السياسية:

عندما غزت روسيا أوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022، ارتفعت أسعار القمح، التي كانت مرتفعة بالفعل بسبب أزمة سلاسل التوريد المرتبط بالوباء والمناخ القاسي، حيث أدى ارتفاع أسعار القمح إلى ارتفاع تكلفة الأطعمة المخزنة، من الأرز إلى البقوليات والخبز وغيرها. لكن أسعار القمح باتت تنخفض الآن بشكل كبير لتعود إلى مستويات ما قبل الحرب، فما الذي حدث؟

ما المستوى الذي هبطت له أسعار القمح؟
تراجعت أسعار القمح العالمية بأكثر من 100 دولار مقارنة بأعلى سعر سجّلته خلال العام الجاري البالغ 438.25 يورو للطن (462.5 دولار أمريكي) في 17 مايو/ أيار الماضي، وفقًا لسعر الصرف آنذاك، على خلفية تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية.

وبلغ سعر طن القمح خلال تعاملات يوم الخميس 14 تموز/يونيو 2022 نحو (332.30) يورو، أي ما يعادل (334.37 دولار)، قبل أن يرتفع مرة أخرى إلى 338.28 يورو (340.39 دولار) للطن الواحد.

يقول جيك هانلي، من شركة Teucrium للاستثمار الزراعي لوكالة Quartz الأمريكية: “لقد انخفض القمح إلى مستويات لم نشهدها منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، هذا في حد ذاته مهم”.

وقفزت أسعار الغذاء والمحروقات ومعدلات التضخم في جميع بلدان العالم خلال الأشهر الأخيرة، وذلك إثر الأزمة الروسية الأوكرانية وتداعياتها على إنتاج وصادرات السلع الأولية، ما حدا بالبنوك المركزية العالمية إلى تشديد سياساتها النقدية، فيما اقترب العالم من ركود اقتصادي، وفقاً للعديد من المؤسسات الدولية.

وتعد أوكرانيا بين أكبر 10 دول مصدرة للقمح والذرة والشعير، علاوة على كونها أكبر مصدِّر لزيت عباد الشمس في العالم، وفقاً للأمم المتحدة، توفر روسيا وأوكرانيا حوالي 40% من القمح المستهلك في إفريقيا، حيث ارتفعت الأسعار بالفعل بنحو 23%.

ووقعت احتجاجات، في بعض الدول الفقيرة، جراء نقص الحبوب، فيما تتبادل أوكرانيا وروسيا الاتهامات عن الأزمة. حيث كان نحو 98% من إمدادات الحبوب الضخمة التي تصدِّرها أوكرانيا تتدفق قبل الغزو الروسي من الموانئ المطلة على البحر الأسود، لكن هذه الموانئ أُغلقت بسبب الحصار البحري الروسي، وزاد الأزمة وطأةً إصرار روسيا على مهاجمة المستودعات ومخازن السكك الحديدية وغيرها من منشآت البنية التحتية اللازمة للتصدير.

لكن على الرغم من استمرار الحرب، ستنتج أوكرانيا نحو 30 مليون طن من القمح والذرة وغيرهما من المحاصيل الغذائية هذا العام. ولذلك، تسعى الحكومة الأوكرانية والدول المجاورة لمساعدة تجار أوكرانيا ومزارعيها في بحثهم عن طرق بديلة لتصدير تلك الحبوب وخاصة القمح الأوكراني.

لماذا انخفضت أسعار القمح وعادت إلى مستويات ما قبل الحرب؟
هناك عدة أسباب أدت إلى انخفاض أسعار القمح بشكل تدريجي منذ نهاية شهر يوليو/حزيران 2022، حتى وصلت إلى هذا المستوى، والتي قد تستمر بالهبوط إذا تم تطبيق الاتفاق التركي الروسي الأوكراني على استئناف تصدير شحنات القمح العالقة من موانئ البحر الأسود.

1– ضغط المحصول الجديد
يقول محللون، إن أسعار صادرات القمح انخفضت بسبب الضغط من المحصول الجديد، الذي بدأ المزارعون حصده للتو في روسيا وأوكرانيا، ويتوقع المحللون أن تنتج روسيا محصولًا هائلًا خلال العام الجاري، وبكميات قياسية متاحة للإمداد إلى الخارج.

وتوقّعت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو)، في بداية شهر يونيو/حزيران الماضي، ارتفاع المخزونات العالمية من القمح بقدر طفيف هذا العام، ويرجع ذلك أساساً إلى تراكم المخزونات المنتظرة في الصين وروسيا وأوكرانيا.

