هل يقود تعثر الحوار السوداني إلى انتخابات مبكرة؟
السياسية:
يشهد السودان جدلاً واسعاً لإنهاء أزمته السياسية التي اندلعت بإعلان قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر (تشرين الأول) حالة الطوارئ في البلاد وتعطيل الشراكة مع المدنيين، ما اعتبره المجتمع الدولي وغالبية القوى السياسية في السودان انقلاباً عسكرياً.
وفي إطار الجهود المبذولة لحل هذه الأزمة، أطلقت الآلية الثلاثية المتمثلة في بعثة الأمم المتحدة في الخرطوم، والاتحاد الأفريقي، ومنظمة دول الإيغاد الأربعاء 8 يونيو (حزيران) حواراً سودانياً لإعادة النظام السياسي بعد الانقلاب، حضره المكون العسكري وأحزاب سياسية والحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام، وقاطعته جماعات مدنية رئيسة.
لكن، في حال استمرار الانسداد السياسي، وتعثر الحوار بين أطراف الأزمة السودانية كافة، هل تصبح الانتخابات المبكرة واقعاً، لا سيما أن مستشار قائد الجيش السوداني، العميد الطاهر أبو هاجة قال قبل انطلاق حوار الآلية الثلاثية بوقت قصير “لن ننتظر مماطلة المدنيين في الجلوس للحوار، وسنعلن تهيئة البلاد لانتخابات مبكرة عاجلة قبل يوم 15 يونيو لقطع الطريق أمام المتربصين بالعباد والسودان”.
إبعاد العسكر
ويقول أستاذ الاقتصاد السياسي في الجامعات السودانية، الحاج حمد، “لم تكن بداية الحوار لحل الأزمة السياسية في البلاد الذي دعت إليه الآلية الثلاثية (بعثة الأمم المتحدة، الاتحاد الأفريقي، ومنظمة دول الإيغاد) الأربعاء موفقة، لأنه جمع الأطراف المؤيدة لانقلاب 25 أكتوبر من العسكريين والمدنيين، وقد فضح وزنهم الحقيقي من خلال تصريح أدلى به ممثل الاتحاد الأفريقي محمد حسن ود لبات عقب الجلسة الأولى لانطلاق أعمال الحوار السياسي، جاء فيه: لن ينجح الحوار السوداني إلا بمشاركة كل الأطراف الفاعلة في المشهد السياسي السوداني، في إشارة إلى أحزاب قوى الحرية والتغيير التي قاطعت هذا الحوار”.
أضاف “في نظري إنهاء هذه الأزمة يكون بإبعاد العسكر من المشهد السياسي وعودتهم إلى ثكناتهم كما ينادي الشارع السوداني، والاتجاه لتكوين حكومة مدنية تدير ما تبقى من عمر الفترة الانتقالية وصولاً في نهايتها إلى انتخابات حرة ونزيهة، لكن خلاف ذلك فسيظل الوضع متوتراً لأنه من المستحيل توقف التظاهرات ما لم تتحقق تطلعات وأحلام من يطالبون بالسلطة المدنية كاملة”.
تخويف وتبسيط
وتابع حمد “أما ما يثار من تصريحات من قبل المكون العسكري حول إقامة انتخابات مبكرة فهو مجرد تخويف، لأن التحضير إلى الانتخابات من ناحية تقسيم الدوائر الجغرافية وتشكيل المفوضية الخاصة بالانتخابات والقانون الذي ينظم هذه العملية، فضلاً عن التعداد السكاني، يتطلب فترة زمنية تتراوح بين 13 شهراً وسنتين. فالعسكر يبسط موضوع الانتخابات الذي يحتاج أيضاً إلى تمويل في ظل ما تعانيه البلاد من ظروف اقتصادية قاهرة”.
وتابع “الدعوة لانتخابات مبكرة هي واحدة من أدوات انقلاب 25 أكتوبر بادعاء العسكريين تسليم السلطة إلى المدنيين، فهم اختاروا المستحيلات وهي حسب مآربهم إما التوافق بين المكونات السياسية أو الانتخابات المبكرة، وهذا كلام لا يستقيم لأن الانتخابات يسبقها اتفاق على شكل الحكم نفسه”.
وأشار أستاذ الاقتصاد السياسي إلى أن السيناريو المحتمل هو أن يقتنع العسكر بأن القوة الفاعلة في الشارع هي من رفضت حوار الآلية الثلاثية، بالتالي لا مفر من تسليم السلطة إلى المدنيين.
وفي السياق، أوضح مسؤول العلاقات الخارجية في “حزب المؤتمر السوداني”، فؤاد عثمان، “معلوم أن قوى الحرية والتغيير قاطعت الحوار الذي دعت إليه الآلية الثلاثية، لأنه لم يأتِ وفق الرؤية والتصور الذي اقترحته حتى يكون الحوار مثمراً وهادفاً، وأن يؤدي إلى إنهاء الوضع الانقلابي واستعادة التحول الديمقراطي والترتيب لفترة انتقالية جديدة ذات مهام محددة، من أهمها إقامة انتخابات حرة ونزيهة قبل نهايتها”.
وبين أن ما حدث في اجتماع الأربعاء الذي شارك فيه العسكريون والمناصرون لهم هو إعادة لنسخة حوار الوثبة الذي دعا له الرئيس السابق عمر البشير عام 2015، أي تكرار للسيناريو نفسه، فقد كانت السلطة الحاكمة آنذاك تحاور نفسها، والآن يبحث العسكر عن شرعنة لانقلابهم.
تحقيق الشرعية
وأكد عثمان بأن دعواتهم المتكررة لقيام انتخابات مبكرة يريدون من خلالها الجلوس في كراسي السلطة وتحقيق شرعية لانقلابهم، لكن الشارع السوداني قال كلمته، كما أنه معروف أن السلطة التي ترتب إلى الانتخابات ليست هي السلطة الانقلابية، بل تتم هذه العملية الانتخابية عبر حكومة مدنية مؤمنة بقضايا الانتفاضة التي دفع الشعب السوداني دمه مهراً لها، حتى تكون الانتخابات نزيهة يقبل بها المجتمع السوداني، ويفوز فيها من يفوز من قواه السياسية.
ولفت إلى أن “الانقلابيين سواء كانوا عسكريين أم مدنيين غير مؤهلين للحديث عن انتخابات، فهي دعوة حق أريد بها باطل، بالتالي هي مجرد محاولة للحصول على الشرعية لانقلابهم الذي سنقاومه بشتى الوسائل السلمية حتى إسقاطه”.
اجتماع العسكر والمدنيين
وكان أن عقد الخميس اجتماع بين المكون العسكري و”قوى الحرية والتغيير” (المجلس المركزي)، في إطار المساعي لإنقاذ العملية السياسية بعد مقاطعة “الحرية والتغيير” الحوار السوداني برعاية الآلية الثلاثية.
وفي بيان لها، أكدت “قوى الحرية والتغيير” أن اجتماعها مع المكون العسكري جاء بعد رفض قادتها المشاركة في الاجتماع الذي دعت إليه الآلية الثلاثية الأربعاء في فندق السلام روتانا في الخرطوم، لأنه يسعى لشرعنة انقلاب 25 أكتوبر وبناء حاضنة متحكم بها على أساس قسمة السلطة، بعيداً من قضايا الانتفاضة والانتقال المدني الديمقراطي.
وقالت في بيان لها الجمعة، إن “هناك أسباباً عدة دفعتها لحضور هذا الاجتماع منها أن (قوى الحرية والتغيير) تعتمد ثلاث وسائل لهزيمة الانقلاب، هي الثورة الشعبية الجماهيرية والتضامن الدولي والإقليمي، والحل السياسي المفضي لتسليم السلطة للمدنيين، وفي هذا الإطار فإنها تفرق بين الحل السياسي الزائف، على شاكلة ما تم في فندق (روتانا) والحل السياسي الحقيقي الذي ينهي الانقلاب وإقامة سلطة مدنية ديمقراطية كاملة تحقق أهداف الحراك السوداني”.
وأضاف البيان أن حوار فندق روتانا يعادي الشعب السوداني وقضاياه العادلة وتحقيق تطلعاته في إكمال التغيير ومهام انتفاضة ديسمبر (كانون الأول).
