أ٠د/ عبد العزيز صالح بن حبتور ****

 

ودع الشعب اليمني العظيم أحد أبرز قادته الكبار في موكب جنائزي مَهيب في حضور شعبي ورسمي لافت ، وكان في مقدمة المشيعين سيادة الرئيس / مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى ، ودولة الأخ / يحيى علي الراعي رئيس مجلس النواب ، وفضيلة القاضي / احمد يحيى المتوكل رئيس مجلس القضاء الأعلى ، ودولة الحبيب / محمد العيدروس رئيس مجلس الشورى ، ودولة الدكتور / قاسم لبوزة نائب رئيس المجلس السياسي الأعلى السابق ، وسيادة الأخ /محمد علي الحوثي رئيس اللجنة الثورية العليا ، والوالد العزيز /  علي الصماد والد الرئيس الشهيد وإخوان وأبناء الشهيد /  فضل وياسين واحمد ، وقيادات بارزة في المجلس السياسي الأعلى ومجلسي النواب والشورى وحكومة الإنقاذ الوطني ، وحشد هائل من جموع الشعب اليمني الكريم الذين حضروا لتوديع قائدهم ورئيسهم الصماد رحمة الله عليه الذي كان قريباً جداً منهم ويتلمس الكثير من همومهم واحتياجاتهم ، نعم هكذا كان الرئيس الشّهيد في سلوكه وممارسته اليومية لعمله اثناء ادارته لشؤون الوطن .

شعرت بحزن عميق وأنا أساهم في حمل نعش جثمان الشهيد الطاهر مع جموع المشيعين ، بان شيئاً عزيزاً غالياً لم أستطع تخيله حتى اللحظة قد رحل للأبد ، وهو بهذه اللحظة يسكن بسلام في ذلك التابوت الذي حوى جثمانه الطاهر الشريف ، وكانت لحظة فارقة في الزمان والمكان والذكريات والمواقف تتجمع في تلك اللحظات الحزينة ، ولأنني وبحكم طبيعة العمل والصداقة التي تكونت منذ أن تعرفنا على بعض قبل تحملي مهامي الحالية كنت قريباً جداً من الرجل أثناء تأديتنا لمهامنا العملية ، انهالت وتناسلت لدي تلك الذكريات والأفكار والمعلومات التي كنّا نتبادلها ونناقشها ونقرر أحياناً فيها بشكل جماعي ٠

كنت أحدث ذاتي ، وأنا أسير في هذا الموكب الجنائزي المَهيب :

كيف قرر هؤلاء الأعداء الأغبياء اغتيال رئيس بحجم صالح الصماد ؟

ألم يدركوا مغزى فعلتهم على طبيعة وسير الحرب في كل الجبهات ؟

ألم يدرسوا نتائج ذلك العمل الدنيء على مستقبل المنطقة برمتها ؟

إلى أين سيقود شيوخ وأمراء النفط بلدانهم وشعوب منطقتهم ؟

كثيرة هي التساؤلات الحائرة التي دارت في مُخيلتي جراء هذا العدوان الإجرامي الوقح ، لأن القانون الإنساني الدولي يُجرم الاغتيال السياسي بكل ألوانه وصنوفه ، كما أن العادات والشروع والنواميس القبلية للعرب في الحروب تُحذر المقاتلين من الجانين بعدم ارتكاب الخطأ الفادح في قتل العقلاء والشجعان والكرماء من الطرفين ، ولعمري بان اغتيال الرئيس الصماد كان خطأً قاتلاً سيعرف الأعداء والخصوم دلالة ذلك الفعل المشين في المستقبل القريب٠

صحيح أننا نعيش الآن لحظة حزن وألم عميقين بسبب فاجعة الرحيل ، ولكن نقولها بثقة الإنسان الصابر الوفي لروح الشّهيد ، نكررها برباطة جأش الرجال الشجعان المقاومين للعدوان الذي فرض على الجميع أن يُقاتلوه باستبسال و بكل ما لديهم من قدرة وإمكانية ، لأن سيل أرواح ودماء الشهداء الأحرار والجرحى والمكلومين لن يذهب مهب الريح إلا بتحقيق كامل الأهداف العظيمة للشعب اليمني العظيم٠

دعونا نسجل بعضاً من دروس المشهد في سجل الشهيد النبيل :

أولاً : ترك لنا الشهيد مجموعة فكرية تراثية هامة وكثيرة من الفكر المتحرر من أي عصبيات عرقية أو سلالية أو مناطقية ، وهي في شكل محاضرات وخطابات وأحاديث ومقابلات نوعية ، علينا جمعها وطباعتها لتكون إرثاً تراثياً جماعياً لأجيال الأمة ٠

ثانياً : عرفت فيه عن قرب خصال وصفات القائد السياسي الوطني المتحرر من شوائب المناطقية والحزبية والشللية ، وهذه مواصفات أساسية لنجاح أَي قائد يخوض معترك القيادة بما لها وما عليها٠

ثالثاً : شاهدت ولمست عن قرب اتساع ثقافته الدينية ، وأطروحاته الثرية انطلاقاً من تعمقه في الدراسات والمنهج القرآني العظيم ، ويردد باستمرار أن انضمامه إلى حركة أنصار الله كان بدافع الاقتناع المطلق دون تردد بفكر الحركة وقيادتها ، ويتحدث باستمرار بل ويطالب بقوله افهموا فكر الحركة من أدبيات وملازم السيد الشهيد حسين بدر الدين الحوثي وخطابات ومحاضرات السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي ولا تقرأونا كحركة عبر آراء الآخرين ، والشهيد كان بحق موسوعة ثقافية شاملة في اختصاصه ، ويظهر ذلك بجلاء في أثناء الحوارات والنقاشات والمحاضرات التي يلقيها ٠

رابعاً : كان كريم النفس ولطيف المعشر ، وشديد التواضع في تعامله مع مرؤوسيه ، وكان بالمقابل متابعا جادا ومسؤولا لشؤون الدولة واحتياجات المواطنين ، هذا ما لمسته أثناء عملنا المشترك في إدارة وقيادة الدولة كل من موقعه الإداري ٠

خامساً : كان شديد الاهتمام والمتابعة بقضايا ومشاكل أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية ، ويراهن على المستقبل السياسي للوطن من خلال العديد من التكوينات السياسية الوطنية المقاومة للعدوان من بين أبناء هذه المحافظات ، ورهانه في ذلك على البعد الوطني لبناء مؤسسات الدولة بالمستقبل القريب باْذن الله بعد انتهاء العدوان على اليمن ٠

سادساً : أثناء التشييع شاهدت وجوه الحضور التي حضرت لإلقاء التحية والوداع الأخير لجثمان الشهيد الرئيس بأنها من مختلف الطيف السياسي الحزبي والثقافي والجهوي في بلادنا ، وهذا يدل دلالة كبيرة على ان الشهيد كان مقبولاً من طيف واسع من جماهير شعبنا ، لأنه يمثل نقطة حوار شاملة بين كل الفرقاء السياسيين في عموم الوطن٠

سابعاً : جريمة اغتيال الشهيد الرئيس كان بمثابة جريمة حرب كاملة الأركان ، والتشييع الجماهيري والرسمي كان رداً بليغاً موجعاً لدول العدوان ، وتكريماً لروحه الطاهرة وأرواح الشهداء أفراد حمايته الشخصية الستة من الأبطال الشجعان الذين نعرفهم جيداً ، وعن قرب وأكلنا العيش والملح معاً في منزله الشخصي أثناء رحلاتنا العديدة حينما زرنا معاً جبهات القتال في أكثر من موقع ٠

رحمة الله عليهم جميعاً واسكنهم الفردوس الأعلى وهم خالدون بإذن الله في وجدان وضمير هذه الأمة المعطاءة ، بِسْم الله الرحمن الرحيم  (168) وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ٠ صدق الله العظيم ٠

إنها لحظة وجع عميق وتحدٍ لا حدود له ، والله اعلم منا جميعاً٠

وفوق كل ذي علمٍ عَلِيم

رئيس مجلس الوزراء – صنعاء