التكنولوجيا والتواصل الاجتماعي.. سلاح الغرب ضد روسيا في أوكرانيا
شركات التكنولوجيا والتواصل الاجتماعي تعدّ نفسها منارات لحرية التعبير حول العالم، إلاّ أنّ الأزمة الأوكرانية، وقبلها عدة أزمات، كشفت، وفقاً لمؤسسات عالمية، انتهاكاً لحرية العمل الصحافي وحرية الرأي من خلال حظر القنوات والمنصات الروسية.
السياسية – متابعات :
منذ اشتعال فتيل الأزمة في أوكرانيا، اشتدّت الحرب التكنولوجية، وتلك المعتمِدة على منصات التواصل الاجتماعي، ضد روسيا. ومع بداية العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، تصاعدت الضغوط عليها بصورة هستيرية. ولم تترك وسيلة أو أداة، من السياسة والدبلوماسية والاقتصاد والمال، وحتى التكنولوجيا وشبكات التواصل الاجتماعي، بحيث فرضت شركات التكنولجيا العملاقة حصاراً على المواطنين ووسائل الإعلام الروسية.
هذا كله على الرغم من أنّ شركات التكنولوجيا والتواصل الاجتماعي تضع نفسها في خانة “منابر حرية التعبير الأولى حول العالم”، إلا أنّ الأزمة في أوكرانيا اختبرت قيم هذه الشركات بوسائل جديدة.
أوكرانيا تطالب والمواقع تستجيب
طالب وزير التحول الرقمي في أوكرانيا، ميخائيل فيدوروف، يوم الجمعة الماضية (اليوم الثاني للعملية العسكرية الروسية)، في رسالة إلى الرئيس التنفيذي لشركة “آبّل”، تيم كوك، بإيقاف خدمات متجر التطبيقات ومنتوجاته عن المستخدمين في روسيا. ويبرر فيدوروف هذه الخطوة بأنها “ليست حرماناً للروس من الوصول إلى المعلومات، لكن من أجل منعهم من الوصول إلى الشبّان والمفكرين فى أوكرانيا”.
لم تقف مطالب فيدوروف عند شركة “آبل”، بل وسّع الوزير اتصالاته لتشمل شركات: فيسبوك وغوغل ونيتفليكس ويوتيوب، وطالبها أيضاً بتعليق خدماتها في روسيا.
في المقابل، استجابت شركة فيسبوك فوراً للدعوات الأوكرانية، فحجبت عدداً من صفحات وسائل الإعلام الروسية في منصاتها في أوكرانيا، كما أنها حجبت صفحة مدير وكالة الفضاء الروسية، دميتري روغوزين، بينما أعلنت أن لا نية لديها في تعليق عمل منصتي فيسبوك وإنستغرام في روسيا.
وبرّر رئيس الشؤون العالمية في فيسبوك، نيك كليج، خطوة الحجب بقوله “نحن على اتصال بالسلطات الأوكرانية. وبناءً على طلبها، قيّدنا الوصول إلى بعض الحسابات في أوكرانيا، بما في ذلك الحسابات الخاصة بوسائل الإعلام الحكومية الروسية”.
عقب ذلك، أعلنت هيئة الرقابة الروسية، “روس كوم نادزور”، بدء إجراءات الحجب الجزئي لموقع فيسبوك، رداً على فرض قيود على الحسابات الرسمية لعدد من وسائل الإعلام الروسية، ومن ضمنها وكالة “نوفوستي” وقناة “زفيزدا” العسكرية وصحيفتا “لينتا.رو” و”غازيتا.رو” الإلكترونيتان.
خطوة هيئة الرقابة الروسية جاءت ردّاً على فيسبوك، بحيث اتخذت النيابة العامة، بالتنسيق مع وزارة الخارجية الروسية، قرار الاعتراف بضلوع الشركة في انتهاك حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وحقوق مواطني روسيا وحرياتهم، مطالبةً فيسبوك برفع القيود التي فرضها على وسائل الإعلام الروسية وشرح سبب فرضها. لكنّ مالكي الشبكة تجاهلوا هذه الطلبات.
بدوره، دخل موقع تويتر على خطّ الأزمة الأوكرانية، وقام بإيقاف الإعلانات في روسيا وأوكرانيا موقتاً، وأوقف ميزة التوصيات التي تُظهر التغريدات من حسابات لا يتّبعها المستخدمون من أجل ما سمّاه “تقليل انتشار المحتوى المسيء”. وبحسب إدارة تويتر، فإن أسبابها تتعلق بضمان رفع مستوى السلامة العامة.