2- تخفيض الضرائب على تصدير القمح
خفضت روسيا، التي يفرض عليها الغرب عقوبات، بشكل حاد من الضرائب على صادرات القمح الحبوب منذ مطلع يوليو/تموز 2022، وذلك لدعم شحنات في موسم تسويق يونيو/حزيران ويوليو/تموز.

وقال معهد دراسات السوق الزراعية، إن أسعار محصول القمح الجديد، الذي يحتوي على بروتين بنسبة 12.5%، وكذلك أسعار التوريد من موانئ البحر الأسود انخفضت بما بين 25 إلى 375 دولاراً للطن على ظهر الباخرة بنهاية الأسبوع الماضي، وفق تقرير لوكالة رويترز.

وأوضحت شركة سوفكون لأبحاث الأسواق الزراعية في منطقة البحر الأسود أن أسعار شحنات القمح للتوريد في يوليو/تموز وأغسطس/آب 2022، هبطت إلى ما دون 375 دولاراً للطن، مقارنة بـ400 دولار في الأسبوع السابق.

3- تراجع الأسعار في بورصة شيكاغو

ومما ساهم في تراجع أسعار القمح أيضاً انخفاض الأسعار في بورصة شيكاغو للحبوب، بحسب تقرير لصحيفة The Economic Times، حيث تراجع سعر القمح بختام التداولات في بورصة شيكاغو للحبوب، مساء الأربعاء 13 يوليو/تموز 2022، وانخفضت عقود القمح الآجلة الخاصة بشهر يوليو/تموز الجاري بنحو 3.25 سنت للبوشل الذي أصبح 798.25 سنت، كما هبطت عقود شهر سبتمبر/أيلول المقبل بقيمة 3.5 سنت للبوشل، ليصبح سعر البوشل 810.75 سنت.

4- الاتفاق على استئناف تصدير القمح الأوكراني
مما أسهم بشكل كبير في خفض أسعار القمح أيضاً، هو احتضان إسطنبول اجتماعاً عسكرياً بمشاركة مسؤولين من تركيا وروسيا وأوكرانيا والأمم المتحدة؛ يوم الأربعاء 13 يوليو/تموز لمناقشة نقل الحبوب العالقة في الموانئ الأوكرانية على البحر الأسود.

وأسفرت المحادثات الإيجابية بين هذه الأطراف، عن اتفاق لتشكيل مركز تنسيق لضمان سلامة ممرات الشحن، وفق وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار. وسيتم توقيع اتفاق الأسبوع المقبل عندما تجتمع جميع الأطراف مرة أخرى؛ إذ اتفقت الأطراف على ضوابط مشتركة لفحص شحنات الحبوب في الموانئ، وفق أكار.

وكان الرئيس التركي رجيب طيب أردوغان قد اقترح في وقت سابق، أن تعيد بلاده تصدير الحبوب مثل القمح والشوفان والشعير من البحر الأسود للدول التي تحتاج إلى تلك الشحنات بعد محادثات تجري مع روسيا وأوكرانيا؛ إذ أضاف أردوغان أنه سيناقش الأمر مع الدولتين في الأيام القليلة المقبلة.

كما تابع قائلاً، في تصريحات له بشأن الأزمة، إن 20 سفينة تركية جاهزة للمشاركة في نقل الشحنات المحتملة، وتابع قائلاً إنه بعد إجراء محادثات مع زعيمَي أوكرانيا وروسيا “يمكننا أن نرسل القمح والشعير والشوفان وزيت دوار الشمس وكل الشحنات للدول التي تحتاجها، من خلال تنفيذ إعادة للتصدير من خلالنا”.

5- العامل الجوي الجيد
يقول تقرير لموقع Quartz الأمريكي إن أسعار الذرة وفول الصويا بدأت في الانخفاض منذ نهاية شهر يونيو/حزيران المنصرم، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى توقعات الطقس الملائم لهذه المحاصيل.

وتقول شركة سوفكون إن الأحوال الجوية والمناخية كانت مواتية للمحصول الجديد خلال الأسابيع الماضية مع هطول أمطار صحية في أكثر المناطق إنتاجاً. وأضافت أنه مع ذلك، قد يشهد جزء من جنوب روسيا، سلة الخبز، مزيداً من الأمطار هذا الأسبوع، وهو أمر غير مرحب به في هذه المرحلة لأنه قد يؤدي إلى تدهور جودة محصول القمح الجديد الذي يتم حصده.

المصدر: عربي بوست