحركة، فوزي برهوم، “إن المقاومة بكل أذرعها العسكرية وفصائلها موحدة في هذه المعركة، وستقول كلمتها وبكل قوة، ولم يعد ممكناً القبول باستمرار هذا الوضع على ما هو عليه”.
في حين أعلنت الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية التي تقف على رأسها كتائب القسام، أن “الاحتلال بفعله هذا يخطئ التقدير”، مؤكدة أن “هذا العدوان لن يمر مرور الكرام، وأن رد المقاومة قادمٌ، وبالطريقة التي تحددها قيادة المقاومة”.
يقول جيش الاحتلال إنَّ حركة حماس لم تطلق بعد صواريخ على كيان إسرائيل، وإنَّ حركة الجهاد الإسلامي هي المسؤولة عن الهجمات حتى الآن، حيث أطلقت الحركة مئات الصواريخ تجاه الأراضي المحتلة منذ مساء الجمعة.
وألقى إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس باللوم على كيان إسرائيل في التصعيد امس الجمعة، 5 أغسطس/آب، وهدد بأنَّ “جميع الخيارات مفتوحة” رداً على الهجمات الصهيونية على قطاع غزة، على الرغم من أنَّ المسؤولين الأمنيين في كيان إسرائيل ما زالوا يعتقدون أنَّ “حماس ليست حريصة على الانجرار إلى مواجهة مطولة مع العدو الصهيوني”، بحسب تقرير لصحيفة هآرتس الصهيونية.
ووفقاً لمسؤول أمني صهيوني كبير، فإنَّ استعداد حماس للانضمام إلى القتال سيحدد ما إذا كانت هذه الجولة من المواجهة مع الجهاد الإسلامي ستتحول إلى حرب شاملة.
يؤكد مسؤولون أمنيون صهاينة كبار حالياً أنَّ “حماسط لن تنضم إلى الحملة؛ لأنهم “لن يواجهوا إلا الخسارة”، على حد وصفهم. ويعتقدون أنَّ ارتفاع عدد سكان غزة العاملين في كيان إسرائيل والسيطرة على الصادرات الفلسطينية من القطاع يمنحهم مزيداً من النفوذ للضغط على حماس، أكثر مما كان لديهم في جولة القتال السابقة.
وفي مايو/أيار 2021، تواجهت كيان إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية في غزة في حرب استمرت 11 يوماً امتدت إلى مدن مختلطة بين اليهود والعرب في الكيان والضفة الغربية؛ مما أسفر عن استشهاد أكثر من 250 فلسطينياً ومقتل وإصابة مئات الصهاينة، في جولة كانت هي الأعنف منذ سنوات.
المصدر: عربي بوست