لماذا تراجعت الهند عن تصدير القمح بعدما وعدت العالم بذلك؟
السياسية:
قبل شهر، عندما دفعت الحرب الروسية في أوكرانيا العالم إلى حافة أزمة غذاء، عرض رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي مساعدة البلدان التي تواجه نقصاً لكن سرعان ما تراجع عن هذه الخطوة، فماذا حدث حتى نكص رئيس الحكومة الهندي على عقبيه؟
بعد نحو شهر ونصف من إطلاق بوتين حملته العسكرية على أوكرانيا قال مودي: “لدينا بالفعل ما يكفي من الغذاء لشعبنا، لكن يبدو أنَّ مزارعينا اتخذوا ترتيبات لإطعام العالم. نحن مستعدون لإرسال الإغاثة من الغد”، كما يذكر تقرير لشبكة CNN الأمريكية.
وكانت الهند، ثاني أكبر مُنتِج للقمح في العالم بعد الصين، قد بدأت بالفعل في تنفيذ وعودها. ففي الأشهر الاثني عشر حتى مارس/آذار، استفادت الهند من ارتفاع الأسعار العالمية، وصدرت رقماً قياسياً يبلغ 7 ملايين طن متري من الحبوب. كان ذلك أعلى بنسبة 250% عن كمية التصدير في العام السابق. وحددت أيضاً أهدافاً قياسية للتصدير للعام المقبل.
لكن الآن، تخلت الهند عن هذه الأهداف السامية وحظرت صادرات القمح، بينما أدت موجات الحر التي تهدد الحياة في جنوب آسيا إلى إعاقة الإنتاج ودفع الأسعار المحلية إلى مستويات قياسية، فما الذي حدث؟
وصدمت هذه الخطوة الأسواق الدولية، يوم الإثنين 16 مايو/أيار، خصوصاً أنها جاءت بعد أيام فقط من طمأنة الهند للعالم بأنَّ موجة الحر غير المسبوقة لن تؤثر في خططها التصديرية. وارتفعت أسعار القمح العالمية بنسبة 6%، وهو أعلى سعر في شهرين. وتراجعت العقود الآجلة للقمح عالمياً، يوم الثلاثاء 17 مايو/أيار، قليلاً لكنها لا تزال مرتفعة بنسبة 50% تقريباً منذ بدء الحرب.
وبرغم أنَّ الهند منتج ضخم للقمح -من المتوقع أن تنتج البلاد أكثر من 100 مليون طن متري حتى في العام الحالي- تُستخدَم معظم الحبوب لإطعام سكانها البالغ عددهم 1.3 مليار نسمة.
لكن القلق الذي أثاره حظر التصدير يُبرِز هشاشة الإمدادات الغذائية العالمية.
كيف وصلنا إلى هذا الحد؟
قال البنك الدولي الشهر الماضي إنَّ الهجوم الروسي لأوكرانيا ساهم في حدوث صدمة تاريخية لأسواق السلع الأساسية ستبقي الأسعار العالمية مرتفعة حتى نهاية عام 2024. وأضافت أنَّه من المتوقع ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 22.9% هذا العام مدفوعة بزيادة 40% في أسعار القمح.
ويرجع ذلك إلى أنَّ أوكرانيا وروسيا تسهمان معاً في توفير نحو 14% من إنتاج القمح العالمي، ونحو 29% من إجمالي صادرات القمح. وتعطلت شحنات حيوية من الصادرات الزراعية، بما في ذلك ما يقدر بنحو 20 مليون طن من الحبوب، في أوكرانيا لأنَّ أوديسا وموانئها الأخرى على البحر الأسود محاصرة من القوات الروسية.
لكن الوضع الغذائي كان مضطرباً حتى قبل بدء القتال في أوروبا. فقد أدى اختناق سلاسل التوريد وأنماط الطقس التي لا يمكن التنبؤ بها -التي تعود في الغالب لتغير المناخ- إلى دفع أسعار الغذاء إلى أعلى مستوى لها منذ حوالي عقد من الزمان. إضافة إلى أنَّ القدرة على تحمل تكاليف الغذاء صارت مشكلة بعد أن ترك الوباء الملايين عاطلين عن العمل.
وقال برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في مارس/آذار إنَّ عدد الأشخاص على حافة المجاعة قفز إلى 44 مليوناً من 27 مليوناً في عام 2019.
بعد وعد مودي، كانت العديد من الدول الضعيفة تعتمد على الإمدادات من الهند.
قال أوسكار تجاكرا، كبير محللي الحبوب والبذور الزيتية في شركة Rabobank للخدمات المالية، لشبكة CNN، إنَّ “صادرات القمح الهندي لها أهمية خاصة هذا العام على خلفية الأزمة الروسية- الأوكرانية”.
وحذر من أنَّ “الحظر سيقلل من توافر القمح العالمي للتصدير في عام 2022 وسيوفر الدعم لأسعار القمح العالمية”.
وقوبل التحول في سياسة نيودلهي بشأن القمح بالفعل بانتقادات من أعضاء مجموعة السبع، وهي منظمة تضم بعض أكبر الاقتصادات في العالم.
سياسة للحماية من رفع أسعار الغذاء
استجابت الهند بالقول إنَّ القيود ضرورية لأمنها الغذائي وللحفاظ على الأسعار تحت السيطرة. وقد بلغ معدل التضخم السنوي في ثالث أكبر اقتصاد في آسيا أعلى مستوى له في نحو ثماني سنوات في أبريل/نيسان، وهو تطور يقول بعض التجار إنه ما أدى إلى حظر الصادرات.
بدورها، قالت الحكومة إنَّ القيود لا تنطبق “في الحالات التي يكون فيها التجار من القطاع الخاص قد تعهدوا بالتزامات مسبقة”، وكذلك على البلدان التي تطلب الإمدادات “لتلبية احتياجات الأمن الغذائي”.
ووفقاً للمحلل الكبير تجاكرا، يجب اعتبار هذه الاستثناءات “أخباراً جيدة”، لكنها تجعل من الصعب تقييم تأثير الحظر على التجارة العالمية.
وأضاف أنَّ “شدة تأثير” الحظر “ستظل تعتمد على حجم صادرات القمح الهندية التي لا تزال مسموحاً بها على المستوى الحكومي وحجم إنتاج القمح من منتجي القمح العالميين الآخرين”.
يقول بعض المحللين في الهند إنَّ السماح بالصادرات دون قيود فكرة سيئة في المقام الأول.
وصرّح ديفيندر شارما، خبير السياسة الزراعية في الهند، لشبكة CNN: “لا نعرف ماذا سيحدث للمناخ في الهند”.
وأضاف شارما أنه في حال دمرت الأحوال الجوية غير المتوقعة المحاصيل، فقد ينقص الطعام في الهند، مما سيتركها “واقفة تتسول الغذاء”.
والهند ليست الدولة الوحيدة التي تركز على الوضع الداخلي، وتضع قيوداً على الصادرات الزراعية.
ففي أبريل/نيسان، بدأت إندونيسيا في تقييد صادرات زيت النخيل، وهو مكون شائع موجود في العديد من المواد الغذائية ومستحضرات التجميل والأدوات المنزلية في العالم. وهي أكبر منتج لزيت النخيل في العالم.
وقبل شهر واحد فقط، حظرت مصر تصدير المواد الغذائية الأساسية؛ مثل القمح والدقيق والعدس والفول، وسط مخاوف متزايدة بشأن احتياطيات الغذاء في أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان.
المصدر: عربي بوست