مُؤشّرات انعدام ثقة خليجيّة بواشنطن فهل تكون “عودة الترامبيّة” خيارًا؟
هل استقبال الأمير بن سلمان لكوشنر ردًّا على تهميش بايدن؟ وهل من مخاطر ألغت زيارته للصين؟.. الحرس الثوري الإيراني يُؤكّد ترك واشنطن لحُلفائها “بائسين” فيُهاتف الرئيس الأمريكي الملك سلمان وماذا عن استهداف مطار أبها بعد ساعات؟
السياسية – رصد :
حرص البيت الأبيض على الإعلان عن اتصال جمع بين الرئيس الأمريكي جو بايدن، والملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، وجرى في الاتصال بحث إمدادات الطاقة والتطوّرات في الشرق الأوسط، ومنها قضايا إيران، واليمن.
هذا الإعلان الأمريكي، لم يتطرّق إلى أي تواصل يُذكر بين بايدن، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بالرغم أن الأخير يتصدّر المشهد السياسي في بلاده في الأشهر الأخيرة، في مُقابل غياب ملحوظ للعاهل السعودي، وآخرها غيابه عن استقبال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وعن القمّة الخليجيّة، كما غيابه عن استقبال رئيس الوزراء التايلندي.
وفي كل هذه المشاهد حلّ الأمير بن سلمان مكان والده، والذي يبدو أن إصراره على عدم خفض أسعار النفط الذي يُشكّل قلقاً لبايدن، وتقاربه مع الصين في تصنيع الصواريخ البالستيّة، وما يتردّد عن دخول بكين في دعم البرنامج النووي السعودي، لم يدفع الرئيس بايدن إلى رفع سمّاعة الهاتف، ومُهاتفة الأمير الحاكم الفعلي لبلاده، خشيةً من تبدّل تحالفات المملكة نحو روسيا والصين، ويبدو أن الرئيس الديمقراطي مُصرٌّ هو الآخر على الإيفاء بوعوده الانتخابيّة المُتعلّقة بتأديب القادة المُقصّرين فيما يتعلّق بملف حقوق الإنسان، والسعوديّة بالخصوص فيما يتعلّق بجريمة اغتيال الصحافي جمال خاشقجي، وإعلانه عدم رغبته التواصل معهم، فيما أخذ بايدن تصريحاً من الملك سلمان بخصوص النفط، بتأكيد الأخير على توازن أسواق البترول واستقرارها.
توقيت اتصال بايدن رغم تهميشه للأمير بن سلمان، جاء بعد تصريحات الحرس الثوري الإيراني بتخلّي واشنطن عن السعوديّة، والإمارات، وتركهم وفقاً للعميد رمضان شريف “أذلّاء بائسين”، وأنها تدعمهم ما داموا يجلبون النفع لها.
تصريحات إيرانيّة دفعت هُنا ببايدن للتشديد في اتصاله مع الملك سلمان على أن الولايات المتحدة الأمريكيّة مُلتزمة بدعم السعوديّة في الدفاع عن نفسها في مُواجهة هجمات جماعة “أنصار الله” الحوثيّة”.
لكن وللمُفارقة، حيث لم يمض ساعات على تأكيد الالتزام الأمريكي بحماية الحليف السعودي، اختار الحوثيون تجديد استهدافهم للمملكة وإعلان تبنّي للعمليّة، وتحديدًا مطار أبها بطائرات مُسيّرة، نتج عنه إصابة 12 شخصاً بشظايا الطائرة التي اعترضتها الدفاعات الجويّة السعوديّة وسقطت بقاياها في المطار، وهو استهداف مُحرج للسعوديين، والأمريكيين من خلفهم، فيما يُؤكّد قائد القيادة المركزيّة الأمريكيّة الجنرال كينيث ماكنزي أن بلاده تتعاون مع “الشركاء الإقليميين” لتطوير حُلول أكثر فعاليّة لإيقاف الهجمات باستخدام الطائرات بدون طيّار قبل أن يتم إطلاقها، وحتى اللحظة لا يبدو أنه جرى “تطوير تلك الحُلول”، فالاستهداف الحوثي لا يزال مُستمرًّا للسعوديّة، والإمارات، بالطائرات المُسيّرة، والتي لا تتعدّى تكلفة صناعتها 1000 دولار بالنسبة للحوثيين.
اتصال الرئيس بايدن المُعلن هذا مع الملك سلمان، جاء بعد عام من آخر اتصال جمعه مع عاهل السعوديّة وجاء في حينها مع قُرب صُدور تقرير “الإدانة الاستخباري” الأمريكي الذي أدان الأمير بن سلمان، وذكره بالاسم في إعطاء الأوامر والمُوافقة على اغتيال خاشقجي، عام قد يبدو طويلاً لبعض المُراقبين، في حال عقد مُقارنة مع التقارب الأمريكي- السعودي المُتألق في ظل إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وهو الأمر الذي يدفع بعض النخب في الأوساط السعوديّة إلى التحذير من وجود حالة عدم ثقة وتخلّي من الأمريكيين والإدارة الديمقراطيّة الحاليّة تجاه الحلفاء ضمن عدّة مُؤشّرات:
الأوّل: تركهم لاستهداف الحوثيين، رغم تواجد القواعد الأمريكيّة على الأراضي السعوديّة، والإماراتيّة، كما تصريحات بايدن بصُعوبة إنهاء حرب اليمن، وهو ما يعني تعمّد استنزاف قوّات التحالف وعاصفة حزمها، مع الإشارة إلى أن الحوثي كما صرّح المُتحدّث باسم الحركة، لا يستضيف معارض، وفعاليّات، ولا تقوم دولته على الاقتصاد والترفيه، واستمرار الحرب لا تضرّه اقتصاديّاً.
