وسام أبو شمالة*

ألقى رئيس حركة حماس في قطاع غزة، يحيى السنوار، خطاباً أمام عدد من المكوّنات الوطنية والاجتماعية الفلسطينية، وأثار هذا الخطاب ردود فعل مختلفة، وأرسل رسائل في عدة اتجاهات، لا تخلو من الدلائل والإشارات المهمة، التي قد ترسم معالم المرحلة المقبلة في الصراع مع العدو الإسرائيلي.

قبل تحليل الخطاب وأبرز ما ورد فيه، تجدر الإشارة إلى أن يحيى السنوار مُقِلّ في الظهور الإعلامي؛ فمنذ تولّيه رئاسة المكتب السياسي لحركة حماس في قطاع غزة، لم يُطِلّ على شاشات الإعلام ويلقي خطاباً أو يعقد مؤتمراً أو لقاءً صحافياً إلا مرات قليلة لا تزيد على عدد أصابع اليدين، وآخر لقاء صحافي أجراه السنوار كان بعد أيام من انتهاء معركة سيف القدس، قبل نحو عام، ما يدلّل على أن قرار السنوار أن يظهر إعلامياً هو بحدّ ذاته رسالة لها معنى ولا تخلو من الدلائل، أبرزها أنه معني بتوصيل رسائل محدّدة في اتجاهات مختلفة ولأطراف متعدّدين، أبرزها:

– رسائل موجهة إلى العدو؛ من حيث التوقيت، جاء الخطاب في نهاية شهر رمضان المبارك وقبيل الذكرى السنوية الأولى لمعركة سيف القدس. وفي الاختيار، تأكيد أن انتهاء شهر رمضان لا يعني أن خطر اندلاع مواجهة مع المقاومة قد انخفض، وأن مسبّبات معركة سيف القدس ما زالت قائمة، وأن الإنذار بتجدّد اشتعال الموقف غير مرتبط بشهر رمضان فقط، بل بسلوك الاحتلال وزعران المستوطنين، ويأتي بعد الإعلان عن تنظيم اقتحام كبير لقطعان المستوطنين للمسجد الأقصى في ذكرى احتلال القدس ونكبة فلسطين. فعندما يقول السنوار إن صورة تدنيس شرطة العدو ومستوطنيه للمصلى القبلي، ويضع الصورة خلفه وهو يلقي الخطاب، ويشير بيده إلى الصورة، ثم يتوعّد بإصرار ورباطة جأش، ويهدّد العدو قائلاً: “لن نسمح بأن يتكرر هذا المشهد مهما حصل، واللي بدو يصير يصير، وما يسقط من السماء تتلقّاه الأرض”، يعني بوضوح أن قيادة المقاومة قرّرت معادلة فرض السيادة على المسجد الأقصى، وأن استباحة باحاته تعني تكرار ما حدث في سيف القدس، وربما بشكل أكثر اتساعاً.

رسالة التهديد الموجّهة إلى العدو رسالة مزدوجة، عنوانها أن الحرب المقبلة لن تقتصر على مواجهة مع المقاومة في غزة، بل ستتعدّاها إلى حرب إقليمية متعدّدة الجبهات، عنوانها حماية المسجد الأقصى من العدو الذي ينتهك حرماته. ويبدو أن السنوار يشير بذلك إلى رسالة لم يصرّح عنها في خطابه، تشير إلى مستوى التنسيق العالي بين مكوّنات محور القدس، وهو ما يقلق قادة العدو الذي بات يخشى الإرادة العالية لمهاجمته والرد على عدوانه من مكوّنات المحور.

-الرسالة الثانية موجّهة إلى محور القدس – محور المقاومة – فقد خصّ السنوار الجمهورية الإسلامية في إيران بالشكر والتقدير والثناء، بدءاً بمرشدها السيد علي خامنئي، مروراً بقادة حرس الثورة الإسلامية وقوة القدس وكل مكوّنات الدولة، قيادة وشعباً. وحيّا السنوار جموع المسلمين المحتفلين بيوم القدس العالمي، وهي التحية التي لم يتردّد السنوار في توجيهها في كل خطاباته منذ تولّيه رئاسة الحركة في غزة، حتى في ظلّ احتدام الاحتراب الداخلي في المنطقة، ما يؤكد أن المسار الذي تبنّاه ثبتت صوابيته، ويؤتي أكله. فمحور المقاومة امتدّ وتوسّع ليشمل دولاً وكيانات وازنة في المنطقة، وهو مرشّح ليشمل مكوّنات أخرى، على قاعدتي مركزية القدس والقضية الفلسطينية، ومواجهة العدو الاستراتيجي للأمة “إسرائيل”.

