السياسية:

الوفد المرافق لبيني غانتس، وزير دفاع كيان إسرائيل، في زيارته إلى الهند، يكشف عن مدى عمق العلاقات العسكرية بين الجانبين، فكيف أصبحت نيودلهي أكبر عملاء السلاح الصهيوني على الإطلاق؟

زيارة غانتس، التي اصطحب خلالها مسؤولين بارزين في مديرية البحث والتطوير الدفاعي التابعة لوزارة الدفاع وآخرين من مكتب الشؤون السياسية والعسكرية وممثلي صناعات الأسلحة الصهيونية، تأتي احتفالاً بمرور 30 عاماً من العلاقات الدبلوماسية بين نيودلهي وتل أبيب.

ونشر موقع Middle East Eye البريطاني تقريراً عنوانه “الهند وكيان إسرائيل: تجارة الأسلحة بالأرقام والإحصائيات”، رصد تطور العلاقات العسكرية بين البلدين، وبصفة خاصة منذ تولي ناريندرا مودي رئاسة الوزراء قبل أكثر من 8 سنوات.

التقى غانتس، خلال زيارته هذا الأسبوع، نظيره الهندي راجناث سينغ، كما التقى مودي، بهدف “توسيع وتعميق التعاون بين المؤسستين”. وفي السنوات الأخيرة، أولت الحكومة الصهيونية أهمية كبيرة إلى سوق الأسلحة الهندي، نظراً إلى أنه العميل الأكبر وربما الأكثر اعتمادية على المعدات العسكرية الصهيونية.

بحسب مراقبي الأسلحة، تعد الهند أكبر مشترٍ للأسلحة الصهيونية، بإنفاق يتجاوز مليار دولار سنوياً. كما صارت الهند منذ 2017 شريكاً استراتيجياً وشريكاً في إنتاج الأسلحة الصهيونية.

وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، أجرى كلا البلدين تدريبات عسكرية مشتركة، واستضافا تدريبات عسكرية وشرطية، وتبادلا الزيارات فيما بينهما.

لكن الأمور لم تكن دائماً هكذا، فقبل عام 1992، لم تحظ الهند بعلاقات دبلوماسية مع إسرائيل من الأساس، بل وكانت الهند من أبرز الدول غير العربية الداعمة للقضية الفلسطينية، وبعد أن أقامت نيودلهي علاقات مع إسرائيل عام 1992، ظلت العلاقة مع تل أبيب تتسم بالسرية، حتى جاء مودي وأصبح صديقاً لرئيس وزراء كيان إسرائيل السابق بنيامين نتنياهو.

إذ كان ناريندرا مودي أول رئيس وزراء هندي يزور كيان إسرائيل بصورة رسمية وهو في منصبه، ورد نتنياهو الزيارة، في أبلغ تعبير عن مدى عمق العلاقة التي تربط بين الزعيمين اليمينيين.

لكن على الرغم من أن الصفقات العسكرية بين تل أبيب ونيودلهي لم تتزايد إلا بعد إقامة العلاقات الدبلوماسية، كانت هناك علاقات سرية بين البلدين قبل عام 1992، فقد أمدت كيان إسرائيل الهند بأسلحة في عام 1962 ثم في عام 1965 في الحروب ضد الصين وباكستان. وبحلول سبعينيات القرن الماضي، كانت المؤسسة العسكرية الهندية منبهرة ومفتونة بالتكنولوجيا الصهيونية.

وفي أعقاب اتصالات بين القادة العسكريين في مطلع تسعينيات القرن الماضي، وافقت الهند على تعيين ملحق عسكري لها في تل أبيب عام 1995. وفي عام 1999، قدمت إسرائيل إلى الهند مساعدة مُلحة في حربها مع باكستان، وهي خطوة رسخت صورة كيان إسرائيل بوصفها شريكاً عسكرياً موثوقاً.

ذوبان جليد العلاقات عقب نهاية الحرب الباردة
منذ نهاية الحرب الباردة، سعت الهند لتنويع موردي أسلحتها. وتظل روسيا أكبر مورد أسلحة للهند، مع بقاء الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة ضمن الموردين الرئيسيين، لكن علاقة الهند مع كيان إسرائيل أظهرت أنها الأوثق مع مرور الوقت.

بحسب معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (Sipri)، وصل الإنفاق العسكري للهند في عام 2021 إلى 76.6 مليار دولار، لتكون ثالث أكبر دولة من حيث الإنفاق العسكري، بعد الولايات المتحدة والصين. بين عامي 2017 و2021، كانت الهند والسعودية أكبر مستوردي الأسلحة في العالم، إذ بلغ نصيب كل منهما 11% من إجمالي تجارة الأسلحة العالمية.

المقاومة الفلسطينية

تزايد العداوات بين الهند والصين كان يعني كذلك أن سباق التسليح الفعلي بدأ بين البلدين. وفي عام 2021، كانت الصين والهند مسؤولتين وحدهما عن 63% من إجمالي الإنفاق العسكري في آسيا ومنطقة أوقيانوسيا.

