على الرئيس أبو مازن أن يطير فوراً إلى طهران!
عصري فياض*
بعد زيارة الرئيس الامريكي جو بايدن للمنطقة،والتهميش وخيبة الامل التي رافقتها بما يخص الشأن الفلسطيني،واقتراب وعد انهاء العام الذي أطلقة الرئيس الفلسطيني محمود عباس في ايلول الفائت انه يعطي مهلة سنة للخروج من الجمود السياسي الحالي،وبعد أن اصبح موقف الادارات الامريكية والديمقراطية والجمهورية متقارب جدا إن لم نقل واحد موحد،وبعد تنكر الجانب الاسرائيلي لكافة الاتفاقيات مع السلطة الفلسطينية، بل عدم التعامل معها إلا من منظار امني محض، والإمعان ” الاسرائيلي” في تهويد الارض والمقدسات وتفتيت الوطن الموعود بالاستطان وقتل البشر وتجريف الشجر وهدم الحجر،فإن القيادة الفلسطينية برئاسة محمود عباس ” ابو مازن ” ملزمة بالبحث عن خيارات بديلة عن الخط الذي انتهجته خلال العقود الثلاث الفائتة والذي وصل بالقضية الفلسطينية إلى جدار مسدود،لا يوجد له افق بالانفراج خلال الفترة القادمة، وهذه الخيارات تفرضها مجموعة عوامل ومتغيرات في المنطقة والعالم، الصغير والكبير اصبح يعي او يحسها ويتفاعل معها، حتى ان دولا كانت ركيزة اساسية في التعامل والتعاون مع المشروع الامريكي مثل السعودية ومصر في المنطقة اضافة لدول اخرى في منطقة الخليج،جنحت الان نحو البحث عن تكتلات اقتصادية وسياسية عالمية للتعامل والتعامل والتكامل معها مثل منظمتي ” شنغهاي” والبركس” التي تضم الصين وروسيا وايران وجنوب افريقيا والبرازيل وفنزويلا.
وما هزيمة الولايات المتحدة في افغانستان، ومن قبلها العراق، وموقفها السلبي في الحرب الروسية الاوكرانية، وتنكرها لحليفها السعودي في الوقوف إلى جانبها لوقف هجمات “انصار الله”في اليمن إلا دليل لابتعاد الولايات المتحدة عن المنطقة، وضعفها وضعف وتراجع تأثيرها، بالمقابل الصين وروسيا ومعهما ايران دول تعزز وجودها في المنطقة وتعسى اقتصاديا وسياسيا لملء الفراغ الذي تتركه الولايات المتحدة ومن خلفها المنظومة الغربية.
هذه الخريطة الجديدة لمنطقتنا بإختصار،والتي تتضح معالمها يوما بعد يوم،ونحن جزء من التغيرات الجو سياسية فيها كوننا اصحاب اكبر قضاياها وهي القضية ألفلسطينية لذلك من الضروري سرعة التحرك لأخذ مكان لنا في المنظومة الجديدة التي تتبلور بعد ما شعرنا بقرب انتهاء منظومة القطبية الواحدة التي تهمين عليها الولايات المتحدة منذ عقود طويلة، على الاقل إيجاد توازن يخدم قضية فلسطين وذلك أضعف الايمان.
أمام هذا الواقع الذي يفرض نفسه أمام القيادة الفلسطينية فإني أرى ان مفتاح ذلك الواقع الجديد هو الجمهورية الاسلامية في ايران وذلك للاسباب التالية :-
أولا :- إيران برغم عداء امريكا واسرائيل والغرب لها الا انها الاقرب والأكثر صدقا والأكثر مبدئية في التعامل مع القضية الفلسطينية ، وهي ايضا الاكثر عمقا في التأثير على قسم كبير من الحالة العربية، بل ظهر مؤخرا بوادر طيبة في التعايش معها من قبل دول كانت بالامس من الد اعدائها، إذا ملامح المستقبل للقطب الجديد المتكون يشير إلى ان إيران ستكون على علاقات طيبة مع الجميع من اصدقائها وحلفائها وممن كانوا بالامس ضمن دائرة الاعداء لها، فالسياسة لا تعرف عدو دائم ولا صديق دائم،تعرف فقط مصلحة دائمة، وهذا الامر يتقنه الايرانيون جيدا، وليس عسيرا على الفلسطينيون تعلمه.
ثانيا :ليس سرا ان نقول أن ايران بيدها مفتاح أكبر ازمة تواجه الوضع الفلسطيني الداخلي وهو الانقسام، وكل من يعتبرأن ايران كانت الى جانب الانقسام،فهو مخطأ، حتى لو كانت ايران تقدم كل وسائل الدعم للفصائل الفلسطينية في قطاع غزة وعلى رأسها حماس، فإيران مبدئيا ليست مع الانقسام والتناحر الفلسطيني الداخلي بالرغم من احترامها للاختلافات في وجهات النظر،لذلك وبعد سيطرة حماس على قطاع غزة في العام 2007 خرج هاشمي رافسنجاني في خطبة الجمعة في جامعة طهران ليقول مستنكرا ” لماذا فعلت حماس هذا” ؟؟،فالعلاقة العاجلة والسريعة مع ايران تذلل الطريق امام إنهاء الانقسام والخلاص منه الى الابد .
ثالثا : إن من أصعب القضايا التي تواجه الواقع الفلسطيني الداخلي هو الوضع الاقتصادي، وفي القرب من ايران حل لهذه المعضلة، فكما قال الدبلوماسي الايرني ” أمير موسوي” في لقاءه على قناة الميادين قبل عام من الان تقريبا، عن الجمهورية الاسلامية في إيران قدمت للقيادة الفلسطينية آلية لحل الازمة المالية التي تعاني منها من خلال ثلاثة مقترحات حملها عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عزام الاحمد في إحدى زياراته الاخيرة لطهران ولم يعد بأي جواب عليها، ومفاد هذه المقترحات ايصال مساعدات ودعم مالي للسلطة الفلسطينية للوفاء بالتزاماتها تجاه الشعب الفلسطيني الذي تديره بطرق قد تتفادى الرفض والفيتو الاسرائيلي والأمريكي وحتى العربي.
رابعا : إيران الاقرب مبدئيا وعقائديا للحق الفلسطيني من كل الدول الاخرى المكونة للتكتلات القطبية الجديدة،وهي قادرة ومعنية في تعميق وفرض المطالبة بهذا الحق لدى باقي الدول، اليوم مثلا في لقاء المرشد علي خمينائي مع الرئيس التركي رجب طيب اوردغان على هامش القمة الثلاثية، قال لاردوغان فلسطين هي القضية الاولى ملمحا له عدم رضاه وعدم موافقته من التقارب التركي الاسرائيلي الأخير وهذا مثال على اهمية القضية الفلسطينية في المهوم السياسي بل العقائدي الايراني.
خامسا :- إيران هي دينموا محور كبير في الشرق الاوسط،يتجذر ويمتدد، ويكبر يوما بعد يوم ،بفعل صمودة وصبره وبفعل عوامل اقليمية وعالمية تعمل لصالحه، وهو النقيض المراهن لسبل التسويات التي اظهرت فشلها وأوهامها، وإذا كان الفلسطيني قدم قدم كل ما في جيبة لنيل حقوقه من خلال المراهنة على الاتجاه السلمي،وفشل فشلا ذريعا،فإنه من الطبيعي مغازلة الخط النقيض، ونحن لا نقول الذهاب معه الى آخر الخط، فالكل يعرف ظروف وواقع الحال الفلسطيني تحت الاحتلال، لكن ربما يكون التساوي والتعامل مع الخطين أضعف الايمان، بالتالي المطلوب تحقيق مصلحة الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.
لذلك جدير بالرئيس الفلسطيني ان يشد الرحال إلى طهران، ليضع لاكبر واحق قضية على وجه الكرة الارضية ضمن اولويات الاتجاهات القطبية الجديدة التي تتكون في العالم من خلال البوابة الايرانية التي أثبتت الايام والوقائع وخلال العقود الاربع من تاريخ الثورة الاسلامية في ايران أنها تتعامل بنظافة كاملة ودون استغلال أو توظيف لاي قضية مبدئية تتبناها،وهذا ما أكدته جميع الفصائل الفلسطينية كافة.
جدير به أن يطير إلى هناك ليدشن مرحلة جديدة، حتما ستفتح الافق والامل لأن تجد القضية الفلسطينية حلا لها تفرضة متغيرات العالم الجديد وتغيرات موازين القوى الذي كانت وما زالت القيادات الفلسطينية تبرر جنوحها للمشاريع السلمية بفقدان موازين القوى التي بدأت تتبلور الان.
* المصدر :رأي اليوم
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع