انتقام الجغرافيا من الإحتلال: ماذا لو أغلق اليمن باب المندب؟
السياسية – رصد:
تدخل الحرب على اليمن عامها الثامن. لكن ما يختلف هذه المرة، أنها موسومة منذ بدايتها بمفاجآت يُعوّل عليها لتحقيق مزيد من المكاسب، تضطر بعدها الدول الراعية لهذه الحرب للجلوس على طاولة المفاوضات، ولديها النية الفعلية في التوصل إلى حل لهذه الأزمة، والسعيّ الجدي لوقف إطلاق النار وفك الحصار.
مصادر مطلعة أكدت لموقع الخنادق أن “المرحلة المقبلة ستشهد تصعيداً من قبل الجيش واللجان الشعبية لكسر الحصار، وقد يكون إحدى المسارات المطروحة هو تنفيذ عمليات عسكرية في باب المندب واستهداف الناقلات التابعة لدول التحالف ومن بينها تلك التابعة لكيان الاحتلال والولايات المتحدة، والقوات المسلحة اليمنية أثبتت أنها تمتلك القدرة على ذلك”.
ماذا لو أغلق باب المندب؟
كانت إحدى أهم أسباب الحرب التي شنتها الولايات المتحدة بيد سعودية ودعم دولة الكيان الصهيوني ومشاركة خليجية هي السيطرة على الممرات المائية خاصة باب المندب، لما يمتلكه من أهمية جيوسياسية تجعل المسيطر عليه متحكماً بما لا يقل عن 10% من الحركة التجارية الدولية. يمر عبر باب المندب الذي يعتبر عنق الزجاجة بالنسبة للبحر الأحمر، ما يقارب 3 ملايين و200 ألف برميل نفط يومياً، وأكثر من 21000 سفينة تجارية ما يجعله الممر الأهم عالمياً والأكثر احتضاناً للسفن بعد مضيق هرمز ومضيق ملقا الذي يقع بين ماليزيا والجزيرة الأندونيسية سومطرة، ويصل بين البحر الأحمر وخليج عدن، ويفصل بين جيبوتي في أفريقيا واليمن في آسيا.
تفصل جزيرة بريم اليمنية، الممر الذي يبلغ عرضه حوالي 30 كلم (المسافة الفاصلة ما بين رأس منهالي ورأس سيان)، إلى قناتين:
-القناة الشرقية “باب إسكندر” ويبلغ عرضها 3 كلم وعمقها 30 متراً (بين رأس منهالي وجزيرة بريم).
-القناة الغربية ويبلغ عرضها 25 كلم وعمقها 310 أمتار ما يسمح بمرور شتى أنواع السفن التجارية وناقلات النفط بسهولة على محورين متعاكسين متباعدين.
بالنسبة لقناة السويس، فإن حجم التجارة العالمية التي تمر بالقناة عبر باب المندب سواء تلك الآتية من دول الجنوب إلى الشمال أو العكس، تصل إلى ما يزيد عن 96% من حجم التجارة.
وفي حال إغلاق المضيق، فذلك يعني عدم وصول النفط من دول الخليج إلى قناة السويس التي ستتعطل كل الحركة التجارية فيها، وستضطر عندها تلك الناقلات إلى الإبحار جنوباً إلى رأس الرجاء الصالح في أقصى القارة الافريقية، للوصول إلى الأسواق الأوروبية والأميركية مما سيرفع حكماً تكاليف النقل إلى ما يزيد عن 45 مليون دولار يومياً.
هل تتحمل دولة “العدو الإسرائيلي” الخسائر؟
عام 1950، وفي محاضرة له أمام خريجي الفوج الأول من ضباط البحرية لدولة “الكيان الصهيوني”، أكد أول رئيس وزراء لكيان الاحتلال، دايفيد بن غوريون، أنه “علينا ان نضع نصب أعيننا السيطرة على البحرين، تحقيقاً لوعد موسى (ليكن ملكك من البحر الأحمر حتى بحر الفلسطينيين… ان اليهود لم يسيطروا يوماً على شواطئ هذين البحرين منذ خروج موسى من مصر) مستشهداً بالنبوءة اليهودية”.
طيلة العقود الماضية، حاولت دولة “الاحتلال الإسرائيلي” السيطرة على هذه الممرات بشتى الطرق، نتيجة المكاسب الضخمة التي تحققها السيطرة عليها، حيث بلغت المبادلات التجارية لكيان الاحتلال عبر مضيق باب المندب حوالي 130 مليار دولار عام 2017، بمعدل 69 مليار دولار للواردات، و61 ملياراً للصادرات، فيما وصل حجم الواردات البحرية 43.4 مليار دولار، والصادرات البحرية 19 مليار دولارات.
في حين أظهر تقرير صادر عن دائرة الإحصاء المركزية لكيان الاحتلال الاسرائيلي نشرته أن “حجم الواردات الإسرائيلية من البضائع الصينية باستثناء الألماس، بلغ 1.51 مليار دولار في شهر كانون الثاني/ يناير عام 2022، هو أعلى إجمالي واردات إسرائيلية شهرية من الصين على الإطلاق، محطما بذلك الرقم القياسي السابق المسجل في آب /أغسطس 2021 والذي بلغ 1.35 مليار دولار”. وهذا ما يدل على حجم الحاجة الإسرائيلية للمضيق، حيث يعتمد “نمو دولة العدو الإسرائيلي باعتبارها اقتصادًا صغيرًا له سوق محلية محدودة نسبيًا على توسيع حجم الصادرات بالأساس” حسب ما ورد على موقع وزارة خارجية العدو الإسرائيلي.
من ناحية أخرى، يسعى كيان الاحتلال لطرح مشروع قائم على إنشاء ممر رابط بين ميناء إيلات وميناء عسقلان عبر الأنابيب في صحراء النقب في فلسطين المحتلة كبديل عن قناة السويس، والذي بدأت “إسرائيل” بتنفيذه فعلياً ونقل ما يسمى بـ “وادي السيليكون” من شمال تل أبيب إلى النقب وبناء وادٍ جديد للهايتك والتكنولوجيا وإعداد شبكة البنى التحتية اللازمة لهذا المشروع بما فيها مشروع الطاقة الشمسية.
هذا المشروع يتطلب بالدرجة الأولى تأمين السيطرة على البحر الأحمر، وخطوط الملاحة فيه، إضافة للسيطرة على باب المندب والطرق البحرية التي تصل إليه عبر خليج عدن. ولهذا نفهم محاولة الامارات -المطبعة مع كيان الاحتلال- السيطرة على الموانئ اليمنية المطلة موانئ البحر الأحمر غرباً وعلى خليج عدن جنوباً، بالإضافة لتعزيز انتشارها وبناء قواعد عسكرية لها في جزيرة سقطرى، واستضافة قوات إسرائيلية إليها، إضافة للتواجد في ميناء المخا المطل على مضيق باب المندب.
هذا الشرط الذي يجب توافره -أي السيطرة على البحر الأحمر والممرات المائية المرتبطة به- لم يعد بسهولة ما كان عليه الحال قبل الحرب على اليمن، في ظل بروز قوة جديدة تدرك مدى أهمية هذه الممرات المائية لكيان الاحتلال وغيره من الدول، وتنظر بشكل جدي لاستخدامه كورقة ضغط لرفع الحصار عن اليمن وفرض شروطها.
اليمن يمتلك القدرة العسكرية والقرار
عام 2017، صرّح رئيس مصلحة خفر السواحل اليمنية اللواء عبد الرزاق أنّ “خفر السواحل والبحرية اليمنية واللجان الشعبية يسيطرون بالكامل على الشريط الساحلي في البحر الأحمر، مؤكّداً انتظار التوجيهات لاستخدام صاروخ “مندب واحد” رداً على العدوان”.
وصاروخ “مندب واحد” هو صاروخ بحري أعلنت عنه القوات المسلحة اليمنية في تشرين الثاني/نوفمبر 2017، وهو حصيلة تطوير محلي الصنع، واستخدم خلال 3 عمليات رئيسية لاستهداف القطع البحرية التابعة للسعودي خلال العام 2018، فيما كانت هذه الفترة وما تلاها مسرحاً لتنفيذ تكتيكات وعمليات بحرية هجومية أخرى. وربما أكثر ما يمكن قوله عن هذا الصاروخ اختُصر بتسميته “مندب”.
أثبتت القوات المسلحة اليمنية أنها تمتلك القدرات التسليحية البحرية، وطائرات مسيرة وصواريخ تستطيع بها ان تنفذ العملية التي تراها مناسبة وبالوقت الذي تريد، وهو ما كانت قد راكمته خلال سنوات الحرب الماضية، منها:
-الصواريخ البحرية الموجهة كصاروخ سي-801 الصيني، والذي استخدم في استهداف السفينة الإماراتية “سويفت”.
-الزوارق المسيرة الانتحارية: واستخدم أحدها في استهداف الفرقاطة السعودية “المدينة” في كانون الثاني/يناير 2017، حيث أظهرت تسجيلات كاميرات المراقبة التي كانت مثبتة قرب منصّة هبوط المروحيات التي تقع في مؤخرة الفرقاطة أن هناك زورقاً سريعاً قام بالاصطدام بشكل مباشر ببدن الفرقاطة، ما ألحق بها أضراراً.
-فرق الضفادع البشرية، والتي تمكّنت من تنفيذ عدة مهمات بنجاح منها: أوائل عام 2018 حيث تمكنت من السيطرة على الطوربيد المسير “Remus-600″، وهو من انتاج المجموعة النرويجية للصناعات الدفاعية “كونجبيرج”.
-الألغام البحرية: وهي متعددة الأنواع منها من الألغام البحرية الغاطسة تحت اسم “مرصاد 1″ و”مرصاد 2”.
- المصدر: “الخنادق” اللبناني
- المادة الصحفية تم نقلها من المصدر بـ”تصرف” ولا تعبر بالضرورةع نرأي الموقع