قال معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام في أبريل/نيسان: “التأثير الاقتصادي لجائحة كوفيد-19 لم ينهِ الاتجاه التصاعدي المستمر في الإنفاق العسكري العالمي المشهود منذ عام 2015″.

وتظهر أرقام وإحصاءات كبار موردي الأسلحة إلى الهند بين عامي 2000 و2020 وجود كيان إسرائيل دائماً في الخانات الأعلى من القائمة: فبين عامي 2000 و2005، احتلت روسيا المركز الأول بنصيب الأسد (73.3%) بينما جاءت إسرائيل في المركز الثاني (7.9%) وأوزبكستان الثالث.

ومن عام 2005 إلى عام 2010: روسيا: 73.8%، إسرائيل: 6.8%، بريطانيا: 6.4%، ومن عام 2010 إلى عام 2015: روسيا: 70.8%، الولايات المتحدة: 12%، كيان إسرائيل: 4.7%، ومن عام 2015 إلى عام 2020: روسيا: 51%، فرنسا: 15%،الكيان الإسرائيلي: 13%.

ما قبل مودي ليس كما بعده

بين عامي 1997 و2000، كانت الهند وجهةً لـ 15% من صادرات الأسلحة الصهيونية. وبحلول منتصف العقد الأول من القرن الحالي، ارتفعت هذه النسبة إلى 27%، مع تنويع الهند مشترياتها، مثل معدات المراقبة والطائرات المسيّرة والصواريخ أرض-جو. وبين عامي 2000 و2010، أنفقت الهند حوالي 10 مليارات على الأسلحة الصهيونية.

لكن منذ وصول مودي إلى منصبه عام 2014، أصبحت الهند وجهةً لـ 42.4% من إجمالي صادرات الأسلحة الصهيونية، وحصلت أذربيجان على 13.9% من صادرات الأسلحة الصهيونية، وفيتنام على 8.5%، وحصلت الولايات المتحدة على 6.2%، لتشكل هذه الدول العملاء الرئيسيين للأسلحة الصهيونية.

بحسب معهد ستوكهولم الدولي، زادت شحنات الأسلحة من كيان إسرائيل إلى الهند بنسبة 175% بين عامي 2015 و2019. وفي غضون ذلك، ارتفعت صادرات الأسلحة الصهيونية بنسبة 19% بين عامي 2012 و2016، وبنفس النسبة بين عامي 2017 و2021. وارتفع إنفاقها على الأسلحة بمقدار 3.1%.

لكن العلاقة العسكرية بين البلدين، منذ مجيء مودي إلى السلطة، تتجاوز بيع وشراء المعدات العسكرية. في عام 2019، بعد أن ضمت الهند كلياً منطقة كشمير المحتلة من الهند، اقترح دبلوماسي هندي بارز في الولايات المتحدة أن تستنسخ الهند “النموذج الصهيوني” في الأراضي، في إشارة إلى المستوطنات الصهيونية في الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلتين.

وفي عام 2020، وقعت الهند وكيان إسرائيل على اتفاقية لتوسيع نطاق التعاون في مجال الأمن السيبراني. وحينها قال رئيس هيئة السايبر الوطنية في الحكومة الصهيونية، يغئال أونا: “إن تعميق التعاون مع الهند يشكل خطوة أخرى في مواجهة التهديدات السيبرانية حول العالم”.

بحسب صحيفة The Hindu الهندية، كان الأمن السيبراني “مجال تعاون مهماً خلال زيارة مودي إلى كيان إسرائيل في يوليو/تموز 2017”. وفي وقت سابق من العام الحالي، زعم تحقيق لصحيفة The New York Times أنه خلال زيارة مودي إلى كيان إسرائيل في 2017، اشترت الهند برنامج بيغاسوس الذي استُخدم لاختراق حسابات شخصية لحوالي 300 مواطن هندي، من بينهم نشطاء وصحفيون وزعماء معارضة.

ما الأسلحة التي تشتريها الهند من كيان إسرائيل؟
كانت أول عملية شرائية للهند من الكيان الإسرائيلي عبارة عن قاربي دوريات سريعين سوبر ديفورا، وكان ذلك في منتصف تسعينيات القرن الماضي. وبعد مدة وجيزة، بدأت نيودلهي في استيراد معدات ذات تقنية عالية، بما في ذلك الطائرتان المسيرتان سيرشر وهيرون، بجانب طائرات مسيرة مسلحة، ومنظومات صاروخية، وأنظمة استشعار وأنظمة كهروضوئية، وبندقيات تافور الإسرائيلية التي تستخدمها القوات الخاصة الهندية في كشمير المحتلة من الهند.

وبين عامي 2014 و2021، حصلت الهند من العدو الإسرائيلي على معدات رادار للطائرات المقاتلة، وطائرات مسيرة مسلحة، وصواريخ مضادة للدبابات، وصواريخ أرض جو، إضافة إلى معدات أخرى. وتشير تقارير إلى أن الجيش الهندي يحوز 108 طائرات مسيرة الصهيونية من طراز سيرشر، و68 طائرة مسيرة من طراز هيرون-1. ويملك الجيش الهندي كذلك طائرات هاربي، التي تُعرف بأنها طائرات مسيرة هجومية انتحارية.

قال تقرير نشرته حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات ضد كيان إسرائيل في الهند، بالتعاون مع منظمة People’s Dispatch وموقع Newsclick: “استمرت كيان إسرائيل في احتلالها للأراضي الفلسطينية لأكثر من 70 سنة، حيث يعيش ملايين الفلسطينيين تحت سيطرة الجيش وتعليق حقوقهم المدنية. إنها دولة فصل عنصري استيطانية استعمارية، تنفذ أنشطتها غير القانونية مع إفلات من العقاب بسبب الدعم الذي تحصل عليه من الدول والشركات”.

بعد بداية جائحة كوفيد-19 مباشرة في مطلع عام 2020، طلبت حكومة مودي 16479 مدفعاً رشاشاً من طراز نقب الصهيوني ، مما أثار حالة غضب بين النشطاء الهنود. وفي ضرباتها الجوية التي نفذتها ضد باكستان في 2019، استخدمت الهند قنابل سبايس 2000 إسرائيلية الصنع.

وفي العام الماضي، خلال مواجهتها مع الصين، استأجرت الهند 4 طائرات هيرون المسيرة ذات القدرة على التحليق على ارتفاع متوسط لمدة طويلة، ثم اشترتها في نهاية المطاف من شركة صناعات الفضاء الصهيونية (IAI).

إنتاج مشترك للأسلحة
على مدى العقد الماضي، أعطت الهند أولوية لتحديث قواتها المسلحة وشددت تركيزها على الاعتماد الذاتي في إنتاج السلاح، في إطار خطة “صنع في الهند” التي أطلقها مودي.

قال معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام: “في حملة لتعزيز صناعة الأسلحة المحلية، خُصصت 64% من النفقات الرأسمالية في الموازنة العسكرية الهندية لعام 2021 لحيازة أسلحة مصنوعة محلياً”.

في إطار هذه الحملة، عملت الهند مع كيان إسرائيل في الإنتاج المشترك للأسلحة. وفي عام 2017، أسست شركة صناعات السلاح الصهيونية (IWI) وشركة الإنشاءات الهندية Punj Lloyd، أول مصنع أسلحة خاص صغير في منطقة مالانبور الصناعية الهندية، وحمل اسم Punj Lloyd Raksha Systems أو PLR Systems.

بحسب مصنع PLR Systems، وهو أيضاً مشروع مشترك مع مجموعة Adani Group ومجموعة SK Group، ينتج المصنع بندقيات تافور، وبندقيات إكس-95، وبندقيات القناصة “جليل”، والمدافع الرشاشة الخفيفة نقب، وبندقية عوزي صغيرة الحجم التي يستخدمها الجيش الهندي، بما في ذلك القوات الخاصة الهندية.

وفي وقت لاحق من عام 2017، بدأت شركة Kalyani Rafael Advanced Systems Ltd أو (KRAS) -وهي مشروع مشترك بين شركة Kalyani Strategic Systems Ltd الهندية وبين أنظمة رافائيل الدفاعية المتقدمة في كيان إسرائيل- في تصنيع صواريخ سبايك الموجهة المضادة للدبابات من أجل الجيش الهندي.

وكانت هذه أول شركة خاصة تنتج صواريخ في الهند. في عام 2019، تلقت شركة KRAS طلباً بـ 100 مليون دولار لإنتاج صاروخ برق 8، وهو صاروخ أرض-جو طويل المدى، لصالح البحرية الهندية.

قال العميد الصهيوني المتقاعد بيني يونغمان في تصريح: “إننا في أنظمة رافائيل فخورون بدورنا -ليس فقط في KRAS- بل أيضاً بمشاركتنا في خطة صنع في الهند، وبعلاقتنا القوية مع المواهب الحيوية في الصناعات الدفاعية الهندية”.

وفي أواخر عام 2021، طلب الجيش الطائرات المسيرة سكايسترايكر (Skystriker). سوف تُنتج هذه الطائرات الآن في مشروع مشترك بين شركة أنظمة إلبيط الصهيوني وبين شركة Alpha Design Technologies، المملوكة لمجموعة Adani Group، وذلك في مدينة بنغالور جنوبي الهند.

في حديثه مع قناة CNBC، قال ريتشارد روسو، كبير مستشاري دراسات السياسة الأمريكية الهندية لدى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS): “تعد الهند جيدة في الأشياء ذات النطاقات الواسعة، مثل مراكز خدمة العملاء، وتطوير البرمجيات، لكن كيان إسرائيل تقدم حزمة برمجيات. تُجري الهند بحوث المكتب الخلفي في مجال التكنولوجيا الحيوية، لكن كيان العدو لديها بالفعل منتجات معروضة في الأسواق العالمية أكثر مما لدى الهند”.

وأضاف: “لذا ربما تبحث الشركات الصهيونية عن قاعدة إنتاج أكبر، وفي هذه الحالة تبدو الهند مستعدة لتقديمها”.

المصدر: عربي بوست