عكس تصريح السنوار بتدشين خط بحري مع قطاع غزة، لكسر الحصار الإسرائيلي، برعاية محور المقاومة وحمايته، النقلة النوعية في مستوى العلاقة، بمعنى أن هذا التدشين عندما يُنفَّذ، سينطلق وأصابع محور المقاومة على الزناد، وستتم مهاجمة سفن العدو التي ستعتدي على سفن كسر الحصار، ما سيؤدي إما إلى خضوع صهيوني وعدم اعتراض الخط البحري، أو الاعتداء عليه، وهو ما سيفجّر مواجهة عسكرية.

-الرسالة الثالثة التي لم يصرّح بها السنوار، لكنها قُرئت من بين عبارات الخطاب، موجّهة إلى مصر. فهو لم يقدّم لها الشكر، وأعلن عن تدشين خط بحري، قد لا يكون مُرضياً للطرف المصري، الذي يربطه بقطاع غزة معبر رفح، وتتحكم فيه السلطات المصرية، ما يعكس عدم رضا من السنوار عن عدم إيفاء النظام المصري بتعهداته، ولا سيما التي قدّمها أثناء زيارة وفد قيادة حماس للقاهرة، بعد معركة سيف القدس.

-وجّه السنوار رسالة تحذير إلى المجتمع الدولي، لم يفهمها عدد ممّن تابعوا الخطاب، وهي تحذيره من أن سلوك الاحتلال في المسجد الأقصى سيدفع باتجاه حرب إقليمية دينية، لأن مشاعر المسلمين في العالم لن تتحمّل ما يحدث من تدنيس للأقصى، وسيؤدّي إلى استهداف مصالح اليهود في العالم. لذا فهو يقول إن الحركة لن تستطيع منع حرب على أسس دينية لا ترغب بها، وعلى المجتمع الدولي أن يُنقذ الموقف ويُجبر حكومة العدو على التراجع عن خططها في فرض التقسيم الزماني والمكاني في الأقصى، فهي رسالة تحذير يجب أن يلتقطها المجتمع الدولي قبل فوات الأوان.

-أخيراً، أكد السنوار، في رسالة فلسطينية داخلية، أن مساراً وطنياً جديداً بدأ، وسينتهي بتشكيل جبهة مقاومة وطنية، وذلك بعد فشل مسار الحوار مع رئيس السلطة أبو مازن، نتيجة إلغائه للانتخابات العامة. وعليه، ستقوم الحركة وفصائل فلسطينية وازنة بالبناء على ما أنجز من شراكة وطنية وميدانية، مثل الغرفة العسكرية المشتركة والهيئة الوطنية لمسيرات العودة، للانتقال إلى تشكيل جسم وطني يواجه حالة التفرّد والإقصاء، ويتبنّى برنامجاً واستراتيجية وطنية لمواجهة الاحتلال، على قاعدة المقاومة الشاملة، محاولاً استرجاع خط الكفاح المسلّح لدى حركة فتح، عبر توجيه نداء إلى كتائب شهداء الأقصى، وتسمية الرشقة الأولى في المعركة المقبلة باسم الشهيد ياسر عرفات، أبو عمار، وعددها 1111 صاروخاً.

ورسالته الموجّهة إلى أبناء الداخل الفلسطيني المحتل تعكس موقعهم الاستراتيجي في معادلة الصراع، بعد أن صنّف وزنهم بما يفوق وزن المقاومة في غزة. ولم يوارب السنوار، كعادته، وشنّ هجوماً لاذعاً على منصور عباس، العضو المحسوب على الحركة الإسلامية، نتيجة إعطاء حزبه غطاءً لحكومة بينيت، وما أراد قوله السنوار هو أن المواقف الوطنية والقومية هي المعيار في العلاقة، لا الانتماء والمرجعيات والأيديولوجيات، فلن يشفع لمنصور انتماؤه إلى حركة إسلامية في أن يقوم بتجاوز الخطوط الحمر.

ألقى السنوار خطابه، وترك وراءه عشرات التحليلات والمواقف والتساؤلات، وأرسل رسائل عديدة، أكثر من يعرف وزنها هو العدو، الذي أيقن منذ سيف القدس أن قيادة المقاومة لا تلقي القول جزافاً.

* المصدر :الميادين نت

* المادة التحليلية تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع