لماذا تعد جولة الإعادة بين ماكرون ولوبان السيناريو الأسوأ للمهاجرين من بلاد المغرب العربي؟
السياسية:
كما هو الحال مع كل انتخابات رئاسية فرنسية، يتابع المغاربيّون، ثاني أكبر جالية أجنبية غير أوروبية في فرنسا بعدد يبلغ نحو 750 ألفاً، عن قرب نتائج الجولة الأولى، التي تُتوَّج بمواجهة ثنائية في 24 أبريل/نيسان 2022 بين شاغل المنصب إيمانويل ماكرون (في المقدمة بنسبة 27.6% من الأصوات) ومارين لوبان (23.4% من الأصوات). لكن لماذا تمثل جولة الإعادة هذه السيناريو الأسوأ لهؤلاء المهاجرين من بلاد المغرب العربي؟
ما بين تشدد ماكرون وتطرف لوبان
إنَّ قرار ماكرون بتشديد السياسة الفرنسية لإصدار التأشيرات لمواطني المغرب والجزائر وتونس في سبتمبر/أيلول 2021 للضغط على دول الساحل الجنوبي للبحر المتوسط لاستعادة رعاياها الذين يقيمون بطريقة غير قانونية في فرنسا، لا شك له علاقة قوية بكل هذا الاهتمام من سكان شمال إفريقيا بالانتخابات الرئاسية الفرنسية.
وتتفق أمينة، 29 عاماً من الرباط، التي كانت تحصل دائماً على تأشيرات سياحية دون أية صعوبة حتى سبتمبر/أيلول الماضي، أنَّ سياسة الهجرة الفرنسية “قضية حاسمة” في المغرب. وقالت لموقع Middle East Eye البريطاني: “لقد رُفضت مؤخراً تأشيرة دخولي، على الرغم من أنَّ أوراقي كانت مضبوطة”.
مردفة: “ليس لدي انطباع بأنَّ ماكرون سيكون مختلفاً تماماً عن لوبان في هذه النتيجة”، مشيرة إلى أنها علّقت آمالها على ترشيح المرشح اليساري جان لوك ميلينشون.
“الوضع معقد دائماً في فرنسا”
في الجزائر، حيث انخفض عدد التأشيرات الممنوحة إلى النصف، هناك مخاوف مماثلة. قالت فاطمة، جزائرية تبلغ من العمر 27 عاماً، لموقع Middle East Eye: “هناك خطر من إمكانية تقليص هذه الحصة أكثر إذا أُعيد انتخاب ماكرون”.
وأضافت: “إذا دخلت مارين لوبان قصر الإليزيه، فسوف تتخذ بالتأكيد مزيداً من الإجراءات ضد المهاجرين. ببساطة، لا يمكننا تجاهل هذه النتائج. الشتات الجزائري في فرنسا (يقدر عددهم بما يتراوح بين 800 ألف و1.2 ملايين شخص) كبير جداً، وانتخاب مارين لوبان قد يزيد الأمور سوءاً بالنسبة لهم، وهم يعانون بالفعل من تأثير خمس سنوات من حكم ماكرون”.
ماكرون ولوبان.. المفاضلة بين من هو “الأقل شراً” بالنسبة لأحياء الطبقة العاملة والمهاجرين، تعبيرية/ رويترز
وتقول مواطنة جزائرية تدعى أمينة، تبلغ من العمر 32 عاماً: إنها شعرت أنها قد تصبح واحدة من آخر موجات الهجرة إلى فرنسا. وأضافت: “أعتقد أنَّ كليهما (ماكرون ولوبان) سيغلق فرنسا تدريجياً أمام الهجرة. على مدى السنوات الخمس المقبلة، سيجد المسلمون أنَّ الحياة تزداد صعوبة”.
وتابعت: “من رأيي، إعادة انتخاب ماكرون تعني الحفاظ على سياسة وحشية الشرطة نفسها والتأشيرات المقيدة. [هو] يقول كل الأشياء الصحيحة في الأماكن العامة، لكن عندما يتعلق الأمر بالتنفيذ، فإنَّ سياساته متطرفة”.
وفي تونس، أمام مبنى مركز طلبات التأشيرة TLScontact، تتأهب منيرة، التي تزوجت من رجل فرنسي منذ 15 عاماً، بالفعل لفرنسا بقيادة لوبان.
وقالت منيرة: “حتى الآن، أجدد تأشيرتي بسهولة لأنَّ زوجي فرنسي. لكن إذا دخلت لوبان إلى الإليزيه… فسيكون من الصعب جداً الحصول على التأشيرات؛ ما سيزيد حياتي تعقيداً عندما يذهب أطفالي للدراسة في فرنسا”.
من جانبها، خرجت سيرين (25 عاماً) من المبنى نفسه تبتسم؛ فقد حصلت على تأشيرة دخولها بعد أربعة أيام. وتخطط سيرين، وهي طبيبة متدربة، لزيارتها السياحية الثانية إلى فرنسا، وقد ينتهي بها الأمر بإكمال دراستها هناك يوماً ما.
وقالت: “أخشى أن تصبح مارين لوبان رئيسة. أعتقد أنَّ ذلك قد يؤثر على خطط حياتي المهنية”. وأعربت عن اعتقادها أنَّ ماكرون كان في صالح التونسيين، ووصفت تقليص عدد التأشيرات بأنه مجرد “حيلة سياسية قبل الانتخابات”.
وبعيداً قليلاً، جلس عمر على الجدار المنخفض لموقف السيارات المواجه للمركز، في انتظار والديه. يعيش مهندس البرمجيات في فرنسا منذ عام 2017 مع زوجته الألمانية. وبالنسبة له، لن يكون للانتخابات الرئاسية الفرنسية تأثير كبير فيما يتعلق بالتأشيرات.
واختار والداه التقدم بطلب للحصول على تأشيرة شنغن من ألمانيا. وقال: “لديّ شقة في ألمانيا؛ لذا يمكنهم الحصول على تأشيرة لمدة عامين، فالأمر هناك مباشر أكثر، لكن الوضع دائماً معقد في فرنسا”.
“لن يغير حياتنا كثيراً”
في حين أنَّ صعود اليمين المتطرف، بالنسبة للعديد من الجزائريين والمغاربة والتونسيين، أمر بغيض، يأمل البعض أن تتمكن لوبان على الأقل من تغيير الوضع الراهن.
وقال عمر: إنه على الرغم من أنه يفضل فوز ماكرون، لكن من الأفضل لتونس فوز لوبان. وجادل أنها ستكون فرصة لمراجعة جميع العقود بين البلدين.
ولفت: “في جنوب تونس، لا يمكننا الوصول إلى ثلث أراضينا؛ لأنَّ شركة توتال الفرنسية للنفط تستغلها. لوبان مثل ترامب، الذي كان أفضل رئيس للولايات المتحدة من الناحية الاقتصادية”.
في الجزائر العاصمة، قالت ياسمين (32 عاماً)، التي أمضت وقتاً في فرنسا ضمن برنامجها الدراسي، لموقع Middle East Eye: “مشهد العديد من الأحزاب يطالبون بأحقيتهم في الجمهورية، ويرددون مثل الببغاوات أفكار اليمين المتطرف وإيريك زمور، الذي وُجِد مذنباً بتهمة خطاب عنصري ومعادٍ للأجانب، أثناء الترشح لأعلى منصب في فرنسا، جعلني غير مهتمة بالسياسة الفرنسية”.
وقال سعيد، وهو مقيم آخر في الدار البيضاء، إنَّ السياسيين يلعبون بـ”الخطاب اليميني المتطرف” في جميع المجالات بغض النظر عن الفائز.
وبالنسبة للكثيرين، كانت للأزمة السياسية والمالية التي ينغمس فيها التونسيون حالياً الأسبقية على الرغبة في الانغماس فيما يحدث في أماكن أخرى.
قالت امرأة كانت تنتظر خارج مركز التأشيرات في تونس العاصمة: إنها ببساطة “غير مهتمة” بما يحدث في فرنسا. وأضافت، وهي تتحقق من أوراقها للمرة الأخيرة قبل الانضمام إلى قائمة الانتظار أمام مركز TLScontact: “الانتخابات الرئاسية الفرنسية؟ لست مهتمة. لدينا بالفعل ما يكفي من سياساتنا الخاصة، لا داعي للقلق بشأن سياسات الآخرين”.
* المصدر : عربي بوست