نعم كيان إسرائيل .. كيان فصل عنصري
السياسية:
الاتهامات تحاصر كيان إسرائيل بارتكابها جرائم ضد الإنسانية بحق الفلسطينيين من منظمات حقوقية وكنائس وجامعات ومثقفين
وإصرار من الولايات المتحدة والدول الغربية على “تحصين” الدولة العبرية من المثول أمام هيئات القانون الدولي
قالوها كثيراً من قبل.
في بيانات الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان وأبطال الدفاع عن الإنسانية
وفي النداءات المتكررة للمثقفين والأكاديميين.
وقالها من داخل الكيان منظماتٌ مدنية وحقوقية ومسؤولون سابقون.
اليوم تقولها الكنيسة المشيخية في الولايات المتحدة، وهي ثاني أكبر طائفة مشيخية في الولايات المتحدة.
*ما الجديد؟
الظاهرة الجديدة هي تنوع مصادر الاحتجاج على جرائم العدو الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني. جرائم لا يمكن أن تختفي طوال الوقت، ومن المستحيل أن يغطيها دخان الحروب المفتعلة، أو مناورات الدبلوماسية الماكرة.
سقط القناع عن القناع، وفي كل يوم تصل خلاصة أخبار هذه الجرائم إلى مساحات جديدة من الرأي العام: كيان إسرائيل دولة فصل عنصري.
نظام الفصل العنصري يعني اعتبار حياة مجموعة أهمّ من حياة مجموعة أخرى.
ويعني تطويع وإفساد حياة المجموعة الأقل أهمية، لصالح الأكثر أهمية.
وها هي كيان إسرائيل تؤسس نظام الفصل العنصري، وتحافظ عليه بكل وسيلة: من خلال أعمال القتل والتعذيب وحرمان الفلسطينيين من حقوقهم الأساسية.
إنها جريمة ضدّ الإنسانية، ويجب أن تنتهي، كما ورد في صرخة أمنستي في أبريل/نيسان 2022.
يتابع هذا التقرير أبشع جرائم العدو الإسرائيلي ضد الإنسانية: الفصل العنصري. نستعرض في السطور التالية ما ورد في تقارير وتحليلات منظمات وناشطين عن وقائع التمييز البشعة ضد أصحاب الأرض، وإمكانية أن تتحول هذه الإدانات إلى أعمال أو إجراءات تغيّر الواقع.
*الكنيسة المشيخية ضد الجرافات وتكنولوجيا القمع الرقمي
سياسة الفصل العنصري بدأت بالقمع.
في صيف 2014 صوتت الجمعية العامة للكنيسة المشيخية بالموافقة على بيع ممتلكاتها في ثلاث شركات تزود كيان إسرائيل بمعدات تستخدمها في قمع الفلسطينيين.
الشركات هي: كاتربيلر التي تصنع الجرافات، وتساهم في هدم بيوت العرب في الدولة العنصرية.
وهيوليت باكارد Hewlett-Packard صانعة التكنولوجيا والحواسيب، المتهمة ببيع منتجات تساعد العدو على المعاملة المنحازة ضد الفلسطينيين.
وموتورولا سوليوشنز Motorola Solutions، وهي شركة أمريكية لتزويد معدات اتصالات البيانات والاتصالات السلكية واللاسلكية التي خلفت شركة موتورولا الفرنسية، وتزود الصهاينة بمعدات تلحق الضرر بالفلسطينيين.
وقبل التصويت على القرار، قال مدير الجلسة العامة للجمعية العامة المشيخية، هيث رادا، إن الجرافات التي تصنعها شركة كاتربيلر لكيان إسرائيل “ليست مثل أي شيء نراه في” الولايات المتحدة، فهي مصممة “لتكون مدمرة”.
وقالت شركة كاتربيلر إنها لا تبيع معدات لإسرائيل، فقط للحكومة الأمريكية.
فيديو دقيقة ونصف من الجزيرة: كيف سترد تل أبيب بعد تصنيف الكنيسة المشيخية كيان إسرائيل دولة فصل عنصري؟
الكنيسة المشيخية في أمريكا Presbyterianism هي طائفة بروتستانتية محافظة، وثاني أكبر طائفة مشيخية في الولايات المتحدة. وينص قرار الكنيسة -التي يقدر عدد أتباعها بنحو مليوني أمريكي- على أن قوانين كيان إسرائيل وسياساتها وممارساتها ضد الشعب الفلسطيني تطابق تعريف القانون الدولي للفصل العنصري.
وتضمن القرار التاريخي للكنيسة أيضاً إدراج ذكرى نكبة الشعب الفلسطيني بين الأيام التي تحييها الكنيسة في تقويمها.
تغريدة عن قرار الكنيسة المشيخية باعتبار كيان إسرائيل دولة فصل عنصري
قرار الكنيسة يدعم حقاً مسكوتاً عنه بتواطؤ صانعي القرار وأصحاب المصالح السياسية في هذا العالم.
منذ أكثر من عقدين بدأت الدعاوى الفلسطينية لاعتبار وتعريف الحكم الصهيوني على أنه نظام فصل عنصري. ووصلت دعوات المناصرة في هذا الصدد على مستوى الأمم المتحدة.
ومع مرور الوقت، ساهمت بحوث أجرتها منظمات فلسطينية معنية بحقوق الإنسان، ومؤخراً بعض الجماعات الصهيونية المعنية بحقوق الإنسان، في حدوث إقرار دولي أوسع بأن معاملة كيان إسرائيل للفلسطينيين تُعد فصلاً عنصرياً.
إلا إن دول العالم، وبخاصة الدول الغربية الحليفة للعدو الإسرائيلي، أحجمت عن الإصغاء لهذه المطالب، ورفضت اتخاذ أي إجراءات ذات مغزى ضد كيان إسرائيل، كما تشرح السطور التالية.
2017:
*الأمم المتحدة تنطقها للمرة الأولى
في منتصف مارس/آذار 2017 شهد بيت الأمم المتحدة قرب ساحة رياض الصلح في بيروت مؤتمراً صحفياً غير عادي.
كان المؤتمر مخصصاً لمناقشة تقرير أعدته الإسكوا حول “الممارسات الصهيونية تجاه الشعب الفلسطيني ومسألة الفصل العنصري (الأبارتايد)”.
منظمة الإسكوا هي واحدة من خمس لجان إقليمية تخضع لولاية المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة. ويتمثل دور اللجنة في تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا.
رصد التقرير الجديد وقتها نجاح كيان إسرائيل طوال العقود الماضية في فرض نظام الأبارتايد عبر وسيلتين:
تفتيت الشعب الفلسطيني سياسياً وجغرافياً لإضعاف قدرته على المقاومة وتغيير الواقع.
وثانياً، قمع الفلسطينيين كلّهم بقوانين وسياسات وممارسات شتى، وذلك بهدف فرض سيطرة جماعة عرقية عليهم وإدامة هذه السيطرة.
كانت النتيجة صادمة للمنظمة الدولية، والإعلام.
لعقود طويلة ارتبط مصطلح “الفصل العنصري” بنظام جنوب إفريقيا البائد، أما وصف كيان إسرائيل به فقد كان مستحيلاً في الأوساط الدبلوماسية حتى المؤتمر الصحفي لمنظمة الإسكوا.
يومها اعتبرت الدكتورة ريما خلف، وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة والأمينة التنفيذية للإسكوا، أنه ليس بالأمر البسيط أن تستنتج هيئة من هيئات الأمم المتحدة أن نظاماً ما يمارس الفصل العنصري أو الأبارتايد.
2021:
*”بتسيلم الصهيوني” يعدد جرائم الفصل العنصري
في الأيام الأولى من عام 2021 فجّر المركز الصهيوني لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة “بتسيلم” مفاجأة تاريخية، عندما أطلق للمرة الأولى على كيان إسرائيل وصف “دولة فصل عنصري (أبارتايد)”.
