السياسية:

دفع الهجوم الروسي على أوكرانيا بعض الدول الأوروبية إلى إعادة التفكير في كيفية الدفاع عن نفسها، وعلى رأسها السويد، التي زادت بسرعة من إنفاقها العسكري على مدار العقد الماضي، وهي تعيد الآن تقييم علاقتها مع حلف شمال الأطلسي (الناتو).

سفيرة السويد لدى الولايات المتحدة، كارين أولوفسدوتر، قالت لموقع Business Insider، يوم الأربعاء 4 مايو/أيار: إنَّ الأمن الأوروبي يتدهور منذ بعض الوقت، مشيرة إلى حرب روسيا مع جورجيا في عام 2008، والاستيلاء على شبه جزيرة القرم في عام 2014، الذي “قلب الموازين”.

وقالت السفيرة السويدية بواشنطن: “بالطبع، استجبنا جميعاً لذلك، لكن ربما لم نرد بقوة كافية، ومهد ذلك الطريق ليظن بوتين أنَّ هذا شيء يمكنه فعله”، في إشارة إلى الهجوم الروسي المتجدد على أوكرانيا.

السويد وقصة الحياد

لم تعلن السويد الحرب رسمياً منذ عام 1814، على الرغم من تطوع السويديين في نزاعات أخرى ومشاركة جيشها في عمليات أخرى. وتخلت السويد عن حيادها طويل الأمد عندما انضمت إلى الاتحاد الأوروبي في عام 1995، لكنها لا تزال غير منحازة عسكرياً، وتعمل عن قرب مع الناتو، لكنها لم تنضم للحلف أبداً.

راقبت السويد وجيرانها النشاط العسكري الروسي بقلق في السنوات الأخيرة، لا سيما في القطب الشمالي، حيث أضافت موسكو قوات، واختبرت أسلحة جديدة، وأنشأت أو جددت القواعد.

منذ عام 2014، زادت ستوكهولم من استثماراتها في جيشها، وشراء الطائرات والسفن الجديدة والأسلحة الأخرى؛ مثل صواريخ باتريوت للدفاع الجوي الأمريكية، بالإضافة إلى توسيع التجنيد والتأكيد على الحرب السيبرانية والنفسية.

لم تنمُ تلك الاستثمارات المخططة إلا بعد هجوم روسيا المتجدد على أوكرانيا. صرحت أولوفسدوتر، يوم الأربعاء 4 مايو/أيار: “كانت لدينا خطة لزيادة إنفاقنا الدفاعي بنسبة 85% من 2014 إلى 2025، والآن اتخذنا للتو قراراً” بزيادة الإنفاق الدفاعي السنوي إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي.

وأعلنت ستوكهولم هدف 2% في مارس/آذار، وهي تناقش الآن مدى السرعة التي يمكن الوصول بها لهذا الهدف، على حد قول السفيرة أولوفسدوتر. وقال الجيش السويدي في أبريل/نيسان: إنَّ الإنفاق قد يصل إلى هذا المستوى في عام 2028، مع “زيادات كبيرة في القدرات” كل عام.

وأضافت أولوفسدوتر: “يُنظَر إلى الأمن اليوم نظرة مختلفة تماماً عمّا كان عليه قبل شهرين فقط. هذه هي السرعة التي تحركت بها الأمور”.

إضافة إلى ذلك، أدى هجوم روسيا إلى زيادة الدعم السويدي لعضويتها في الناتو. وفقاً لاستطلاعات الرأي الأخيرة، يدعم ما يقرب من ثلث السويديين عضوية دولتهم في الحلف في السنوات الأخيرة، لكن تصرفات موسكو رفعت هذا الدعم إلى أكثر من النصف. وتشير الاستطلاعات أيضاً إلى أنَّ الدعم سيرتفع إذا تقدمت فنلندا للعضوية.

وتابعت أولوفسدوتر أنَّ وزير خارجية السويد يقود الآن نقاشاً مع وزير الدفاع والأحزاب الثمانية الممثلة في البرلمان، من بين آخرين، حول ما ستترتب عليه عضوية الناتو. وقدّمت السفيرة تحليلاً لوجهة نظر الولايات المتحدة بشأن الأمن عبر المحيط الأطلسي في إطار تلك المحادثات. 