ولم يُشر تويتر إلى المدّة التي ستستمرّ فيها هذه الإجراءات، لكنّه قال إنها جزء من عمله المستمر للرد على العملية العسكرية الروسية. وأوضح، في منشورٍ له، “نحن نحرص على مراقبة المخاطر المرتبطة بالنزاع في أوكرانيا، بما في ذلك تحديد محاولات تضخيم المعلومات الكاذبة والمضلِّلة وتعطيلها”.
الردّ الروسي على خطوة تويتر كان تقييد وصول الموقع مع إمكان وصول المقيمين إلى المنصّة، عبر استخدام خدمات الشبكة الخاصة الافتراضية “VPN”. وأكّد تويتر التقاريرَ في تغريدة، قائلاً “نحن ندرك أن تويتر مقيّد لبعض الأشخاص في روسيا، ونعمل على المحافظة على أمان خدمتنا، وإمكان الوصول إليها”.
بصورة مماثلة لفيسبوك وتويتر، علقت مجموعة غوغل الأميركية إمكان جني عائدات في مختلف منصاتها بالنسبة إلى وسائل الإعلام المموَّلة من الدولة الروسية، بما في ذلك يوتيوب التابعة لها، موقفةً الإعلانات التي تضعها وسائل الإعلام الروسية، كما حدّت من التوصيات بمشاهدة مقاطع الفيديو الخاصة بهذه القنوات، بل أصدرت قراراً، صباح اليوم الثلاثاء، يقضي بحظر وكالة “سبوتنيك” وقناة “روسيا اليوم” (RT) الروسية في أوروبا.
وقال المتحدث باسم يوتيوب، فرشاد شادلو، في تصريحاتٍ نقلتها صحيفة “واشنطن بوست”، “إننا نوقف موقتاً قدرة عدد من القنوات على تحقيق الدخل على يوتيوب، بما في ذلك عدّة قنوات روسية، استجابةً لطلب حكومي من أوكرانيا. وسنواصل مراقبة التطورات الجديدة، وقد نتخذ مزيداً من الإجراءات”.
في المقابل، كتبت هيئة الرقابة الروسية إلى شركة “ألفابيت”، مالكة غوغل، طلباً بشأن إعادة القدرة على الوصول إلى القنوات الإعلامية الروسية، كـ”زفيزدا” و”سبوتنيك” عبر يوتيوب.
وشددت غوغل عقوباتها، أمس الإثنين، على روسيا، وعطلت موقتاً في أوكرانيا بعض أدوات “خرائط غوغل” التي توفر معلومات مباشرة بشأن ظروف حركة المرور ومدى ازدحام الأماكن.
العملاق الصيني، تيك توك، الذي دخل المنافسة في جذب مستخدمي مواقع التواصل متأخراً في عام 2017، جاءت تحركاته بعد ضغوط متزايدة من المفوضية الأوروبية والحكومة الأوكرانية وبعض السياسيين الأميركيين، وذلك بحسب صحيفة “واشنطن بوست”.
وبالمقارنة مع المواقع السابقة، فإن نهج عدم التدخل، الذي اتّبعه تيك توك منذ بداية الأزمة الأوكرانية، لمقاطع الفيديو القصيرة والمضحكة، سمح لمستخدمي الموقع بنشر الأخبار الموالية لروسيا. ومع ذلك، أعلنت إدارة الموقع حجب قناة “روسيا اليوم” (RT)، ووكالة “سبوتنيك” في أوروبا.
الاتحاد الأوروبي يحجب وسائل الإعلام الروسية
الاتحاد الأوروبي، الذي تماشى مع الولايات المتحدة الأميركية في إجراءاتها تجاه روسيا، وفرض العقوبات المشددة على موسكو، تابع سياسة الحصار عبر تقييد وصول وسائل الإعلام الرسمية الروسية إلى سائر الدول الأوروبية.
وأعلن مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون الأمن والخارجية، جوزيب بوريل، أن وزراء خارجية دول الاتحاد وافقوا على حظر قناة “روسيا اليوم” ووكالة “سبوتنيك” الروسيتين في دول الاتحاد.
واتخذ عدد من دول الاتحاد الأوروبي إجراءات ضد وسائل الإعلام الرسمية الروسية، وفرضت إستونيا ولاتفيا حظراً على عدد من القنوات الناطقة باللغة الروسية، رداً على عملية روسيا العسكرية في أوكرانيا.
وتصف رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي، أورسولا فون دير لاين، القنوات الرسمية الروسية بأنها “تنشر أكاذيب الرئيس الروسي، من أجل تبرير حربه ضد أوكرانيا”، على حد وصفها.
وفي السياق ذاته، أعلن التحالف الأوروبي لوكالات الأنباء، الأحد، “التعليق الفوري” لعضوية وكالة “تاس” الروسية في التحالف الأوروبي، وذلك بدعوى انتهاك هدف التحالف، ونشر معلومات منحازة.
إيلون ماسك يمنح أوكرانيا خدمة إنترنت مجانية
الملياردير الأميركي، إيلون ماسك، ركب الموجة الغربية بشأن دعم أوكرانيا تكنولوجياً، بحيث منحها خدمة إنترنت مجانية عن طريق تقنية “ستار لينك”، التي تمتلكها شركته “سبايس أكس”، وذلك بعد أن حثه مسؤول في كييف على توفير محطات تلك الخدمة لبلاده التي تتعرض لغزو روسي.
وأعلن ماسك، في تغريدةٍ نشرها في حسابه في موقع التواصل الاجتماعي تويتر، بدءَ تشغيل خدمات “ستار لينك” في أوكرانيا، وجاءت تلك التغريدة بعد عشر ساعات من مطالبة وزير التحول الرقمي الأوكراني بأن يوفر خدمات الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية لبلاده.
وسائل الإعلام الروسية: اعتدنا العمل في ظروف التضييق من دعاة الحرية
وعلقت مارغريتا سيمونيان، رئيسة تحرير شبكة “روسيا اليوم” ووكالة “سبوتنيك” الروسيتين، في تغريدة عبر تويتر، بأن حظرهما في الاتحاد الأوروبي لن يؤثّر في نشاطيهما، بحيث اعتادتا العمل في ظروف التضييق من دعاة الحرية.
لجنة دعم الصحافيين تستنكر انتهاكات الحق في حرية الصحافة
من جانبها، حذّرت لجنة دعم الصحافيين، (JSC)، من تمادي انتهاك الحق في حرية العمل الصحافي وحرية الرأي والتعبير خلال الأزمة الروسية – الأوكرانية الراهنة، الأمر الذي يشكل اعتداءً مرفوضاً على الحريات العامة التي تكفلها المواثيق والاتفاقيات الدولية والإقليمية، وفي مقدمها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
وعبّرت اللجنة عن دعمها الكامل والمطلق للصحافيين والإعلاميين ووسائل الإعلام، الذين تعرَّضوا للحجب أو التقييد والحرمان من المشاركة في الأخبار، مشددةً على ضرورة تحييد العمل الصحافي عن الصراعات والضغوطات السياسية والأمنية، وتأمين كل سبل الحماية لجميع الصحافيين والعاملين في القطاع الإعلامي، وفق أحكام المواثيق الدولية، التي تكفل بصورة واضحة وصريحة الحق في حرية الرأي والتعبير.
وجدّدت اللجنة استنكارها سياسات الحجب والتعتيم الإعلاميَّين، اللذين تمارسهما عدة دول بحق وسائل الإعلام الروسية، على خلفية المواقف السياسية من الأحداث الجارية بين روسيا وأوكرانيا.
وعبّرت اللجنة عن قلقها من أن تكون هذه الاستهدافات مقدِّمة لفرض “التعتيم الإعلامي” وما يستتبعه من استهدافات وجرائم يرغب في طمسها ومنع نقل صورها وحقيقة أحداثها، مع الانحياز المرفوض للروايات الإخبارية، مطالبةً المنظمات الدولية والحقوقية، وفي مقدمها اليونيسكو والاتحاد الدولي للصحافيين، بالضغط على المعنيين من أجل وقف انتهاكات الحق في حرية العمل الصحافي، وتأمين الحماية اللازمة للصحافيين ومقارّ وسائل الإعلام.
تأتي خطوات حظر مواقع التواصل الاجتماعي، وتقديم مزيد من الدعم التكنولوجي إلى أوكرانيا، بالتزامن مع منع وسائل الإعلام الروسية المؤيدة لسياسات الحكومة من الدخول لمنصاتها أو الإعلان أو تحقيق الأرباح، في انحياز صارخ إلى السياسات الغربية ضد روسيا. فهل أصبحت هذه الشركات والمواقع تحارب حرية الرأي والتعبير من دون أدنى التزام بشأن الأحكام والمواثيق الدولية؟
* المصدر :الميادين نت