“بتسيلم” هي منظمة غير حكومية صهيونية، تصف نفسها بأنها “المركز الصهيوني للمعلومات عن حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة”، تأسست في 1989 على يد محامين وأكاديميين وصحفيين وأعضاء كنيست. ترصد المنظمة خروقات حقوق الإنسان ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.
مفاجأة بتسيلم جاءت في “ورقة موقف” قال المركز فيها إن
“كل المنطقة التي تسيطر عليها كيان إسرائيل داخل الخط الأخضر والضفة وشرقي القدس وغزة- يقوم فيها نظام واحد يعمل وفق مبدأ ناظم واحد: تحقيق وإدامة تفوق جماعة من البشر هم اليهود، على جماعة أخرى هي الفلسطينيون”.
وأضاف مركز بتسيلم:
“إنه نظام فصل عنصري، لم ينشأ هذا النظام بين ليلة وضُحاها، وإنما تأسس واتضحت معالمه بمرور الزمن”.
وفقاً للتقرير، تحقق الدولة العبرية مبدأ التفوق اليهودي بهندسة الحيز جغرافياً وديموغرافياً وسياسياً، بحيث يدير اليهود حياتهم في حيز واحد متواصل يتمتعون فيه بالحقوق الكاملة وتقرير المصير، بينما يعيش الفلسطينيون في حيز خانق بلا حقوق.
منذ العام 1948 وضعت الدولة يدها على نحو 90% من الأراضي الواقعة داخل الخط الأخضر لبناء مئات البلدات للسكان اليهود.
منذ العام 1967 أنشأت كيان إسرائيل أكثر من 280 مستوطنة يسكنها اليوم 600 ألف يهودي صهيوني، على أراضي الفلسطينيين.
لا تبني الدولة مدناً أو بلدات للفلسطينيين، باستثناء قرى لتجميع البدو بعد تجريدهم من ممتلكاتهم، وتمنع تطوير المدن الفلسطينية.
جميع يهود العالم يحق لهم الحصول على الجنسية الصهيونية، بينما لا يمكن لأي فلسطيني الهجرة إلى المناطق التي تسيطر عليها الكيان ، حتى إذا كان هو نفسه أو جده أو جدته قد وُلدوا فيها.
يتمتع المواطنون الصهاينة بحرية الحركة والتنقل بين مختلف المناطق التي تسيطر عليها كيان إسرائيل باستثناء غزة، أما الرعايا الفلسطينيون فينبغي أن يحصلوا على تصريح صهيوني خاص لكي يتنقلوا بين معازلهم أو داخل المعزل نفسه، والسفر للخارج مشروط بموافقة الكيان.
الفلسطينيون سكان المناطق المحتلة تحت نظام عسكري في الضفة، وتحت الحصار وسيطرة الكيان الفعالة من الخارج في قطاع غزة.
اختتم مركز بتسيلم ورقة الموقف بأن وصف كيان إسرائيل بأنها دولة ديمقراطية أصبح وصفاً لا يمُت للواقع بصِلة.
2022:
*هيومان رايتس ووتش .. وأمنستي تعرفان أكثر
أصبحت هيومان رايتس ووتش، في 1 فبراير/شباط 2022، أول منظمة حقوقية دولية كبرى تتَّهِم السلطات الصهونية بتأسيس نظام فصلٍ عنصري ضد الفلسطينيين، ثم صدر اتهام مشابه من منظمة العفو الدولية.
في تقريرها -الذي يحمل عنوان “تجاوزوا الحد”- تذهب هيومان رايتس ووتش إلى أبعد من وصف كيان إسرائيل بأنها نظام فصل عنصري، بل تدعو أيضاً إلى:
*مساءلة كيان إسرائيل.
*اقتراح فرض عقوبات.
*إنشاء هيئات تحقيق دولية يمكن أن تؤدي إلى ملاحقات قضائية.
مبيعات الأسلحة والمساعدات العسكرية المستقبلية لكيان اسرائيل تكون مشروطةً بخطواتٍ إيجابية تتَّخِذها تل أبيب.
