الغرب ينخرط أكثر وأكثر.. هل اقتربت المواجهة المباشرة ضد الروس؟
شارل أبي نادر*
في متابعة لمسار العملية العسكرية التي تقوم بها حاليًا الوحدات الروسية في أوكرانيا، يبدو أن “المقاومة” التي تواجهها هذه الوحدات بدأت تتصاعد أكثر فأكثر مقارنة مع ما كانت عليه في بداية العملية، في مستوى الاشتباك وفي أساليب القتال وفي القدرات والأسلحة التي تُستعمل، والأهم من كل ذلك، في تنوع وتزايد المجموعات المسلحة غير الأوكرانية، والتي بدأت تنخرط في القتال بطريقة أوسع. فكيف يمكن تفسير هذا التطور في نمط وأسلوب ومستوى المواجهة التي تخوضها تلك الوحدات ضد الوحدات الروسية؟
في الواقع، كل تصريحات الدول الغربية وتحديدًا دول “الناتو”، تشير الى أنها لم تتخذ قرارًا حتى الآن بمواجهة الوحدات الروسية مباشرة، وتصريحات الرئيس الأميركي بايدن ورؤساء الدول الأوروبية المعنية واضحة حول ذلك، وهذا الأمر يمكن تلمسه من تفاصيل المواجهات ومن عدم حصول أي اشتباك حتى الآن بين وحدات روسية ووحدات غربية، ولكن عمليًا، يمكن أن نلمس ومن خلال مسار المواجهة، أن “الناتو” والاتحاد الأوروبي، اتخذا حتى الآن، عدة اجراءات ذات طابع عسكري، يمكن أن نضعها من خلال تأثيراتها في المعارك والمواجهات في إطار المواجهة المباشرة، تمامًا كما لو أنها منخرطة بشكل كامل ومباشر، وذلك على الشكل التالي:
لناحية الأسلحة الفتاكة
تتدفق الى الداخل الأوكراني مجموعات ضخمة من الأسلحة الفعالة، ترسلها دول “الناتو” والاتحاد الاوروبي بشكل متواصل ويومي منذ بداية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وهذه الأسلحة والتي تُطلق عليها تلك الدول أسلحة فتاكة، والموزعة بين صواريخ مضادة للدروع والآليات وبين صواريخ مضادة للطائرات وبشكل محدد مضادة للطوافات، أصبحت تُحدث تغييرًا ملحوظًا في الميدان، تمثل هذا التغيير في اتجاهين:
أولًا لناحية التعثر في تقدم الوحدات الروسية، على عكس بداية العملية، والتي كان يبدو أنها تسير كما كانت قدد خططت القيادة العسكرية لهذه الوحدات، وهذا التعثر يمكن أن نلاحظه خاصة بمواجهة المدن الأساسية، كييف العاصمة، وخاركوف ثاني أكبر المدن الأوكرانية والتي تقع في الشرق على الحدود روسيا، وماريوبول، أكبر مدن الساحل الأوكراني على بحر ىزوف، والتي ما زالت حتى الآن محاصرة.
ثانيًا لناحية الإصابات والخسائر، فقد اعترف الروس حتى الآن بمقتل أكثر من 500 جندي مع حوالي ألف مصاب، (تصريحات الناتو وأوكرانيا تقول ان خسائر الروس اكبر من ذلك بكثير)، كما وتظهر مشاهد وصور بعض وسائل التواصل اعداداً غير بسيطة من الآليات الروسية المدمرة والمحترقة.
لناحية المقاتلين
يبدو أنه يتكرر المشهد الذي ساهمت فيه دول “الناتو” في الحرب على سوريا، في أوكرانيا اليوم، فهذه الدول تساهم بكافة الطرق والوسائل، في تسهيل وتأمين نقل الآلاف من المسلحين الإرهابيين من سوريا إلى اوكرانيا، وعبر تركيا، إما برًا أو جوًا، تمامًا كما كانت الأخيرة رابطًا أساسيًا لنقل هؤلاء من كافة أقطار العالم إلى سوريا سابقا.
هؤلاء المقاتلون المتشددون، وبكل موضوعية، يملكون الكثير من النقاط التي يمكن أن تؤثر سلبا على معركة الوحدات الروسية في أوكرانيا، لناحية خبراتهم المعروفة في قتال الشوارع والمدن، أو لناحية استعداداتهم المفتوحة دائمًا لتنفيذ أعمال إرهابية انتحارية أثناء المواجهات المتقاربة في قتال المدن والمناطق السكنية، وهذه النقطة، طبعًا ستكون من بين العوائق والصعوبات التي ستواجهها الوحدات الروسية، خاصة أن بعض الوحدات المحددة من الجيش الاوكراني، والتي ما زالت تقاتل بضرواة ضد الروس، لا تملك خبرة قتال الشوارع مثل هذه المجموعات الإرهابية.
من هنا، وأمام هذا التغيير غير المحسوب ربما بالنسبة للوحدات الروسية، أصبح من الواضح أن الأخيرة سوف تنتقل إلى مناورة أخرى، تتجاوز من خلالها هذه الصعوبات المذكورة، وهذه المناورة، التي من المحتمل أن تكون باتجاهين، أولًا من خلال الابتعاد حاليًا عن قتال المدن وعن اقتحام الأماكن والتجمعات السكنية، وثانيًا من خلال العمل بكل الوسائل على منع تدفق الأسلحة الغربية الفتاكة الى الوحدات الأوكرانية، والعمل أيضًا على منع وصول هذه المجموعات الإرهابية الى ميدان المواجهة قدر الامكان.
لناحية منع تدفق الأسلحة الغربية الفتاكة الى الوحدات الأوكرانية، قد تكون هذه النقطة هي الأكثر حساسية، والتي ربما تشكل فيما لو أعطتها الوحدات الروسية تركيزًا واسعًا، فرصة للاشتباك المباشر مع وحدات تلك الدول، خاصة إذا قررت الوحدات الروسية استهداف وسائل نقلها ومن نقاط بعيدة داخل الغرب الاوكراني، وفي مناطق قريبة من حدود دول “الناتو” الحدودية مع اوكرانيا، مثل بولونيا ورومانيا والمجر أو مولدوفيا، حيث احتمالية استهداف جنود أو آليات تابعة للناتو أو لدول الاتحاد الأوروبي، من المُكلَّفة بايصالها للوحدات الاوكرانية، واردة بقوة، وهنا، تكون نقطة المواجهة بين الروس و”الناتو” مباشرة، والتي في حال حصلت، تصبح امكانية تطورها واردة بقوة.
فإلى أين يمكن أن يصل هذا التطور؟ وماذا يمكن أن يحمل من تداعيات؟ ربما الأيام القادمة تحمل تصورًا معينًا عن ذلك، في حال لم تطرأ بعض التطورات السياسية على المشهد، والتي ستكون فرصة لاستبعاد أي تطور في اتجاه المواجهة، حيث لو حصل الأخير، لن يكون ايجابيًا، لا بل سيكون مدمرًا لأغلب الدول المنخرطة في هذا الصراع، ولغيرها طبعًا.
* المصدر :موقع العهد الإخباري