من تقييد السلاح إلى دعوات لحظر بندقية AR-15.. ما قصة “القاتل” الذي قد يشتريه أي مراهق في أمريكا؟
السياسية:
قد يكون تقييد حيازة السلاح في أمريكا أمراً شبه مستحيل، فهل يمكن حظر بيع بندقية AR-15 شبه الآلية لمن هم أقل من 21 عاماً على الأقل؟ ولماذا يبدو ذلك أيضاً بعيد المنال رغم استمرار المجازر العشوائية؟
كان الرئيس جو بايدن قد أصدر تعليقاً فلسفياً بعد مجزرة الأطفال في المدرسة الابتدائية بأوفالدي، تكساس، وتساءل: “أين شجاعتنا للوقوف في وجه جماعات الضغط (اللوبيات)؟”، لكن مع مرور الوقت يبدو أن أصوات جماعات الضغط أصبحت أعلى مرة أخرى.
وتراجع الجدل بشأن وضع قيود على حيازة السلاح بشكل عام إلى مطالبات بوضع قيود على بيع بندقية AR-15 شبه الآلية، وهي السلاح المستخدم في كثير من حوادث “إطلاق النار الجماعي” في أمريكا، وهو المصطلح الذي يتم استخدامه عندما يفتح شخص ما النار بطريقة عشوائية، فيقتل أو يصيب 4 أشخاص على الأقل، دون أن يكون مرتكب الجريمة من بين القتلى أو المصابين.
بندقية AR-15.. للصيد أم للقتل؟
صحيفة The Independent البريطانية نشرت تقريراً عنوانه “صعود بندقية AR-15: لماذا تدافع أمريكا عن سلاح حرب؟”، رصد كيف عاد الجدل بشأن الأسلحة الشبيهة ببندقية AR-15 إلى دائرة الضوء بعد نحو عقدين من رفع الحظر عن بيعها.
ووفقاً لدراسة تعود لعام 2020 أعدَّتها “مؤسسة رياضات الرماية الوطنية”، وهي مجموعة تجارية في مجال السلاح، يوجد الآن قرابة 20 مليون من هذه الأسلحة في الولايات المتحدة.
وهذا عدد مذهل من الأسلحة المتداولة من تصميم اعتُبِرَ غير قانوني إلى حدٍ كبير عام 1994، حين اتحد المشرعون في الكونغرس مع رئيسٍ ديمقراطي، هو بيل كلينتون، لحظر عدد من النماذج الشبيهة ببندقية AR-15 من السوق. واستمر الحظر الذي فُرِضَ في عهد كلينتون حتى عام 2004، حين انتهى في غمار موجة من المشاعر المتصاعدة بخصوص حقوق السلاح بتحفيز من “الرابطة الوطنية للسلاح” وغيرها من القوى السياسية والثقافية.
وتتسم البندقية باستخدام واسع النطاق في رياضات الرماية من جانب عشاق الأسلحة النارية الذين يستمتعون بالتصميم شبه الآلي لهذا النموذج وقابليته العالية للتعديل.
وتُستخدَم البندقية في أنحاء جنوب وجنوب غرب الولايات المتحدة لمكافحة الحيوانات، في مواجهة تهديدات مثل الذئاب والخنازير البرية، وتُستخدَم أيضاً في الكثير من المناطق كسلاح للصيد. وتُوصَف بندقية AR-15 نفسها بأنَّها سهلة التلقيم والإطلاق والتحكم بها بشكل عام مقارنةً بتصميمات أخرى، ولهذه الأسباب غالباً ما تجد قوات إنفاذ القانون وعشاق الأسلحة هذه البندقية ملائمة لاحتياجاتهم.
ولعل هذه البندقية هي النموذج الأشهر من الناحية الثقافية في أرجاء أمريكا، وتتمتع بمستويات دعم كبيرة في المجتمعات الريفية والمناطق المحافظة عموماً في أرجاء الولايات المتحدة. تقع مدينة أوفالدي بولاية تكساس الأمريكية في ضواحي مدينة سان أنطونيو، وهي واحدة من تلك البلدات الصغيرة التي يستمتع فيها الكثير من السكان برياضات الرماية، ويملكون سلاحاً نارياً أو أكثر.
أداة جريمة أوفالدي ولاس فيغاس والقائمة طويلة
أصبح تورطها في هجمات إطلاق النار الجماعي عنصراً أساسياً في النقاش منذ انتهاء الحظر؛ إذ استُخدِمَت بندقية AR-15 في العديد من عمليات إطلاق النار الجماعية التي أوقعت حصيلة كبيرة من الضحايا، بما في ذلك الحوادث الأخيرة في مدن أوفالدي وبافالو وتولسا، فضلاً عن حوادث أخرى في السنوات الماضية، بما في ذلك المذبحة في مدينة لاس فيغاس، وحادث إطلاق النار في أحد متاجر Walmart بولاية تكساس عام 2019، بالإضافة إلى هجوم مدرسة سان هوك الابتدائية، وهجوم مدرسة مارجوري ستونمان دوغلاس العليا في مدينة باركلاند بولاية فلوريدا. وهناك العديد من الأمثلة الأخرى.
يتساءل بعض المنتقدين: لماذا تكون بندقية شبه آلية مهمة للصيد أو رياضات الرماية الأخرى؟ ويقولون إنَّه يجب سحبها من السوق لصالح بدائل لتلك الاستخدامات لا يمكن استخدامها لإيقاع ضحايا جماعيين خلال مثل هذا الوقت القصير مثلما يمكن لبندقية AR-15.
بعد فترة قصيرة من حادث إطلاق النار في مدينة باركلاند، قال السيناتور آنذاك عن ولاية فلوريدا، بيل نيلسون: “أصطاد طوال حياتي، وما زلتُ أصطاد مع ابني، لكنَّ بندقية AR-15 ليست للصيد، بل للقتل”.
ويعيد آخرون، بينهم حتى مُلَّاك للبندقية، تقييم استخدام السلاح في ضوء حوادث القتل الأخيرة.
فصرَّح ريتشارد سمول، الذي يصف نفسه بأنَّه جمهوري وعضو طوال حياته في الرابطة الوطنية للسلاح، لشبكة CNN الأمريكية، خلال مقابلة من مدينة سان أنطونيو، بأنَّه اتخذ قراره بالتخلي عن بندقيته الشبيهة ببندقية AR-15 بعدما زار هو وزوجته موقع عملية إطلاق النار في مدينة أوفالدي لتقديم تعازيهما.
وفي ظل دعم كبار الديمقراطيين في واشنطن، أمثال بيرني ساندرز وديان فاينستاين وآخرين، للدعوات من أجل إزالة الأسلحة مجدداً من السوق المدنية، تعود بؤرة الضوء على الأسلحة الهجومية والشركات المسؤولة عن وضع ملكية السلاح الحالي في أمريكا.
وفي هذا الإطار، تحتل الأسلحة المُصمَّمة على غرار نموذج البندقية AR-15 مكانة فريدة في الثقافة الأمريكية وفي سوق الأسلحة النارية بشكل عام؛ ففي التاريخ الأمريكي، قليلةٌ هي المنتجات التي تحولت من حالة عدم شرعية شبه كاملة إلى سوق متخمة خلال مثل هذه الفترة القصيرة، وشهدت شعبية البنادق الشبيهة ببندقية AR-15 طفرة كبيرة في الولايات المتحدة في السنوات التي تلت انتهاء الحظر على بيعها، وساعدت الحرب على الإرهاب ووسائل الإعلام في جزء كبير من ذلك.
وأصبح اسم السلاح نفسه “ميم إنترنت” بين أنصار ضبط السلاح على وسائل التواصل الاجتماعي.
انتهى الحظر المفروض على الأسلحة الهجومية، بما في ذلك بندقية AR-15 عام 2004، خلال ذروة المشاعر الشعبية حيال الجهود العسكرية الأمريكية في العراق وأفغانستان، حيث أدَّى الغزوان إلى رواج الأسلحة عسكرية الطراز والمعدات العسكرية التكتيكية وكذلك التمويه الصحراوي.