أما منظمة أمنستي فقد أصدرت تقريرها بعنوان “الفصل العنصري، أبارتهايد، الصهيوني ضد الفلسطينيين نظام قاسٍ يقوم على الهيمنة وجريمة ضد الإنسانية”.
التقرير الذي نُشر في فبراير/شباط 2022 لم يكن مفاجأة في محتواه، بل في لهجته التي جاءت صريحة، وموثّقة، وتفصيلية.
اتهمت المنظمة دولة كيان إسرائيل، دون مواربة، بارتكاب جريمة الفصل العنصري بحق الفلسطينيين “أبارتهايد”.
وقالت المنظمة إن”تحقيقاتها أظهرت النطاق الفعلي لنظام الفصل العنصري في كيان إسرائيل: سواء كان الفلسطينيون يعيشون في غزة، أو القدس الشرقية، أو الخليل، أو داخل كيان إسرائيل نفسها، فهم يُعامَلون كجماعة عرقية دونية ويُحرمون من حقوقهم على نحو ممنهج”.
التقرير من الناحية القانونية يعتمد على القانون الدولي العام، والقانون الدولي العرفي في التحليل، وهو ينظر إلى جريمة الأبارتهايد كانتهاك صارخ لحقوق الإنسان وجريمة ضد الإنسانية، كما يقول صالح حجازي، نائب مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في “أمنستي”.
*تغريدة منظمة أمنستي عن الفصل العنصري ضد الفلسطينيين
وقالت أمنستي إن”التقرير عمل على توثيق مصادرة الأراضي والممتلكات الفلسطينية على نطاق واسع، وعمليات القتل غير المشروع، والتهجير القسري، والقيود الصارمة على الحركة، وحرمان الفلسطينيين من حقوق الجنسية والمواطنة، وأثبت أن جميع هذه الانتهاكات هي مكونات نظام عنصري تمييزي يرقى إلى جريمة ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي”.
*كيان إسرائيل ترتكب هذه الجرائم كل يوم ضد الفلسطينيين
نحو 18 جريمة ترتكبها كيان إسرائيل كل صباح ضد الفلسطينيين، تندرج جميعها تحت مسمّى الفصل العنصري، كما ترصد منظمة أمنستي:
تعمد قمع الفلسطينيين والهيمنة عليهم.
ضم الأراضي دون وجه حق.
التفرقة القانونية بين العربي والصهيوني.
استخدام الحكم العسكري للسيطرة على المناطق المحتلة.
الحرمان من القومية والإقامة في الوطن والحياة الأسرية.
عرقلة الحياة الأسرية.
القيود على التنقل بين الأراضي الفلسطينية.
القيود على الحق في المشاركة السياسية.
نزع ملكية الأراضي والممتلكات.
التمييز المجحف في سياسات التخطيط ورسم حدود الأراضي.
عرقلة التنمية البشرية للفلسطينيين.
نظام اجتماعي واقتصادي شامل من الفصل العنصري.
جرائم ضد الإنسانية.
عمليات النقل القسري لمواطنين من مكان لآخر.
الاعتقال الإداري والتعذيب.
القتل غير المشروع والإصابات الجسيمة.
الحرمان من الحقوق والحريات الأساسية.
الاعتبارات الأمنية التي تهدف إلى القمع والهيمنة.
المصدر: تقرير منظمة العفو الدولية مطلع عام 2022.
يمكن لهذا التقرير أن يؤثر كثيراً على الوضع العام في حالة تبنيه من قِبل محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، باعتبار أنه تقرير رسمي ومؤسساتي، إذا استمرت السلطة في مقاضاة كيان إسرائيل أمام المحكمة، كما يقول محمد حسن كنعان، رئيس “الحزب القومي العربي”، وعضو الكنيست السابق.
*تعريف الفصل العنصري
عام 2002 عرّفت المحكمة الجنائية الدولية جريمة الفصل العنصري بموجب نظام روما الأساسي.
واعتبرت المحكمة الجنائية الفصل العنصري جريمة ضدّ الإنسانية “ترتكب في سياق نظام مؤسسي قوامه الاضطهاد المنهجي والسيطرة المنهجية من جانب جماعة عرقية واحدة إزاء أي جماعة أو جماعات عرقية أخرى، وترتكب بنية الإبقاء على ذلك النظام”.
لكن المحكمة الجنائية الدولية لم توجه اتهاماً إلى أي شخص أو دولة بهذه الجريمة حتى يومنا هذا.
*كيان إسرائيل تواصل جرائمها..والرأي العام تحت تأثير اليمين المتطرف
كالعادة، وصفت وزارة الخارجية الصهيونية تقرير أمنستي لدى صدوره بأنه “كاذب ومتحيز ومُعادٍ للسامية”.
لكن بعد شهور من تقرير أمنستي في حق الممارسات الصهيونية ، عاد الحديث مجدداً عن تهمة “الفصل العنصري”، التي أصبحت متداولة ضد الدولة العبرية.
وزير الخارجية الصهيوني ، يائير لابيد، حذّر مما وصفه بأنه “نقاش غير مسبوق حول عبارة “كيان إسرائيل كدولة أبارتهايد”، لكنه توقع أن يكون هذا تهديداً ملموساً في عام 2022.
“التهديد” في نظر لابيد هو الحملات الفلسطينية التي بدأت ضد الكيان في المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية في لاهاي. وهو قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بتشكيل “لجنة تحقيق” دائمة في معاملة كيان اسرائيل للفلسطينيين، بما في ذلك العدوان الصهيوني على غزة في مايو/أيار 2021.
*هذا هو الموقف الرسمي لكيان إسرائيل
بتحذيره من الحملات الفلسطينية، يسعى لابيد للحفاظ على ما حققته الدبلوماسية الصهيونية خلال ولايته القصيرة، مثل التقارب مع الاتحاد الأوروبي والإدارة الأمريكية، وتعزيز التطبيع مع دول عربية، ويلجأ إلى المناورة الدبلوماسية وعدم التعنت باستمرار غلق المسار السياسي مع الفلسطينيين، بغية تجنب تأليب المجتمع الدولي ضد كيان إسرائيل.
لكن المفارقة تأتي من الموقف الشعبي في كيان إسرائيل.
لا يحرك الرأي العام ساكناً أمام اتهامات المنظمات الدولية لكيان إسرائيل بارتكاب الفصل العنصري، أو تزايد الضغط الاقتصادي العالمي والمقاطعة الأوروبية والأممية لشركات وفعاليات ومؤسسات يهودية استيطانية.
لا تتأثر الغالبية من تحول مشروعهم إلى دولة احتلال واستيطان وجرائم ضد الإنسانية، “وكأن المجتمع اليهودي يقبل بالفصل العنصري والاضطهاد للفلسطينيين على غرار الأبارتهايد في جنوب إفريقيا” كما صاغها الصحفي الصهيوني عكيفا إلدار، الذي يعزو ذلك إلى تصاعد اليمين الداعم للاستيطان، وهيمنته على المشهد السياسي الصهيوني.
بعيداً عن الموقف الرسمي أو الشعبي، هناك الأهم، وهو ما يجري على أرض الواقع.
رغم تعليق “صفقة القرن” الهادفة لضم أجزاء من الضفة والأغوار، فإن سلطات الاحتلال تواصل عملياً سياسة الضم الزاحف وتوسيع المشروع الاستيطاني، وفرض وقائع تحولُ دون إقامة دولة فلسطينية على حدود “الرابع من يونيو/حزيران 1967، كما يقول آدم كلير المتحدث باسم حركة “السلام الآن”.
واعتبر كلير أن الأبارتهايد كان موجوداً بدرجات متفاوتة من حيث الشدة منذ احتلال الضفة الغربية وباقي مدينة القدس بعد حرب 1967.
*رُفعت الأقلام وجفّت الصحف: دولة فصل عنصري
يوجد اليوم في الضفة والقدس الشرقية نظام قانوني وسياسي مفرط في التمييز، يمنح الامتيازات إلى 700 ألف مستوطن صهيوني يهودي، يعيشون في 300 مستوطنة صهيونية غير قانونية في القدس الشرقية والضفة الغربية.
في نفس المساحة الجغرافية أكثر من 3 ملايين فلسطيني مكبلين بجدران ونقاط تفتيش وشوارع ووجود عسكري مترسخ، دون سبيل لدولة حقيقية كان العالم قد وعدهم بها منذ فترة طويلة.
وفي غزة يعيش أكثر من مليونين آخرين بأكبر سجن مفتوح، بدون وصول كافٍ للكهرباء والمياه والصحة، مع اقتصاد منهار وانعدام القدرة على السفر بحرية إلى بقية فلسطين أو العالم.
النظام السياسي الذي يعطي الأولوية في الحقوق السياسية والقانونية والاجتماعية الأساسية لمجموعة دون أخرى، داخل نفس الوحدة الجغرافية، على أساس الهوية العرقية أو القومية أو الإثنية، هو نظام يستوفي التعريف القانوني الدولي للفصل العنصري.
*مايكل لينك
مقرر الأمم المتحدة المعنيّ بوضع حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة
هل تخضع لكيان إسرائيل بالفعل لتحقيق أمام الجنائية الدولية؟
تخضع السلطات الصهيونية بالفعل للتحقيق أمام المحكمة الجنائية الدولية بشأن جرائم دولية مرتكبة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بينما تقول كيان إسرائيل إن المحكمة الجنائية الدولية ليس لها اختصاص.
كانت الأمم المتحدة منحت فلسطين صفة دولة مراقب غير عضو بعد تصويت تاريخي في الجمعية العامة للأمم المتحدة نهاية 2012. وأصبحت العضو 123 بالمحكمة التي تأسست عام 2002.
كان جزءٌ من الدافع للانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية هو رغبة السلطة الفلسطينية في “تدويل” عملية السلام الفاشلة، التي لطالما هيمَنَت عليها واشنطن.
في السنوات الأخيرة، حقَّقَ الفلسطينيون سلسلةً من الانتصارات القانونية، بدأت بحكم المحكمة بأن الفلسطينيين لديهم سمات الدولة الكافية ليكونوا موقِّعين على ميثاق روما وأن يقدِّموا شكاوى إلى المحكمة، وبالتالي التحقيق في جرائم الكيان الصهيوني المتعددة.
لكن حلفاء الكيان الإسرائيلي يعزفون نغمة تكرر أن المحكمة الجنائية الدولية تستهدف كيان إسرائيل بشكلٍ غير عادل. وذهب رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إلى أن التحقيق “يعطي الانطباع بأنه هجومٌ متحيِّز ضد حليفٍ للمملكة المتحدة”.
لذا فمن غير المُرجَّح أن توافق حكومة المملكة المتحدة على قراءة هيومان رايتس ووتش أو متابعة توصياتها، ولا أيُّ دولة غربية أخرى.
تقع الجريمة الصهيونية الأكبر وهي ممارسة الفصل العنصري في اختصاص الجنائية الدولية، لكن وفقاً لخبراء القانون الدولي، لا توجد سوابق قضائية.
لا أحد يعرف نوع الأدلة التي سيطلبها القضاة ليتوصَّلوا إلى أن دولةً ما قد تورَّطَت في الفصل العنصري.
ولذلك يقول خبراء القانون الدولي إنهم يرون أن تقرير هيومان رايتس ووتش والعدد المتزايد من الجماعات الحقوقية التي تناقش نفس النقطة، له تأثير “رمزي” أكبر من إمكانية اتخاذه مساراً يغير من الواقع.
*عندما تكتفي واشنطن بدور الخادمة
في رحلته للشرق الأوسط في يوليو/تموز 2022، قام بايدن بالتطبيع مع ميراث ترامب المرير ضد حريات الفلسطينيين، وأجهز على ما تبقى من احتمالات حل الدولتين.
رسّخ بايدن تضاؤل بلاده وهي تكتفي بدور الخادمة لنظام تم وصمه بجريمة الفصل العنصري من الجميع: الفلسطينيين والصهاينة والمنظمات الحقوقية المعترف بها دولياً مثل أمنستي وهيومان رايتس ووتش.
