السياسية:

دخل الهجوم الروسي على أوكرانيا شهره الرابع دون مؤشرات على نهاية وشيكة للصراع الدموي، فأين وصلت القوات الروسية في حملتها للسيطرة على إقليم دونباس؟

الانفصاليون في جمهورية دونيتسك الشعبية المعلنة من جانب واحد أعلنوا الجمعة 27 مايو/أيار أنهم بسطوا سيطرتهم الكاملة على بلدة ليمان الاستراتيجية في شرق أوكرانيا، بعد أيام من القتال الشرس بين القوات الروسية أجبر القوات الأوكرانية على الانسحاب وترك المدينة، بحسب رويترز.

كان الهجوم الروسي على أوكرانيا، الذي تصفه موسكو بأنه عملية عسكرية خاصة بينما يصفه الغرب بأنه غزو، قد بدأ 24 فبراير/شباط الماضي واستمر على كامل الأراضي والمدن الأوكرانية حتى أواخر أبريل/نيسان عندما أعلنت موسكو انتهاء المرحلة الأولى من الهجوم وسحبت قواتها من غرب أوكرانيا وركزت عملياتها العسكرية في شرق وجنوب البلاد.

ماذا يقول الغرب عن الأوضاع في دونباس؟
قال مسؤول أوكراني الخميس 26 مايو/أيار إن القوات الروسية المتقدمة اقتربت من تطويق القوات الأوكرانية في الشرق، واستولت لفترة وجيزة على مواقع على الطريق السريع الأخير للخروج من اثنتين من المدن المهمة التي تسيطر عليها أوكرانيا قبل دحرها، بحسب رويترز.

وعلى الرغم من أن معرفة حقيقة ما يجري على الأرض في تلك الحرب أصبح مهمة صعبة في ظل المبالغات في البيانات العسكرية من الطرفين وصعوبة التحقق من مصادر مستقلة، فلم تعد هناك مصادر يمكن أن توصف بالمستقلة حقاً منذ اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا بالفعل.

إذ إن الأزمة الأوكرانية في الأصل أزمة جيوسياسية طرفاها روسيا وحلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، حيث ترى موسكو في سعي حكومة كييف برئاسة فولوديمير زيلينسكي الانضمام للحلف العسكري الغربي؛ تهديداً لأمنها القومي. وطلب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من نظيره الأمريكي جو بايدن ضمانات أمنية بأن أوكرانيا لن تنضم لحلف الناتو، بناءً على وعد يرجع تاريخه لنحو ثلاثة عقود قدمته واشنطن لموسكو بأن الحلف الغربي لن يتوسع شرقاً بوصة واحدة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.

ومنذ اللحظة الأولى لاندلاع الحرب، كان واضحاً أن الغرب بقيادة الولايات المتحدة لن يدخروا وسعاً في تقديم كل أشكال الدعم لأوكرانيا كي تصمد لأطول وقت ممكن أمام الدب الروسي، وجزء رئيسي من هذا الدعم يتمثل في الحرب النفسية ومحاصرة وسائل الإعلام الروسية للانفراد بالتأثير في الرأي العام العالمي.

أوكرانيا أمريكا أنظمة صاروخية روسيا

لكن الواضح أن القوات الروسية تحقق بالفعل تقدماً ملحوظاً في إطار سعيها للسيطرة على إقليم دونباس بالكامل، وذلك بعد أن حسمت السيطرة على مدينة ماريوبول الساحلية الاستراتيجية، بعد استسلام آخر أعضاء ميليشيات آزوف التي كانت متمركزة في مجمع أزوفستال الصناعي في المدينة.

ورصد تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC ما يتعرض له الجيش الأوكراني هذه الأيام من ضغوط متزايدة أكثر من أي وقت مضى منذ الأسابيع الأولى للهجوم الروسي، ووصف التقرير معركة لوغانسيك بأنها قد أصبحت “خاسرة”، بينما يحشد الروس قواتهم استعداداً لمعركة أخرى في الإقليم.

هل اقتربت روسيا من حسم الأمور إذاً؟
تُقدّر مساحة إقليم دونباس إجمالاً بنحو 52.3 ألف كيلومتر مربع، وكان الانفصاليون في جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك يسيطرون، قبل بداية الهجوم الروسي، على نحو ثلث مساحة الإقليم فقط، بينما تسيطر القوات الأوكرانية على الثلثين الباقيين، وكان الطرفان يتواجهان على طول خط التَّماس داخل الإقليم، الذي كان يمثل خط وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه عام 2015 على أساس اتفاقيات مينسك.

وكان الرئيس الروسي بوتين قد وقَّع مساء الإثنين، 21 فبراير/شباط، مرسوماً يعترف باستقلال المنطقتين الانفصاليتين ووقَّع اتفاقيات تعاون وصداقة مع زعيمي المنطقتين المدعومتين من روسيا، جمهورية دونيتسك الشعبية، وجمهورية لوغانسك الشعبية.

وفي الأيام الأخيرة، كثف الروس هجماتهم عبر خط جبهة دونباس واقتربوا من استكمال تطويق سيفيرودونتسك. وتهاجم آلاف القوات الروسية في دونباس من ثلاث جهات، في محاولة لتطويق القوات الأوكرانية في سيفيرودونيتسك وليسيتشانسك. وإذا سقطت المدينتان اللتان تقعان على ضفتي نهر سيفيرسكي دونيتس، فستكون منطقة لوجانسك في إقليم دونباس سقطت بالكامل تقريباً في أيدي الروس.

وقال الجنرال أوليكسي جروموف نائب رئيس قسم العمليات الرئيسية في هيئة الأركان العامة الأوكرانية: “لدى روسيا أفضلية، لكننا نفعل كل ما في وسعنا”.

أوكرانيا روسيا أمريكا أنظمة صاروخية

وأوضح حاكم لوغانسك سيرهي جايداي أن حوالي 50 جندياً روسياً وصلوا إلى الطريق السريع “وتمكنوا من الحصول على موطئ قدم”، لدرجة إقامة نقطة تفتيش.

وقال في مقابلة نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي: “تم كسر حاجز التفتيش وإبعادهم.. الجيش الروسي لا يسيطر على الطريق الآن لكنه يقصفه”. مضيفاً أنه من الممكن أن تترك القوات الأوكرانية “بلدة واحدة، وربما اثنتين. نحن بحاجة إلى كسب الحرب وليس المعركة”.

وتابع جايداي: “من الواضح أن أولادنا يتراجعون ببطء إلى مواقع أكثر تحصيناً، نحن بحاجة إلى صد هذا الحشد”. ويرى المحللون العسكريون الغربيون أن معركة المدينتين هي نقطة تحول محتملة في الحرب، وذلك بعد أن أعادت روسيا تحديد هدفها الرئيسي من الحرب وهو الاستيلاء على الشرق.

اعتراف أوكراني بالتقدم الروسي
شاهد صحفيو رويترز في الأراضي الواقعة جنوباً والتي تسيطر عليها روسيا دليلاً على تقدم موسكو في سفيتلودارسك، حيث انسحبت القوات الأوكرانية في وقت سابق من الأسبوع الحالي.

وأصبحت المدينة الآن تحت سيطرة المقاتلين المتحالفين مع روسيا، والذين احتلوا مبنى الحكومة المحلية وعلقوا شعار المطرقة والمنجل عند الباب.

أظهرت لقطات فيديو صورتها رويترز بطائرة مُسيرة لساحة معركة مهجورة قريبة حفرة ضخمة في حقل أخضر تحيط به مبانٍ محطمة. وكان المقاتلون المتحالفون مع روسيا يتجولون في الخنادق.

تأتي المكاسب الروسية الأخيرة في دونباس بعد استسلام المقاتلين الأوكرانيين في ماريوبول الأسبوع الماضي، وتشير إلى تحول في موازين القوى بعد أسابيع من تقدم القوات الأوكرانية بالقرب من خاركيف في الشمال الشرقي.

وقال المحلل الدفاعي مايكل كوفمان مدير الدراسات الروسية في مركز أبحاث (سي.إن.ايه) ومقره الولايات المتحدة: “المكاسب الروسية الأخيرة تقدم إشارة واقعية للتوقعات في المدى القريب”.