إنهاء الانقلاب
وأشار البيان إلى أن “قوى الحرية والتغيير” طرحت في اجتماعها مع المكون العسكري ضرورة إنهاء الانقلاب وتسليم السلطة للشعب، عبر خريطة طريق واضحة وقاطعة وفي إطار عملية سياسية أطرافها هما قوى الثورة والتغيير من جانب والذين قاموا بالانقلاب من جانب آخر. وفي هذا فإن قوى الحرية والتغيير لا تدعي احتكار تمثيل قوى الثورة، بل ندعو كل قوى الثورة لوضع رؤية مشتركة وتعبئة شعبنا والمجتمعين الإقليمي والدولي لمساندة هذه الرؤية وحق شعبنا في نظام مدني ديمقراطي كامل.
وشددت “الحرية والتغيير” على عدم مشاركتها في أي عملية سياسية “زائفة تسعى لشرعنة الانقلاب”، مؤكدة أن استحقاقات تهيئة المناخ الديمقراطي لم تكتمل بعد ومن دونها لن تنجح أي عملية سياسية. كما اشترطت أن تمر أي عملية سياسية في السودان عبر مراحل، أولها إنهاء الانقلاب والتأسيس الدستوري الجديد، الذي يقوم على سلطة مدنية كاملة، ويتعاطى مع ما تم من سلام واستكماله، والنأي بالمؤسسة العسكرية عن السياسة من دون مشاركتها في السلطة المدنية، والإصلاح الأمني والعسكري، وبناء جيش واحد ومهني وقومي.
ووعدت “قوى الحرية والتغيير” بتسليم رؤية واضحة حول إنهاء الانقلاب وتسليم السلطة للشعب، لكل من الآلية الثلاثية والمجتمعين الإقليمي والدولي، بعد التشاور مع كل حلفائها وأصدقائها من قوى المقاومة والانتفاضة، فضلاً عن عقدها اجتماعاً مع الآلية الثلاثية لتوضيح ما جرى في الاجتماع وموقفها الرافض لأي “عملية سياسية زائفة”، وضرورة احترام أسس العملية السياسية المفضية إلى تحقيق أهداف الشارع.
ولفت البيان إلى أن اجتماع “قوى الحرية والتغيير مع العسكريين ليس بديلاً للآلية الرئيسة، التي نعتمدها وهي عمل المقاومة السلمية الشعبية اليومي وآلياته المدنية من مواكب وإضرابات واعتصامات هي سلاح قوى الانتفاضة الرافضة للانقلاب والمؤمنة بالتحول الديمقراطي والمدني من أحزاب سياسية والأجسام النقابية والمهنية ولجان المقاومة، والذي سنواصل جهدنا لتصاعده بجميع الأشكال حتى تحقيق كل مطالب شعبنا في الحرية والسلام والعدالة وإقامة السلطة المدنية الكاملة”.
تبادل أفكار
من جهتها، قالت السفارة الأميركية في الخرطوم، إن اجتماع “الحرية والتغيير” والمكون العسكري تم بدعم مقدر من السفارة السعودية في الخرطوم وبحضور وفد الولايات المتحدة الأميركية وممثلين من المكون العسكري وقوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، مؤكدة في بيان لها أن الاجتماع جاء بغرض تبادل الأفكار، حول كيفية حل الأزمة السياسية الراهنة، وكذلك الوصول لعملية سياسية تؤدي إلى الانتقال الديمقراطي.
وثمن البيان ترحيب والتزام الطرفين وضع مصلحة بلادهما أولاً والحوار مع أصحاب المصلحة الآخرين، مؤكداً أن هذا الاجتماع لا يشكل بأي حال من الأحوال بديلاً للآلية الثلاثية، ولكن يتطابق مع دعم كل المجهودات لبناء الثقة بين الأطراف.
100 قتيل
ومنذ أن أزاح قائد الجيش عبد الفتاح البرهان المدنيين من حكم المرحلة الانتقالية حين نفذ انقلاباً عسكرياً في أكتوبر، يشهد السودان اضطرابات سياسية واقتصادية ويخرج للتظاهر بشكل منتظم آلاف السودانيين في العاصمة ومدن أخرى للمطالبة بعودة الحكم المدني ومحاسبة قتلة المتظاهرين، فيما تقدر لجنة أطباء السودان المركزية أن نحو 100 شخص في الأقل قتلوا وجرح العشرات.
بقلم: إسماعيل محمد علي ـ صحافي سوداني
المصدر: اندبندنت عربية ـ المادة الصحفية تعبر فقط عن رأي الكاتب