الثاني: تخلّي أمريكي صارخ وواضح عن الحليف الأفغاني الرئيس أشرف غني، حينما نجحت حركة طالبان بالسيطرة على أفغانستان، والقضاء على الجيش المُدرّب أمريكيّاً، ومشهد الانسحاب الفوضوي الشهير في مطار كابول، وهو مشهد أثار القلق في نفوس قادة الخليج، وتحديدًا من يضعون بيضهم كلّه في السلّة الأمريكيّة.
الثالث: الرغبة والإمكانيّة الأمريكيّة مُتوافرة في تبديل الحُلفاء، كما الاستغناء عنهم، فالبيت الأببض استقبل الأمير القطري تميم بن حمد، وبات حليفاً استراتيجيّاً لدور بلاده في تأمين الغاز مع مخاوف اندلاع حرب غزو روسيا لأوكرانيا، فيما لا يزال مُنافسه الأمير بن سلمان ينتظر اتصال ساكن البيت الأبيض.
الرابع: بالرغم من تقديم واشنطن نفسها كحامية لأوكرانيا ضد روسيا، لكنها وفي تخلّي واضح عنها حال غزوها من موسكو، صرّح بايدن بأن إرسال قوّات أمريكيّة إلى أوكرانيا لردع غزو روسي “غير مطروح”، ليقتصر الأمر على التلويح بعُقوبات اقتصاديّة على روسيا، وهو الأمر الذي يُضاعف من مخاوف دول الخليج على أمنها واستقرارها وحمايته أمريكيّاً، فأمريكا لم تعد راغبةً بلعب دور شرطي العالم، وأمام الخسائر التي مُنيت بها في العراق، وأفغانستان، ونيّتها الانسحاب الكامل من الشرق الأوسط للتفرّغ للنفوذ الصيني والروسي المُتعاظم.
هذه المُؤشّرات، دفعت بقادة الخليج إلى البحث عن بدائل، دفعت ببعضهم إلى حضور حفل افتتاح دورة ألعاب الأولمبياد الشتويّة في بكين، وكان من بينهم ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، والأمير محمد بن سلمان الذي غاب بشكلٍ مُفاجئ عن الافتتاح، وصمتت بلاده عن التوضيح رغم ورود اسمه بين الحاضرين، فيما أوضحت الصين أن سبب غيابه هو ارتباط بجدول أعماله، وهو ما يطرح تساؤلات حول أسباب هذا الغياب، فجدول أعمال الأمير من الصعب أن يمتلأ قبل ساعات من تأكيد حضوره، ما يفضي إلى وجود أسباب أمنيّة داخليّة، أو مخاوف من طول رحلته إلى الصين في ظل حالة تململ شعبيّة وفي أوساط عائلته تجاه سياساته تُوثّقها تقارير غربيّة، أو امتعاض أمريكي من زيارته للمُنافس الصيني، منعت حُضوره بهذا الشكل المُفاجئ، وهو الذي لاقى ترحيباً لافتاً من الصينيين، مع اقتصار أسفاره على دول خليجيّة، وأخرى عربيّة.
السّير للأمام تبدو خطوات صعبة بالنسبة لولي عهد السعوديّة، فأمريكا ودول أوروبا، لا تبدو معنيّةً في زيارته لها، كما أن بعض الشركات المعنيّة في تنظيم الاحتفالات كما ذكرت “الغارديان” تعمل بالسّر على الأراضي السعوديّة خوفاً على سُمعتها، والأمر يبدو سيّان للدول الغربيّة التي ما انفكّت شُعوبها عن التظاهر تنديدًا بجريمة خاشقجي، وحرب اليمن، والعامل المُشترك بينها الأمير محمد بن سلمان، يُعوّل الأمير هُنا فيما يبدو على الماضي، ويخطو باتجاه الخلف، وتُشير الأنباء بأنه أجرى مستشار الرئيس الأميركي السابق جاريد كوشنر محادثات مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وكبار المسؤولين في شركة “أرامكو” في الأسابيع القليلة الماضية، وفق ما قالت وكالة “بلومبرغ” للأنباء، وبالرغم أن المذكور لا يشغل مناصب حاليّة في بلاده، فهل باتت خيارات الأمير بن سلمان محصورةً ومُعلّقة بترامب ومُستشاره، أملاً في عودتهما في الانتخابات الرئاسيّة الأمريكيّة القادمة، ثمّة من يقول بأن الترامبيّة عائدة، وبقُوّة، ووحدها من تُنصّب ملكاً، وتفتح أبواب البيت الأبيض له، فهل جاءت هذه اللقاءات ردًّا على تهميش بايدن للأمير الشاب!.
* المصدر : رأي اليوم – خالد الجيوسي
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع