“الجنائية الدولية” تتحرك في أوكرانيا بعد7 أيام حرب.. ماذا عن اليمن!!
في اليمن، هناك عشرات الجرائم التي تجاوزت مستوى الاحتمالية ليتأكد بالصوت والصورة والوثائق انها جرائم حرب ارتكبها التحالف السعودي الامريكي طيلة سبع سنوات.
السياسية- رصد:
ما ان مرت ايام على بدء روسيا لحملتها العسكرية على اوكرانيا لحيثيات ترى فيها موسكو مصلحة لأمنها القومي، عقب انكشاف المحاولات الناعمة لقوى الغرب بقيادة امريكا للاقتراب من عرين بوتين، حتى خرج (المدعي) العام لـ”المحكمة الجنائية الدولية” كريم خان، للإعلان عن البدء “فورا” في اجراء تحقيق “نشط في جرائم حرب محتملة في أوكرانيا”.
قال خان في اعلانه: “لقد أبلغت رئاسة المحكمة الجنائية الدولية قبل دقائق بقراري البدء فوراً في التحقيقات النشطة في الوضع” بأوكرانيا، مضيفاً أنّ “عملنا في جمع الأدلة بدأ الآن”، المدعي العام اضاف “هذه الإحالات تمكّن مكتبي من المضي قدما وفتح تحقيق حول الوضع في أوكرانيا من 21 نوفمبر 2013 وما بعدها، بما يشمل أي مزاعم في الماضي والحاضر عن جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية أو إبادة جماعية ارتكبت في أي جزء من أراضي أوكرانيا على يد أي شخص”.
وكي يعطي الامر صبغة قانونية وأنه لا يستهدف أحداً بعينه -روسيا مثلا-، كتب المدّعي العام على تويتر “تبدأ التحقيقات النشطة رسميا في أوكرانيا بعد تلقي إحالات من 39 دولة”، وقال، إنه سيسعى للحصول على موافقة المحكمة على التحقيق في اتهامات بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا.
في اليمن، هناك عشرات الجرائم التي تجاوزت مستوى الاحتمالية ليتأكد بالصوت والصورة والوثائق انها جرائم حرب ارتكبها التحالف السعودي الامريكي طيلة سبع سنوات.
مشهد القصف والنزوح في اوكرانيا، يعيشه اليمنيون منذ العام ٢٠١٥، وخلال هذه الفترة سقط عشرات الآلاف من المدنيين، وتشرّد الملايين.. إنتهكت كل الاعراف والمواثيق الدولية بما فيها تلك التي تخضع لمراقبة المحكمة الجنائية الدولية، ووجد ملايين اليمنيين انفسهم في طرقات الفقر والحاجة بسبب الحصار والقرصنة على سفن الغذاء والدواء والوقود، مع ذلك لم تفتح هذه المحكمة التي يرقى سلوكها الى مستوى “النفاق” تحقيقا في اي من هذه الجرائم.
مراقبون محليون ودوليون، استغربوا هذه السرعة التي ابدتها المحكمة تجاه ما تَحتَمِل انها قد تكون جرائم حرب في اوكرانيا، لتفتح على الفور تحقيقا في الامر رغم أن عمر الحرب فيها ايام.
مجلس الأمن، المظلة الحامية افتراضاً للقوانين الإنسانية والعلاقات الدولية، كشف في ذات الوقت عن معاييره المزدوجه في تقييم الأحداث والبناء عليها لاتخاذ القرارات.
المجلس لا يبدو موضوعياً ولا منطقياً في كثير من القرارات المرتبطة بأي طرف عربي او اسلامي، تداعى أعضاؤه ايضا على نحو من التوتر والتشنج فور بدء الجيش الروسي عمليته ضد اوكرانيا، لعقد جلسة فضحت نواياها قبل الانعقاد، حين حددت غرضها بمناقشة وادانة العملية العسكرية الروسية، ثم قضت بدعوة الجمعية العامة للأمم المتحدة لعقد جلسة طارئة لنفس الغرض، وهو ما حدث اذ انعقدت الجمعية بنيويورك في 2 من الجاري، وطالبت بأغلبية الثلثين (أغلبية ساحقة) وبصورة حاسمة، روسيا بوقف الحرب فورًا في أوكرانيا وسحب جميع قواتها العسكرية دون شروط، ووصف بعض المصوّتين القرار، بأنه “تاريخي” ودفاع عن ميثاق الأمم المتحدة.
بقراءة حالة الاستنفار هذه وفق معطيات الأزمة، يتبين انها جاءت لتكشف أكثر من جانب:
الاول: إظهار الولاء للكيان الصهيوني المؤقت باعتبار أن الرئيس الأوكراني يهودي الديانة.
الثاني: تحديث التسويق بأن هذه الكانتونات الدولية موجودة من أجل ضبط إيقاع العلاقات وحفظ الأمن والسلم الدوليين.
في المقابل وليس ببعيد مجلس الأمن بشأن اليمن في أزمة أصبحت وصمة عار في جبين الأمم المتحدة بمختلف تفرعاتها، عقد لقاءه الأخير بداية هذا الشهر آذار/ مارس، وخرج متبنيا منطق الدول التي تشن الحملة العسكرية على اليمن بترجمة القالب الجاهز الذي أعدته الامارات الى قرار وصفت فيه “أنصار الله” ك”جماعة إرهابية”، وحظرت توريد الاسلحة الى اليمنيين، كما اعتبرت عمليات الردع التي تقوم به القوات المسلحة اليمنية أعمالا عدائية.
حينها كان من الطبيعي أن يلقى هذا القرار استهجاناً واسعاً من قبل الأصوات التي لا توجِّه آراءها مصالح أو اهداف، على مستوى العالم، مستندين الى:
– أن اليمنيين هم اصلا في حالة دفاع عن النفس وليسوا المعتدين.
– أن هناك حصاراً قائماً على الموانئ والمطارات الخاضعة لحكومة صنعاء منذ سبعة أعوام، فعن أي سلاح يزعمون أنه يورد لليمنيين.
– أن السلاح الذي يقاتل به جيش صنعاء واضح انه من السلاح الذي يغنمه في معاركه مع قوى التحالف.
– أن الحرب عمرها اليوم سبعة أعوام، ولم تستطع المنظمات الأممية فعل شيء لإنقاذ اليمنيين.
الحديث عن الموقف السلبي لهذه المنظمات الدولية تجاه اليمنيين الذين تعرضوا لأسوأ كارثة إنسانية من صنع الانسان لم يتمثل فقط في أنها تقاعست عن التحرك في هذا الملف طوال السبع السنوات الماضية، بل وفي تجاهلها لدعوات حقوقية دولية طالبتها بالقيام بما هو مناط بها حال الانتهاكات في الحروب ضد الإنسانية، وفي السياق على سبيل المثال المحامي البريطاني توبي كادمان الذي قدم طلبا للمحكمة الجنائية في أغسطس العام الماضي، وسلط الضوء على ثلاثة حوادث منفصلة، هي غارة جوية في أغسطس عام 2018 التي دمرت حافلة مدرسية وقتلت العشرات من الاطفال في ضحيان، وقبلها الهجوم الصاروخي في أكتوبر 2016 على صالة عزاء، إضافة الى تعذيب وقتل مدنيين محتجزين في سجون قوى الاحتلال في المحافظات الجنوبية.
وكذا المحامية المودينا برنابيو، وهي التي قدمت نفسها ممثلة عن ضحايا هجوم الحافلة المدرسية، قالت “إن التحالف الذي تقوده السعودية قال إنه سيحقق في الضربة، وسيقدم المسؤولين عنها إلى العدالة.”
وأضافت في بيان “بالطبع لم يفعلوا مثل هذا الشيء، المحكمة هي الملاذ الأخير، ليس أمام الضحايا وأسرهم خيار سوى دعوة المحكمة الجنائية الدولية لضمان تحقيق العدالة.”
كما اعلنت مجموعة “غرنيكا 37 انترناشيونال جاستيس تشامبرز” في نفس التوقيت أنها سلمت المحكمة الجنائية الدولية باسم مئات الضحايا، أدلة على معلومات عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتكبها التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن في السنوات الماضية.
ودعت مجموعة “غرنيكا 37” في بيان إلى إجراء تحقيق في ثلاث وقائع محددة ومحاسبة المسؤولين عنها، كما ورد في البيان، منها استهداف التحالف في 2016 لصالة العزاء في صنعاء “أدت إلى استشهاد 140 شخصا، واستهدافه في 2018 “على حافلة مدرسية في شمال اليمن تسببت باستشهاد أربعين طفلا على الأقل.”
وقال المحامون في مذكرة تقع في 212 صفحة، إن المحكمة يجب أن تمارس الاختصاص لأن بعض أعضاء التحالف من الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية.. وذكروا أن الأردن نشر طائرات مقاتلة للتحالف، كما قدمت السنغال قوات، بينما دعمتها جزر المالديف دبلوماسياً، فيما جرائم ارتكبت في اليمن على يد مرتزقة من دولة كولومبيا، وجميعهم دول اعضاء في المحكمة الجنائية الدولية.
وقال المحامي البريطاني توبي كادمان: “يمكن للمحكمة الجنائية الدولية ويجب عليها أن تستخدم اختصاصها الواضح للتحقيق في هذه الجرائم التي لا يمكن إنكارها، وجرى إثباتها”.
الا انه وبحسب نظام المحكمة الجنائية الدولية، فإنها غير ملزمة بالنظر في قضايا يرفعها أفراد أو حتى مجموعات إلى المدعي العام، الذي يملك وحده الصلاحية والاستقلالية لتحديد القضايا التي تقدم لقضاة المحكمة، بعدها يقرر القضاة ما إذا كانوا سيسمحون بإجراء تحقيق أولي من قبل المدعي العام ثم تحقيق رسمي، وإذا لزم الأمر توجيه الاتهامات.
ربما تجدر الإشارة الى ان مطالبة فريق الخبراء البارزين التابع للأمم المتحدة مجلس الأمن “بإحالة الوضع في اليمن إلى المحكمة الجنائية الدولية، وتوسيع قائمة الأشخاص الخاضعين لعقوبات مجلس الأمن.”، حسب كمال الجندوبي، رئيس المجموعة وفقا لما أورده موقع (الأمم المتحدة/ مجلس حقوق الانسان)، والذي أشار ايضا إلى أن مثل هذه الإجراءات “من شأنها أن ترسل رسالة قوية إلى الأطراف المتنازعة بأنه لن يكون هناك إفلات من العقاب على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان”، لعل في هذا الطرح الذي لم يجد له طريق للتنفيذ ما يؤكد على حاجة تلك الممارسات غير الأخلاقية للحملة العسكرية الامريكية السعودية ضد اليمنيين لأن تكون على طاولة القضاء الدولي، ووفقا للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي.
الجندوبي أيضا كان صرح حينها بالقول “إنها الآن المسؤولية الجماعية للمجتمع الدولي للتدخل لمساعدة الشعب اليمني”.
وبداية أكتوبر 2021، رفض مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، تمديد عمل “فريق خبراء الأمم المتحدة ” الذي أنشئ بشأن اليمن من قبل المجلس عام 2017 للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان، عقب انتشار صيت الجرائم التي يرتكبها التحالف السعودي بحق اليمنيين، ورغم ان عمل الفريق لم يُحدث اصلا فارقا لصالح الشعب اليمني، الا ان رفض تمديد عمله لقي استهجانا من قبل عديد المنظمات الدولية التي اتهمت السعودية ببذل قصارى جهدها للحصول على هذا الرفض..
وفيما اعتبرت “أنييس كالامار” تعليقا على ذلك وهي الامينة العامة لمنظمة العفو الدولية، أنه “جرى التخلي عن الناس في اليمن. تعرضوا للخيانة. مرة أخرى”. حسب تغريدة لها، أعرب السفير الهولندي عن أسفه لأنه “بتصويته اليوم (…) قطع المجلس حبل النجاة هذا عن الشعب اليمني”.
وقال ممثل مكتب جنيف لمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان جيريمي سميث “لكي نكون واضحين اختارت الدول التي صوتت ضد التجديد أو امتنعت عن التصويت إرضاء المملكة العربية السعودية بدلا من حماية حياة الملايين من الناس”.
واستنكر مدير منظمة هيومن رايتس ووتش في جنيف جون فيشر ما اعتبره “وصمة عار في سجل المجلس” وأشار إلى أن “العديد من الدول (التي) أدارت ظهرها للضحايا، رضخت لضغوط التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية وجعلتها تضع السياسة قبل المبادئ”.
الشاهد قبل اليمن على تعمد استهداف المسلمين وممارسة التمييز السلبي ضدهم في تفعيل المؤسسات الحقوقية الدولية، المعاناة المستمرة للشعب الفلسطيني، فلعشرات السنين وهم مهداف لجيش الصهاينة المحتلين في عديد من الجرائم، غير ان صوت الجنايات الدولية ظل مكتوما رغم المشاهد الدموية التي صارت ايقونة انتهاك الصهاينة للحقوق الإنسانية في فلسطين بموجب القانون الدولي الإنساني.
بداية العام الماضي 2021، بعد سبعين عام، اعلنت رئيسة الادعاء العام بالمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودة فتح تحقيق رسمي في “جرائم حرب مزعومة في الأراضي الفلسطينية”. حسب تعبيرها.
