من تقتل العقوبات الأوروبية الجديدة: روسيا أم أوروبا؟
السياسية:
وافق المجلس الأوروبي على حظر أوروبا للنفط الروسي حتى نهاية العام، مع استثناء مؤقت لخط أنابيب “دروجبا”، الذي يمد هنغاريا وسلوفاكيا والتشيك بالنفط.
وكنموذج على الجنون والعدوانية الشديدة من جانب أوروبا، تجدر الإشارة إلى أن تلك الحزمة السادسة نفسها تفرض عقوبات على رئيس الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، بطريرك موسكو وعموم روسيا كيريل، لكن تلك ليست قضيتنا الآن.
لم يكن انهيار الاتحاد السوفيتي في وقت من الأوقات بسبب الموازنة العسكرية المتضخمة، أو بسبب الحرب في أفغانستان، وإنما كان بسبب محاولته تجسيد المدينة الفاضلة، وفرض التغيير على الواقع من أجل أن يتوافق مع الأفكار المثالية بشأن الاقتصاد والمجتمع. لذلك كان مصيره الطبيعي هو الفشل.
هذا بالضبط ما يفعله الغرب وخاصة أوروبا الآن، بينما يحاولون بناء مدينة فاضلة وتجسيد الوهم من خلال اختراع ألف جنس وجنس للبشر، والفرض القسري لأجندات وقيم انتحارية لمجتمع المثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية، وما يسمى بـ “الطاقة الخضراء”، التي لا تحقق فعالية في ظل المستوى التكنولوجي الحالي، وأخيرا العقوبات المفروضة على روسيا، التي لا تصل إلى أهدافها، وتضر بأوروبا أكثر أو على أقل تقدير ليس أقل مما تضر بروسيا.
لقد وقع الغرب في خطيئة الكبر، فهو يعتقد أنه يستطيع كل شيء، وإذا لم يتطابق الواقع مع ما يتوهم، أصبح يسعى بتغيير الواقع، وليس التخلي عن الأوهام.
قبل أيام قليلة، اقترح الشريك في ملكية شركة النفط الروسية العملاقة “لوك أويل”، ليونيد فيدون، خفض صادرات النفط الروسية بمقدار الثلث، وهو ما سيكون كافيا للاستهلاك المحلي وتدفق العملات الأجنبية بالحجم المطلوب. وفي رأيه يمكنه القيام بذلك بدون ألم بالنسبة لروسيا.
بطبيعة الحال، ستؤدي هذه الخطوة إلى زيادة كبيرة في أسعار الطاقة العالمية، وستوجه ضربة قوية للغرب، الذي بدأ اقتصاده بالفعل في الانزلاق إلى الركود.
هذا هو ما ينتظره أيضا المجتمع الروسي وأنصاره في جميع أنحاء العالم من بوتين، حينما تستخدم روسيا أخيرا أوراقها الرابحة وتدفع باقتصاد الغرب نحو الهاوية، وتقطع إمدادات جميع الموارد الرئيسية التي يستحيل فيها استبدال روسيا.
وتبدو الخلفية الاقتصادية للضربة الانتقامية الروسية مواتية للغاية، وتتمثل في تجاوز معدل التضخم بالولايات المتحدة الأمريكية 8% بشكل مطرد، واقتراب التضخم في أوروبا من المستويات الأمريكية، وتجاوزها قريبا. كذلك انخفاض الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي في الربع الأول من هذا العام بنسبة 1.4%، وفي أوروبا إلى ما يقرب من الصفر.
علاوة على ذلك، فبفضل الحملة التي أطلقها الغرب للتخلي عن الطاقة الأحفورية، تخشى الآن شركات النفط والغاز الاستثمار في زيادة إنتاج الطاقة، لأن هذه الاستثمارات قد لا تؤتي ثمارها. وللسبب نفسه، لا يرغب مصدرو النفط والغاز أيضا في التورط مع أوروبا وإعادة توجيه إمداداتهم بشكل عاجل من آسيا إلى أوروبا لمساعدتها في التخلي بشكل عاجل عن مصادر الطاقة الروسية. ونرى أنه على الرغم من ارتفاع أسعار النفط، إلا أن الاستثمارات في إنتاجه لا تنمو. وفي المستقبل المنظور سترتفع أسعار النفط، وإذا ما خفضت روسيا إمداداتها، فسوف تحلق الأسعار إلى عنان السماء…
ومع ذلك، لا زال بوتين يمتنع عن اتخاذ مثل هذه الإجراءات. ربما يعود ذلك لرغبته في استبعاد أي ضرر لروسيا من العقوبات المتبادلة ذات الحدين. أو ربما كي يجعل العدو يسترخي فلا يستعد لضربه في أقصى لحظاته هشاشة، في الخريف أو الشتاء المقبلين. إلا أنه لا بد من الاعتراف أن مثل هذه النعومة تثير المزيد والمزيد من الوقاحة من جانب الغرب. ولكن، من ناحية أخرى، يضر الغرب بنفسه أكثر فأكثر، من خلال تبني عقوبات جديدة.
لقد قررت أوروبا فرض حظر نفطي على نفسها، بينما يستند الغرب بشكل متزايد إلى أوهامه ودعايته الخاصة، فيتخذ أكثر القرارات أهمية، متوهما أنه قادر على كل شيء. فلا زالت الحكومات الغربية تعتقد أن التضخم مؤقت، وأن أنصاف الإجراءات المتخذة من الممكن احتوائها، بل إنهم يعتقدون أن هناك ديكتاتورية في روسيا، وإذا ما انخفض مستوى معيشة الروس، فسوف ينتفضون ضد بوتين. كل هذا يؤدي إلى نتائج متوقعة للمراقبين الخارجيين، لكنها نتائج مفاجئة، وكارثية للأوروبيين أنفسهم.
أعتقد أنه في الخريف والشتاء، سوف نشهد أزمة غذاء وطاقة في جميع أنحاء العالم ناجمة عن العقوبات الاقتصادية الغربية ضد روسيا. وعلى هذه الخلفية، فإن تسارع التضخم العالمي أمر لا مفر منه، ما سيؤدي مع الوقت إلى أزمة بين شمال وجنوب أوروبا، فيما يتعلق بالسياسة المالية للبنك المركزي الأوروبي، على وجه الخصوص، بشأن مسألة الاستمرار في طباعة النقود غير المغطاة. أعتقد أن هذا قد يتسبب في انهيار الاتحاد الأوروبي.
من جانبها، أعادت روسيا توجيه صادراتها النفطية جزئيا إلى الهند والصين، وأعتقد أن الحزمة السادسة من العقوبات لن يكون لها تأثير سلبي كبير عليها.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف
المصدر: روسيا اليوم ـ المادة الصحفية تعبر فقط عن رأي الكاتب