تستمر كيان إسرائيل في التمتع بالمساعدات غير المشروطة والغطاء الدبلوماسي الأمريكي الشامل في المحافل الدولية.
لم تتعرض للمساءلة قط على أفعالها غير القانونية وانتهاكاتها لحقوق الإنسان، بما في ذلك ترويع حياة الفلسطينيين في غزة، التي تعاني حصاراً برياً وبحرياً غير قانوني بقيادة الكيان الإسرائيلي لمدة تصل إلى ربع قرن.
وجاء البيان الأمريكي بشأن مقتل إسرائيل لصحفية الجزيرة الفلسطينية الأمريكية شيرين أبو عاقلة متناقضاً مع مُجمل التحقيقات المستقلة التابعة للأمم المتحدة والإعلام.
جاء البيان ليحاول التقليل من دور كيان إسرائيل، في أحدث إضافة إلى السجل المثير للضحك للرئيس بايدن.
حتى لفتة الحد الأدنى الموعودة بإعادة تنصيب القنصلية الأمريكية العامة للفلسطينيين في القدس الشرقية لم تتحقق في مواجهة الاعتراضات الصهيونية.
دانييل ليفي
مدير برنامج الشرق الأوسط في المجلس الأوروبي للشؤون الخارجية حتى 2016
وكان مستشار رئيس الحكومة إيهود باراك بين 1999 و2001
*الأبارتهايد.. قد فعلها أخٌ له من قبل في جنوب إفريقيا
كانت جنوب إفريقيا في النصف الثاني من القرن الماضي عاصمة الفصل العنصري في الكوكب.
حيثما تكون هناك مجتمعات متعددة ثقافية، يكون هناك عزل عنصري، وشهدت القرون الأخيرة انتشاراً للظاهرة في مجتمعات مثل هاواي والبرازيل والجزائر تحت الاحتلال الفرنسي وألمانيا.
لكن النظام العنصري الذي حكم جنوب إفريقيا انفرد بوصمة الأبارتهايد لعقود طويلة، تحت حكم الحزب الوطني من 1948 حتى 1994.
كان السكان يصنفون منذ ولادتهم أربع فئات: بيض، سود، خلاسيون، أو مختلطو البشرة، وهنود.
خصصت حافلات ومطاعم وشبابيك تذاكر وحتى شواطئ للبيض.
وحُظر الزواج المختلط والعلاقات الجنسية بين الأعراق.
وحجزت 87% من مساحة الأراضي لأصحاب البشرة البيضاء، بينما أجلي نحو 3.5 مليون شخص قسراً.
وكان السود يحصلون على تعليم أو رعاية صحية أقل جودة، ويحتاجون إلى “تصريح” للتنقل يحدد المكان الذي يسمح لهم بالذهاب إليه.
منذ الستينات، أخذت الاعتراضات الدولية على نظام الأبارتهايد بالازدياد، مما أدى إلى نبذ دولة جنوب إفريقيا ومقاطعتها من قبل غالبية الدول. كل هذا بالإضافة إلى معارضة داخلية سلمية من جانب منظمات عارضت الأبارتهايد أدت إلى انهيار النظام بعد أربعة عقود.
قاد حزب المؤتمر الوطني الإفريقي المقاومة، واختار العمل السري والكفاح المسلح. وفي العام 1964، حكم على زعيمه نيلسون مانديلا بالسجن مدى الحياة بعد إدانته بتهمة “التخريب”.
في 1990 تم الإفراج عن نيلسون مانديلا، وفي 1991 ألغي نظام الفصل العنصري رسمياً.
وفي أبريل/نيسان 1994، أجرت جنوب إفريقيا أول انتخابات متعددة العرق طاوية صفحة نظام الفصل العنصري. وعند انتخابه رئيساً قال نيلسون مانديلا: “أحرار أخيراً”.