وأوضحت بنسودة أن التحقيق سيشمل أحداثا في الضفة الغربية والقدس الشرقية الخاضعتين للاحتلال الإسرائيلي، وكذلك قطاع غزة، منذ 13 يونيو/ حزيران عام 2014.
هل كان الامر بحاجة لكل هذا الوقت من الانتظار!!، المثير هو قول بنسودة إنها أجرت “فحصا تمهيديا شاقا”، استغرق ما يقرب من خمس سنوات، وتعهدت بأن يكون التحقيق مستقلا ومحايدا وموضوعيا، بدون خوف أو تحيز.
خمس سنوات لإجراء “فحصا تمهيديا”، بينما في أوكرانيا لم يكن الامر بحاجة لأكثر من خمسة أيام لترتيب أوراق البدء في التحقيق المباشر في “جرائم محتملة”، وفي اليمن يبدو ان الامر لا يزال بحاجة لوقت اطول لتظهر الجنايات الدولية وتغسل “عار النفاق” الذي وصمت نفسها به.
بالعودة الى بنسودة وفلسطين، فإنها قالت في إعلانها “ليس على جدول أعمالنا سوى الوفاء بواجباتنا القانونية بموجب نظام روما الأساسي بنزاهة ومهنية”، فهل كانت بنسودة تعلم ان ما يسمى بإسرائيل “لم تصادق قط على نظام روما الأساسي”!؟.
منظمة “هيومن رايتس ووتش”، رأت حينها في قرار المحكمة الدولية “خطوة باتجاه العدالة التي تأخرت كثيرا”، لكن رئيس وزراء العدو الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو هاجم حينها المحكمة، معتبرا إن قرار فتح التحقيق “هو خلاصة لمعاداة للسامية والنفاق”، حسب قوله، وتعهد بإلغائه، وقال “المحكمة التي تأسست لمنع تكرار الانتهاكات التي قام بها النازيون ضد اليهود تنقلب ضد دولة الشعب اليهودي”، ويبدو انه لأجل ذلك لم يتجاوز حديث رئيسة الادعاء العام بالمحكمة الجنائية الدولية حدود الإعلان، اذ وعدت نائبة الرئيس الأمريكي في الرئاسة حديثة العهد كامالا هاريس معارضة الولايات المتحدة جملة وتفصيلا لأي تحقيق للمحكمة الجنائية الدولية في جرائم حرب لقوات الاحتلال الاسرائيلي محتملة في الأراضي الفلسطينية، وذلك بعد يوم واحد فقط من اعلان المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية بشأن التحقيق.
وقال البيت الأبيض في بيان إن هاريس ونتنياهو أشارا إلى معارضة حكومتيهما “لمحاولات المحكمة الجنائية الدولية ممارسة الولاية القضائية على جنود إسرائيليين”.
وأعلنت الولايات المتحدة الأمريكية رفضها إعلان المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس الذي ذهب الى ابعد من رفض الإعلان فانكر على المحكمة حتى القيام بهذا الاجراء، وقال “المحكمة الجنائية الدولية ليس لها اختصاص بشأن هذه المسألة” في إشارة إلى إعلان المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية.
وبالتزامن، عمد الصهاينة الى شن حملة تشكيك في قرار المحكمة “الكسيح والمتأخر” أصلا ونزع شرعيته، فقال، إيتان جلبوع الخبير في الشأن الدولي، في مقال نشره موقع “والا” العبري “القرار لا أساس له لأن محكمة الجنايات الدولية مختصة فقط بالتحقيق في قضايا الدول التي وقّعت على وثيقة روما، لكن دولة الكيان الصهيوني مثل الولايات المتحدة ودول أخرى لم توقع على هذه الوثيقة ولم تنضم إلى المحكمة الجنائية أصلاً، لأن إسرائيل كانت تخشى من أن المحكمة لن تكون أكثر من محكمة سياسية”، على حد زعمه، وزاد القول “على إسرائيل أن تعمل أيضاً في الكونغرس الأمريكي من أجل الحصول على قرار إدانة جديد للمحكمة وتحذير المحكمة من التحقيق مع الولايات المتحدة وإسرائيل، كما يجب بدء جولة حراك إعلامي ننزع من خلاله الشرعية عن محكمة الجنايات، ونستطيع أيضاً ردعها”.
بينما قال مندوب كيان العدو الإسرائيلي الدائم لدى الأمم المتحدة جلعاد أردان “ليس للمحكمة الجنائية الدولية أي اختصاص على الإطلاق في هذه المسألة”.
- المصدر:”الخنادق” اللبناني
- المادة الصحفية تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
- الكاتب: وديع العبسي