وقالت أولوفسدوتر: إنَّ عضوية الاتحاد الأوروبي تأتي مع ضمان أمني، لكنها ليست مثل “الضمان الدفاعي النهائي” للناتو. وأوضحت: “لهذا السبب نجري هذه المناقشة، على ما أعتقد؛ لأننا نرى أنَّ نظام الأمن الأوروبي الذي كنا نؤمن به حقاً ربما لم يكن موجوداً”.

التخلي عن الحياد

ومن المتوقع تحريك عملية تقديم السويد أو فنلندا لعضوية الناتو سريعاً؛ نظراً لعلاقات كلا البلدين بحلف شمال الأطلسي، والاستقرار السياسي والاقتصادي، والقدرات الدفاعية القوية. وأعربت أولوفسدوتر، يوم الخميس 5 مايو/أيار، أنها تأمل في الحصول على موافقة الولايات المتحدة قبل عطلة مجلس الشيوخ في أغسطس/آب، عند تقديم طلب العضوية في الأسابيع المقبلة.

ومع ذلك، يمثل أمن السويد في المدة الفاصلة بين تقديم الطلب والتصديق على عضويتها، حين تتلقى ضمان الدفاع المتبادل من الناتو، أيضاً مصدر قلق. قالت أولوفسدوتر: “سنكون، في هذه المدة، الأكثر عرضة للخطر”.

هدّدت موسكو بالانتقام في حال تقدمت السويد أو فنلندا بطلب. وبينما تقول ستوكهولم وهلسنكي: إنهما لم تشهدا تهديداً مباشراً من روسيا منذ هاجمت روسيا أوكرانيا في فبراير/شباط، اتخذت موسكو خطوات عدوانية أخرى، بما في ذلك إجراء رحلات جوية عسكرية إلى المجال الجوي للسويد وجيرانها.

وقالت أولوفسدوتر: إنَّ السويد قلقة تحديداً من التهديدات الإلكترونية أو الهجينة، مشيراً إلى الملصقات التي ظهرت في موسكو، التي تصف السويديين المشهورين بالنازيين.

في الأيام الأخيرة، قال وزير الدفاع البريطاني: إنه “من غير المعقول” ألا تدافع المملكة المتحدة عن السويد أو فنلندا إذا تعرضتا للهجوم. وقال وزير خارجية السويد: إنَّ هناك “تأكيداً أمريكياً” على توفير الدعم خلال تلك المدة الانتقالية. بدوره، قال أمين عام الناتو، ينس ستولتنبرغ: إنَّ الحلف سيزيد من وجوده حول السويد إذا تقدمت بطلب للانضمام إلى الحلف.

وكشفت أولوفسدوتر أنَّ السويد ركزت مزيداً من الاهتمام والموارد على أمنها وسط الحشد العسكري الروسي حول أوكرانيا في خريف 2021، بما في ذلك من خلال التخطيط للطوارئ بين السلطات العسكرية والمدنية؛ ما يضيف إلى الجهود المستمرة منذ سنوات للاستعداد لصراع محتمل. وعززت السويد “مفهوم الدفاع الشامل” الذي يعود لحقبة الحرب الباردة هذا العام، بعد إعادة تنشيطه في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين؛ من خلال إنشاء وكالة الدفاع النفسي.

العودة لبناء الملاجئ

وتشير الاتجاهات الدفاعية الأخرى إلى زيادة الوعي العام بالتهديد؛ فخلال الحرب الباردة، عُرِض على أولئك الذين بنوا ملاجئ في منازلهم خصومات ضريبية. وتحولت العديد من هذه الملاجئ في وقت لاحق إلى أماكن ركن سيارات و”غرف حفلات”، لكن السويديين يعيدون النظر الآن في استخدامها لغرضها الأصلي، على حد قول أولوفسدوتر.

وعلى غرار عضوية السويد في الناتو، لا يزال يتعين تحديد الشكل الذي سيبدو عليه النظام الأمني ​​لأوروبا بعد العملية العسكرية في أوكرانيا، لكن العلاقة المتوترة، غالباً مع روسيا، يبدو أنها تغيرت دون رجعة.

وعن العلاقة بين البلدين، قالت أولوفسدوتر: “أعتقد أنه يجب أن نرى أولاً ما سيحدث عندما تنتهي العملية العسكرية، وكيف ستنتهي بالنسبة للرئيس بوتين، وكيف سيبدو العالم حينها، لكن الثقة ضاعت بالتأكيد”.

*المصدر: عربي بوست