هل يمكن فعلاً التخلص من أدوات القتل تلك؟
وكانت تلك هي الفترة التي شهدت زيادة شعبية بندقية AR-15 أيضاً، ويعود ذلك في جزء ليس بالصغير إلى الجهود التسويقية الثورية لصانعي الأسلحة النارية، الذين اغتنموا الفرصة للاستفادة من حملات أمريكا العسكرية المترامية في الشرق الأوسط.
كانت شركة Daniel Defense في مقدمة هذا الجهد التسويقي، وكانت الشركة، وهي مُصنِّع أسلحة نارية مقره الولايات المتحدة ومسؤولاً عن بندقية DDM4 المُصمَّمة على نموذج بندقية AR-15 التي استُخدِمَت في حادث إطلاق النار في أوفالدي، في صدارة التحول الذي شهدته صناعة السلاح على مدار العقود القليلة الماضية نحو التسويق للشبان الأصغر، بما في ذلك المراهقون.
عرضت الشركة علامتها التجارية وأسلحتها في إصدار عام 2019 من اللعبة واسعة الشهرة “Call of Duty”، الذي يتناول “الحرب الحديثة” (Modern War)، وكثيراً ما تكون إعلانات الشركة مُصمَّمة لجذب الجمهور الأصغر.
والآن بعد استخدام الأسلحة في عدد من حوادث إطلاق النار الجماعي التي أسفرت عن عدد صادم للغاية من الضحايا، هناك دعوات مجدداً في الكونغرس لسحب بنادق AR-15 وغيرها من الأسلحة الهجومية من السوق. وفي السنوات الأخيرة، حظيت هذه المشاعر بتأييد سياسيين أمثال بيتو أورورك، الديمقراطي من ولاية تكساس، والذي قال، خلال ملف ترشحه للرئاسة عام 2020: “نعم”، الديمقراطيون يهدفون لمصادرة الأسلحة الهجومية الموجودة حالياً في أيدي الملاك الخاصين.
ودعا آخرون إلى منع بيع هذه الأسلحة من الآن فصاعداً. غرَّد السيناتور بيرني ساندرز عن ولاية فيرمونت، والوصيف في الانتخابات التمهيدية الرئاسية للحزب الديمقراطي عام 2020، الأسبوع الماضي قائلاً: “لا يجب أن يهم كم عمرك. لا أحد يحتاج إلى بندقية AR-15 أو أي سلاح هجومي آخر مُصمَّم لقتل الناس. حين كان لدينا حظر على الأسلحة الهجومية من 1994-2004، تراجعت حوادث إطلاق النار الجماعي 43%. وبعد انتهاء الحظر، تضاعفت حوادث إطلاق النار الجماعية 3 مرات. أنهوا المماطلة التشريعية. احظروا الأسلحة الهجومية”.
عيد الاستقلال بأمريكا
لكن بعد 18 عاماً من انتهاء حظر الأسلحة الهجومية، هنالك الآن توافق متنامٍ بين نشطاء مكافحة السلاح الجادين على أنَّ محاولة سحب الأسلحة الحالية من أيدي مُلَّاكها الخاصين أصبح غير واقعي تماماً، بالنظر إلى تخمة الأسلحة النارية، بما في ذلك الأسلحة الهجومية في أمريكا.
قال الناشط في مجال مكافحة السلاح توم ماوسر، والذي قُتِلَ ابنه في هجوم كولومبين، لصحيفة The Independent البريطانية، خلال مقابلة جرت مؤخراً: “لا يمكنك فعل ذلك، أن تصادر 12-15 مليون سلاح هجومي. هذا سخيف”.
وعلى الرغم من التاريخ التشريعي الناجح للحظر، أدَّى نطاق ملكية الأسلحة الهجومية في أمريكا والمقاومة من جانب داعمي حقوق السلاح في الكونغرس قد قضيا تقريباً على احتمال حظر الأسلحة الهجومية بصورة فورية.
وحتى الجهود الرامية لرفع سن أهلية امتلاك الأسلحة الهجومية من 18 إلى 21 عاماً تُقابَل بتشكك، على الرغم من الأدلة الواضحة على أنَّ الغالبية العظمى من المشتبهين بإطلاق النار في المدارس هم دون هذا الحد السني.
وتتعرَّض تلك الحملة الرامية لكبح ملكية الأسلحة الهجومية باستمرار لسهام النقد من اليمين المحافظ الأمريكي، الذي تكاتف في الأيام التي تلت حادثي إطلاق النار في أوفالدي وبافالو ضد مضي أي صورة من صور تنظيم ملكية السلاح قدماً.
كان أحد أشد المعارضين لهذه الإجراءات في الأيام الأخيرة، وعلى نحو متوقع، هو تاكر كارلسون، الإعلامي بشبكة Fox News، والذي شكَّك في أنَّ بندقية AR-15 هي “سلاح حرب”، على الرغم من بيع مصنِّعي الأسلحة النارية، بما في ذلك شركة Daniel Defense، نسخاً آلية من البندقية لجيوش وقوات شرطة حول العالم.
والتصميم نفسه هو نسخة شبه آلية قريبة مبنية على الطراز الآلي تماماً M16، التي تستخدمها قوات الجيش على نطاق واسع، وهو في الواقع ليس مُصمَّماً ليكون بندقية صيد مثلما يجادل الكثير من عشاق الرماية منذ زمن طويل.
هل الجمهوريون فقط أنصار حيازة السلاح؟
وقال كارلسون خلال بث برنامجه الحواري مساء الثلاثاء، 31 مايو/أيار: “الديمقراطيون وجو بايدن وأنصارهم في الإعلام يتحدثون عن حظر بندقية AR-15 التي تُسمَّى “سلاح حرب”، والتي لا يستخدمها في الحقيقة أي جيش”، متناسياً حقيقة أنَّ الاستخدام واسع النطاق لبندقية AR-15 بين الجيوش حين صُمِّمَت باعتبارها سلاحاً آلياً كاملاً، وكذلك حقيقة أنَّ التطوير الأصلي للسلاح قد سُوِّقَ بالفعل للجيش الأمريكي، باعتباره بديلاً أخفَّ لبندقية M16.
وعلى الرغم من الأكاذيب التي ينشرها أنصار حقوق السلاح بشأن البندقية واستخدامها مؤخراً في حوادث عنف سلاح كبرى، يبدو أنَّ لدى التيار الرئيس في الحزب الديمقراطي، بما في ذلك جو بايدن، رغبة للسعي لفرض حظر على السلاح.
ودعا قادة بالحزب، بينهم تشاك شومر، أنصارهم للمشاركة في الانتخابات في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، على أمل مباشرة تشريعات أقوى في ظل اجتماع مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين الجمهوري والديمقراطي خلال عطلة يونيو/حزيران التشريعية، لمناقشة القوانين المثيرة للقلقن وتشريعات أخرى وسط.
لكنَّ الحزب الديمقراطي فشل في إحراز تقدم بشأن المسألة في آخر مرة كان لديه فيها سيطرة واضحة على مجلس الشيوخ كذلك، بما في ذلك في بداية رئاسة أوباما، حين كان الحزب يتمتع بأغلبية تُمكِّنه من تجاوز آلية المماطلة التشريعية في مجلس الشيوخ، ومع ذلك فشل في تمرير تشريع يتعامل مع عنف السلاح.
والآن مع بدء تجاوز حادثي أوفالدي وبافالو بالفعل في التلاشي وتحولهما إلى ذكرى، يبقى أن نرى ما إن كان أي تشريع فيدرالي يتعامل مع عنف السلاح سيشق طريقه إلى مكتب الرئيس على الإطلاق، ويبدو أحد المساعي للتعامل جدياً مع الحضور الدائم لبندقية AR-15 في حوادث إطلاق النار الجماعية بعيداً أكثر من أي وقتٍ مضى.
طرح الرئيس جو بايدن، في بيانٍ صدر في وقتٍ سابق هذا الأسبوع، رأيه الفلسفي ضد الأسلحة، بعد العودة من مسرح المذبحة المروعة في مدرسة ابتدائية بتكساس.
فقال الرئيس: “ليس منطقياً أن تكون قادراً على شراء شيء يمكنه إطلاق ما يصل إلى 600 طلقة. إنَّ فكرة هذه الأسلحة ذات العيار العالي، ببساطة لا يوجد أساس عقلاني لها من حيث ما يتعلَّق بـ… حماية الذات والصيد”.
المصدر: عربي بوست