النفط الروسي
العقوبات الأوروبية كانت تستهدف إضعاف القدرة الاقتصادية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين وتمويل الحرب في أوكرانيا- رويترز
وأضاف لرويترز أن القوات الروسية اخترقت الخطوط الأوكرانية في بوباسنا جنوبي سيفيرودونيتسك، وتهدد بتطويق القوات الأوكرانية.

وصرح مستشار وزارة الداخلية الأوكرانية فاديم دنيسينكو في إفادة بأن 25 كتيبة روسية تحاول محاصرة القوات الأوكرانية. وطالب قائد القوات المسلحة الأوكرانية فاليري زالوجني على تطبيق تليغرام بمزيد من الأسلحة الغربية، لا سيما “الأسلحة التي ستسمح لنا بضرب العدو من مسافة بعيدة”.

وزير الخارجية الأوكراني دميتري كوليبا قال الخميس 26 مايو/أيار إن الوضع العسكري في شرق أوكرانيا أسوأ مما يصفه الناس وإن البلاد تحتاج إلى أسلحة ثقيلة الآن لقتال روسيا، وأضاف كوليبا، الذي شارك في جلسة أسئلة وأجوبة مباشرة مع مستخدمي تويتر، أن محادثات السلام مع روسيا لم تعقد بشكل فعلي.

لكن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف حذر في وقت لاحق من أن أي إمدادات أسلحة يمكن أن تصل إلى الأراضي الروسية ستكون “خطوة خطيرة نحو تصعيد غير مقبول”.

روسيا تستعيد زمام الأمور في خاركيف
قبل أسابيع قليلة، كانت القوات الأوكرانية هي التي تتقدم، ودفعت القوات الروسية للتراجع من ضواحي خاركيف باتجاه الحدود الروسية. لكن يبدو أن موسكو أوقفت انسحابها هناك، واحتفظت بقطاع من الأراضي على طول الحدود ومنعت القوات الأوكرانية من قطع خطوط الإمداد الروسية التي تمتد من شرق المدينة إلى دونباس، بحسب تقرير لرويترز.

وقالت السلطات المحلية إن قصفاً روسياً أودى بحياة سبعة مدنيين على الأقل وتسبب في إصابة 17 آخرين في خاركيف، فيما توغلت القوات الروسية وحافظت على سيطرتها على مواقع في القرى الواقعة في الشمال.

مارينا كارابيروفا، التي يبلغ عمرها 38 عاماً- بينما سمع دوي انفجار في مكان قريب- قالت لرويترز: “دوي القصف مرتفع هنا لكننا في ديارنا على الأقل”.

وعادت كارابيروفا إلى خاركيف بعد فرارها إلى بولندا وألمانيا في وقت سابق من الحرب. وأضافت قائلة: “يمكن أن يحدث في أي وقت في الليل أو في أثناء النهار.. هذه هي الحياة هنا”.

ولم تعلق روسيا حتى الآن على الوضع في خاركيف. ونفت موسكو استهداف المدنيين في “عمليتها العسكرية الخاصة” في أوكرانيا. وتم دعم تقدم القوات الروسية في دونباس بقصف مدفعي مكثف. وقالت القوات المسلحة الأوكرانية إن أكثر من 40 بلدة في المنطقة تعرضت للقصف؛ مما أدى إلى تدمير 47 موقعاً مدنياً ووقوع أضرار بها، بما يشمل 38 منزلاً ومدرسة واحدة.

الخلاصة هنا أن الواضح حتى الآن هو أن القوات الروسية أحرزت تقدماً لافتاً على الأرض في إقليم دونباس وربما تكون في طريقها لحسم السيطرة عليه بالفعل، وهو ما سيمثل انتصاراً لافتاً لموسكو، فهل تزوّد واشنطن كييف بأسلحة بعيدة المدى كي تصمد فترة أطول؟ وهل يمكن أن ينجح ذلك؟ وما مدى خطورة التصعيد “غير المقبول” بحسب موسكو؟ إجابات هذه الأسئلة قد لا تنتظر طويلاً حتى تكشف عن نفسها من خلال الأخبار القادمة من ميدان القتال في دونباس.

المصدر: عربي بوست