*هل حصانة كيان إسرائيل غير قابلة للكسر؟
فور صدور تقرير منظمة العفو الدولية باعتبار كيان إسرائيل دولة فصل عنصري، دعت الأمينة العامة للمنظمة، أنياس كالامار، إلى تحرك دولي: “لا مبرر لوجود نظام مبني على قمع عرقي مؤسساتي طويل الأمد ضد ملايين الناس”.
وأضافت أن المجموعة الدولية مطالبة بمواجهة واقع التمييز العنصري الصهيوني ، واتباع مختلف سبل لتحقيق العدالة الغائبة.
*هل تبدو مطالب السيدة كالامار قابلة للتنفيذ؟
تقاتل كيان إسرائيل ضد التاريخ والعدالة والقانون الدولي بترسيخ نظام أبارتهايد ضد الفلسطينيين كنظام حياة.
مدججة بأقوى الأسلحة والتكنولوجيا في العالم.
مدعومة من أكبر دول العالم.
فيما يناضل الفلسطينيون مسلحين بقيم العدالة والحق، مطالبين العالم بأن يقف مع الجانب الصحيح من التاريخ، كما وقف مرة مع جنوب إفريقيا.
يعمل الفلسطينيون الآن على نقطة تحول مهمة في ملف الأبارتهايد.
“المشوار سيكون طويلاً، لكن تعريف منظومة الاستبداد والهيمنة الصهيونية يتم تثبيته بشكل قوي، والمجتمع المدني حول العالم حتى غير المختص بحقوق الإنسان يتحدث بنفس اللغة، والإعلام يتحدث أيضاً بنفس اللغة، بأن كيان إسرائيل تقيم منظومة أبارتهايد ضد الفلسطينيين”. هكذا قالها صالح حجازي، نائب مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في “أمنستي”.
تستطيع دولة فلسطين أن تقدم هذا الملف إلى المحكمة الجنائية كما قدمت ملف جريمة الاستيطان، وكذلك مؤسسات المجتمع المدني، ومنظمة “العفو الدولية” ستقدم الملف قريباً للمحكمة.
*وهل يمكن أن يصدر حكم الإدانة عن المحكمة الجنائية؟
الاتهامات التي وصمت كيان إسرائيل بالفصل العنصري جاءت من الجهات الأربع..
هيومان رايتس ووتش وأمنستي وأعداد أخرى من الجماعات الحقوقية والمدنية.
تقارير لجهات أكاديمية، مثل تقرير مركز حقوق الإنسان في كلية القانون بجامعة هارفارد الأمريكية.
إعلان بتوقيع أكثر من 600 أكاديمي وفنان ومفكر من أنحاء العالم، يدعو إلى تفكيك نظام الفصل العنصري في أرض فلسطين التاريخية.
نداء رفعه أكثر من 1000 فنان ومثقف وأكاديمي من أكثر من 45 دولة، بضرورة الاعتراف الدولي بوجود نظام فصل عنصري في كيان إسرائيل، والقضاء عليه.
لكن الحكم بكون الكيان دولة فصل عنصري يصبح أكثر رسمية إن صدر عن محكمة دولية.
لو صدر الحكم سوف تتلوه عدة إجراءات:
إعادة إحياء لجنة الأمم المتحدة الخاصة لمناهضة الفصل العنصري، ومركز الأمم المتحدة لمناهضة الفصل العنصري، اللذين توقف عملهما في عام 1994 بسقوط نظام جنوب إفريقيا العنصري.
ثم دعوة الدول والمؤسسات إلى دعم مبادرات المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات BDS وغيرها من المبادرات الهادفة إلى إسقاط نظام الأبارتهايد الصهيوني بخطوات فعلية، وصولاً إلى هدم المنظومة.
لكن تبقى حقيقتان؛ إحداهما أمرّ من الأخرى:
كيان إسرائيل تواصل جرائمها ضد الإنسانية بلا هوادة.
وقرار المحكمة الجنائية المنتظر لن يصدر دون إجراءات صارمة من واشنطن ومواقف جدية من أوروبا ضد كيان إسرائيل، وهو ما يبدو أمراً شبه مستحيل.
* المادة الصحفية نقلت حرفيا من موقع عربي بوست ولا يعبر عن رأي الموقع