الحياة والحرية
السياسية :
بقلم: باتريك لاجاتشي
هناك بالطبع تباين في السخط, وبطبيعة الحال، فإن القرب الثقافي والجغرافي لأوكرانيا يبعث على الحساسية في بلدان ما يسمى بالغرب.
في جزء أخر من العالم, لا تزال المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية تعيشان حالة حرب بشكل غير مباشر في اليمن منذ أواخر مارس من العام 2015.
صراع مروع, حيث تمكن هذا الصراع من حصد أرواح ما يقرب من 377 ألف شخص, منهم نتيجة أسباب غير مباشرة للعمليات القتالية, جراء اتساع رقعة المجاعة وانتشار الأمراض والأوبئة وشحه المياه النظيفة.
اليمن البعيد عن “عالمنا” والدول الديمقراطية لا تحدث الكثير من الضوضاء حول ما يجري هناك، لأنها “بعيدة……
وبطبيعة الحال، لأن المملكة العربية السعودية, تربطها علاقات جيدة مع الغرب, كما أنها من أهم موردي المشتقات النفطية.
لذلك, نجد أن التنديد بالإساءات السعودية أكثر ندرة من تلك التي يرتكبها الروس خلال حربهم ضد اكرانيا، على سبيل المثال.
ارتفعت الأصوات في الأيام الأخيرة للتنديد بهذا التفاوت في السخط و الغضب الذي يدين العدوان الروسي في أوكرانيا, ومن بين هذه الأصوات اتهامات بالعنصرية.
ومن جانبه, ندد المحامي فابريس فيل, من على منبر صحيفة لا برس في عددها الصادر يوم الجمعة، بالازدواجية في التعامل, حيث استشهد بالملاحظات التي كثيراً ما يثيرها الصحفيون الفرنسيون حول ملف اللاجئين الأوكرانيين “هناك فرق بين الأوكرانيين الذين يشاركون مرة أخرى في فضائنا الحضاري والسكان الذين ينتمون إلى حضارات أخرى”.
كما أشار أيضاً إلى الصحفي الذي تحدث من على منبر قناة “” NBC3 الأمريكية عن الأوكرانيين, حيث قال:” أنهم مسيحيون، وبيض، يشبهوننا كثيرًا”.
لا أشك لثانية واحدة في وجود جزء من العنصرية والتحامل اللاواعي الذي يفسر احتقار اللاجئين السوريين بحماس مفترض ينم عن كراهية الأجانب في بعض الأوساط, أما اللاجئون الأوكرانيون، فالجميع يجمع على ضرورة مساعدتهم…
في الواقع, أشار إيريك زيمور، المرشح للرئاسة الفرنسية، والذي يتلقى الدعم من المجموعات الفاشية المتطرفة, أنه لا يريد أن يراهم في فرنسا, حيث يفضل أن يبقى اللاجئون الأوكرانيون في بولندا.
وبالمناسبة، ربما ينبغي أن نكون حذرين من الناس الذين يعدون باستعادة عظمة الأمم المفقودة, وسيكون هذا موضوع عمود آخر.
أن عدم التناسق في السخط, ربما يدل على وجود عنصرية في ذلك, ولكن أعتقد أن الأمر يتعلق أيضاً بالقرب: فالقتل الذي يُرتكب في شوارعكم سوف يثير قلقكم دوماً أكثر من القتل الذي يرتكب على الجانب الآخر من المدينة، اوعلى الجانب الآخر من البلد.
وينطبق نفس الشيء على المآسي والكوارث, عندما تعرضت هايتي لزلزال مروع في العام 2010, تضرع الجميع من أجلها, بخلاف التعامل مع الزلازل الذي ضرب جزيرة بورتوريكو الأمريكية.
دعونا نقول أن القرب، مرة أخرى يلعب دوراً مهماً: هايتي لديها علاقات قوية مع إقليم الكيبيك، حتى أن العديد من أبنائها وبناتها استقروا هنا, نحن نعرف بعضنا البعض. القرب يخلق التعاطف.
أما بالنسبة لأوكرانيا، إنها بعيدة من الناحية الجغرافية, لكنها قريبة، في نفس الوقت, حيث يبدو لي أن الحد من التعاطف والغضب للعنصرية قصير بعض الشيء, والقرب من أوكرانيا هنا مسألة ديمقراطية وثقافية.
التاريخ ، في هذا الركن من العالم الذي يجعلنا الآن نرتجف ونرتعد، يعود إلى بعيد بأروقة التاريخ طويل.
تعود الجذور المشتركة بين الأوكرانيين والروس إلى القرن العاشر, ومنذ ذلك الحين كانت قطيعة الحرب التي جلبت أوكرانيا إلى العديد من مناطق النفوذ من العديد من القوى، اعتمادا على الوقت…
هذا يوضح كيف كانت المخاطر ـ وتفسيرات المخاطر ـ معقدة بين الروس والأوكرانيين لعدة قرون, باستثناء مسألة شبه جزيرة القرم التي تستحق ألف رسالة دكتوراه.
ولكن الحقيقة تبقى أن وضوحاً أخلاقياً معيناً يدفعنا أيضاً إلى أن نرى أن أوكرانيا دولة، وأنها موطن لشعب، وأن هذا الشعب اختار التوجة إلى أوروبا بأدواته الديمقراطية.
وبجوار ذلك، روسيا الدولة التي ليس لديها أي شيء عن الديمقراطية، بقيادة ما كان يمكن أن يكون عليه “بابلو إسكوبار” – أحد أباطرة المخدرات الرئيسيين في الثمانينيات- لو كان تحت تصرفه ثاني أكبر جيش في العالم والذي يمتلك أيضاً أكبر ترسانة نووية على الأرض, بوتن، هذا صحيح: إسكوبار الصواريخ النووية.
وهذه الدكتاتورية التي يقودها رجل لم يعد متأكدا من أنه عاقل, هو الذي اختار ضم جارته الأوكرانية بالقوة، مع الكارثة الإنسانية التي نعرفها, بالإضافة إلى العواقب الجيوسياسية التي لا نعرفها بعد، ولكنها تهدد بإغراق روسيا في بؤس اقتصادي خطير والعالم في حرب باردة.
من أين يأتي التعاطف مع الأوكرانيين؟ لا يهمني إذا كانوا بيض أو مسيحيين, إنها فقط، على الصعيد الشخصي، عندما الديكتاتورية تضرب في وجه الديمقراطية لجعلها عبدا، أميل إلى الجانب الذي يقف مع الدولة الديمقراطية.
أنا من الطراز القديم، أعلم، لكنني لم أتعاطف أبداً مع الديكتاتوريين، حتى عندما يتم تصويرهم أبطال على ظهر الحصان.
بالفعل أجدها مبتذلة ودكتاتورية…..
لقد أوضح آموس أوز، الكاتب الإسرائيلي هذا المنطق، بكل براعة: فعندما ترى عدواناً، يتعين عليك أن تحاربه، بصرف النظر عن مصدره, ولكن فقط إذا كان الأمر يتعلق بالحياة والحرية، وليس بالأراضي الإضافية أو الموارد”.
ومن هنا يأتي تعاطفي مع الأوكرانيين: ففي هذا الصراع، هم المدافعون وليس المعتدون، وهم يقاتلون من أجل حياتهم ومن أجل حريتهم.
ترجمة: أسماء بجاش – الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”
* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من : صحيفة “لا برس- “la presse الكندية الناطقة باللغة الفرنسية وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع