“برعاية الشرطة”.. اختطاف أطفال المهاجرين لصالح عائلات سويدية تجني من ورائهم مبالغ طائلة
السياسية – رصد :
أنت مهاجر! سبب كافٍ لأن تكون تحت دائرة الخطر وأن تعيش في ترقب دائم وخوف من أن تسحب منك الحكومة أحد أطفالك ما إن أظهر ضجراً أو حزناً أو حاولت تأديبه بطريقة غير مناسبة.
تتبع الحكومة في السويد قانوناً مفاده أن الأسرة غير المؤهلة لتربية الأطفال، تلك التي يتعرض فيها الطفل لأي تعنيف جسدي أو لفظي أو ايذاء نفسي، فهو تحت تصرف الدولة، تمنحه لأي أسرة حاضنة تراها أنسب لرعاية الأطفال.
كيف يحدث هذا؟ دون تحقيق، بلاغ صغير حتى ولو كيدياً- تقول أسر الأطفال- كافٍ وكفيل بدخول قوة مدججة بالسلاح وسحب الطفل وإخوته إن وُجدوا؛ لتوزيعهم على أسر أولى وأجدر بالرعاية “كما ترى الحكومة”.
قضية قديمة متجددة، عاد الضوء إليها مرة أخرى بعدما نشر أب سوري يدعى دياب طلال، في 13 يناير/كانون الثاني، مقطعاً مصوراً يشكو من حرمانه من أطفاله، متهماً إدارة الشؤون الاجتماعية بالسويد “سوسيال” بـ”خطف” الأطفال، ليسلط الضوء على القضية التي يعاني منها عشرات آلاف اللاجئين والمهاجرين في أوروبا.
استغاثة طفل..
استغاثة وصلت إلى “عربي بوست” من الطفل السوري موسى الجعمو (11 عاماً)، الذي ظهر في مقطع مصور حصلنا عليه، وهو يطلب إعادته إلى أسرته بعدما تم إبعاده عنها بحجة تعرضه للتعنيف. حاول الطفل الهروب من الأسرة الحاضنة ولكن الشرطة السويدية أعادته إليها مرة أخرى، ولايزال يحاول هو وأسرته التواصل مع المنظمات الحقوقية؛ للضغط على الحكومة حتى تعيده إلى عائلته، دون جدوى.
مكاسب خيالية من وراء احتجاز الأطفال
تواصَل فريق “عربي بوست” مع مجموعة من المحامين بالسويد ومع أسر الأطفال الذين سحبت الدولة منهم أبناءهم، لمعرفة المزيد من التفاصيل عن القضية.
تقول الحقوقية زينب لطيف، منسقة مجموعة Barnens rättigheter لحقوق الأطفال، لـ”عربي بوست”، إن دائرة الشؤون الاجتماعية “السوسيال” والأسر الحاضنة يحققان مبالغ طائلة شهرياً نظير عملية اختطاف الأطفال تلك، مكاسب لا يمكن النظر إليها دون اعتبار.
إذ إن المسؤولين ينتفعون من تسليم الأطفال إلى أسر محتضنة، تدفع الدولة للأسر السويدية مبالغ كبيرة نظير استضافتهم الأطفال، تصل في بعض الأحيان إلى 7 آلاف دولار على الطفل الواحد، ويزيد المبلغ إذا استطاعت الأسرة إثبات أن الطفل يعاني أمراضاً نفسية تحتاج إلى علاج أو أعراض توحُّد، أموال يستفيد منها أيضاً المسؤولون الذين من المفترض أنهم يوكلون مهمة الاحتضان إلى هذه الأسر.
ما قالته لطيف كان قد أشار اليه السياسي السويدي أوفه سفيدين، في كتابه “تجارة الأطفال المربحة”، والذي اتهم فيه قيادات في المؤسسة بالاتجار في الأطفال واستغلالهم جنسياً.
وقال الكتاب السياسي السويدي اوفيه سفيدين، في تصريحات له، في أثناء اجتماع مع أعضاء حزب الوسط، إن السويد من أكثر دول العالم فساداً، وأضاف إنه تتبع عمل دائرة الشؤون الاجتماعية سنوات طويلة واكتشف خروقات خطيرة في عملها مثل اختطاف الأطفال من المدارس دون علم الوالدين، والتحقيق معهم بعيداً عن منزل الأسرة، إضافة إلى استغلال بعض قيادات “السوسيال” للأطفال جنسياً.
“خطف برعاية الشرطة”؟
يحدث ذلك كله، وفق مصادر، بدعم من المحاكم الإدارية، يوفر لـ”السوسيال” خدمة النقل البوليسية باختطاف الأطفال مباشرة من المدرسة، وبدون علم الوالدين، ويوضعون في منزل تحقيق أو منزل رعاية بعيداً عن منزل الطفل.
يشير سفيدين- وهو نائب سابق في البرلمان السويدي- إلى أنه يمكن فيما بعد، استخدام الأطفال المختطفين كعمال غير مدفوعي الأجر في مزرعة، أو بيعهم لمدمني الجنس، أو لمشتهي الأطفال من الأثرياء، أو يتم استخدامهم كفئران تجارب في صناعة المستحضرات الصيدلانية.
ويذكر أن عدد الأطفال المختطفين في السويد يبلغ نحو 28 ألفاً كل عام، يُختطفون حسب قانون رعاية الشباب المُسمى LVU.
وتابع أن البلديات تكسب عشرات الآلاف من الكرون السويدي شهرياً، وتذهب معظمها إلى جيوب خاصة عبر منازل الرعاية “HVB”، التي هي منازل مملوكة للقطاع الخاص أو مملوكة للبلديات أو تعمل بشكل تعاوني بإدارة عدة بلديات.
فالسبب وراء إمكانية استمرار تجارة الأطفال في السويد، أنها تجارة مربحة للبلديات، فهم يتلقون أموالاً من الخزينة العامة، وزيادةً على ذلك، لا يستطيع الأطفال أنفسهم توجيه الانتقاد للبلدية، كما أن الآباء أنفسهم غالباً ما يعانون من الصدمة ولا يجرؤون على توجيه الانتقادات؛ نظراً إلى أنهم مهاجرون.
تعاون خطير بين “السوسيال” والشرطة..
وكشف سفيدين عن ما أسماه بالتعاون الخطير بين “السوسيال” والشرطة والقضاء، حيث أكد أن الشرطة تطارد الأسر التي تحاول استرداد أطفالها
ويُرجع ذلك إلى وجود أدلة واضحة تؤكد إهمال العائلة لأطفالهم، أو غياب المؤهلات النفسية أو العقلية التي تتيح للأهالي تقديم الرعاية المطلوبة لأطفالهم.
خروقات واضحة للقانون
حسب حقوقيين سويديين فإنه ووفق القانون فإن الطفل ينبغي أن يسلَّم إلى أهله مرة أخرى بعد فترة تأهيل تسميها الحكومة وفق القانون “أسرع فترة ممكنة”، لكن الواقع أن عدداً من الأسر لم تلتقِ أطفالها منذ ما يقرب من 7 سنوات وربما أكثر، خاصةً هؤلاء الذين فصلتهم الدولة عن ذويهم في أعمار صغيرة، فليست لديهم وسيلة اتصال بعائلاتهم ولم تتمكن الأسر من معرفة بيانات عن العائلات التي احتضنتهم، ما يعد خرقاً آخر للقانون الذي يكفل للأسرة حق الرؤية.
تتخوف الأسر العربية من أن يتحول الأمر إلى ما يشبه الضبطية القضائية، فمن يختلف مع عائلة أو أسرة من السهل أن يشي بهم لـ”السوسيال” بأنهم غير مؤهلين للتربية، بلاغ بسيط ويتم فصل الأطفال عن عائلتهم دون تحقيق، عكس ما ينص عليه القانون.
ويوجه خبراء وحقوقيون العديد من الانتقادات لممارسات العديد من المؤسسات الأوروبية في ما يتعلق بأخذ الأطفال عنوة من أهلهم، ويشير مراقبون إلى انتشار حالات تتجنب فيها العائلات المهاجرة في أوروبا اصطحاب أطفالها إلى المستشفيات أو الأطباء النفسيين؛ وذلك خشية أي إبلاغ قد تقدمه تلك الجهات إلى مؤسسات رعاية الطفل التي تأخذ بدورها الأطفال عنوةً من أهلهم دون التثبت من حقيقة وضع الطفل، الأمر الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى تأثر صحة الطفل كنتيجة غير مباشرة لممارسات منظمات حقوق الطفل.
سحب أطفال دون تحقيق
الأمر ذاته كان قد لفت إليه السوري طلال دياب حين قال: “أصبت أنا وزوجتي بحالة من الاكتئاب، في أحد الأيام شاهدتْ إحدى جارتنا زوجتي في غرفة الغسيل المشتركة تبكي، فقامت بالاتصال بمكتب السوسيال الذي قام بمتابعة الموضوع والتحقيق مع الأطفال في المدرسة؛ لمعرفة ما إذا كانوا تعرضوا للضرب أم لا بدعوى أنها غير مستقرة نفسياً، وحينئذ قالت لهم ابنتي ضُحى إن أمي ضربتني”.
وأضاف: “بعد أربعة أيام تم استدعاء جميع أفراد العائلة إلى مكتب السوسيال؛ للتحقيق معنا، ووضعوا الأطفال في غرفة الألعاب، وبعد التحقيق اكتشفنا أن لغرفة اللعب باباً آخر قاموا بسحب الأطفال عبره، وأخبرونا بأنهم سوف يضعون الأطفال في دار الحماية؛ لاستكمال التحقيقات”.
وضع “السوسيال” أطفاله تحت الرعاية، وبعد 3 سنوات حين أنجبت زوجته طفلاً آخر، تم سحبه من المشفى بعد ساعات من وضعه، دونما حتى السماح لوالدته بإرضاعه.
الحكومة تردُّ
“يحق لجميع الأطفال في السويد التمتع بطفولة آمنة، الدولة لا تريد فصل الطفل عن أسرته. يحدث هذا إذا اتضح وثبت أن هناك خطراً على الطفل، والقرار النهائي بشأن الأطفال ليس في أيدي الخدمات الاجتماعية، ولكن في يد القضاء. هذا لا يعني انقطاع الاتصال بالوالدين، وهناك حالات يعود فيها الأطفال إلى عائلاتهم”.
كان هذا هو الرد الرسمي الذي ورد على الصفحة الرسمية للحكومة والناطقة باللغة العربية، على الاتهامات التي وردت إليها من قِبل أسر الأطفال ومحاميهم وبعض الساسة والصحفيين.
وأضاف الحساب أن الناس ربما شاهدوا جانباً واحداً فقط من القصة، وأنه بينما لم يكن من الممكن التعليق على حالات فردية، “ينصبُّ التركيز الأساسي على عدم تعرض الطفل للأذى الجسدي أو النفسي”.
ورداً على الرد الرسمي قام العديد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الغاضبين بالتغريد تحت وسم “السويد دولة فاشية” باللغتين العربية والإنجليزية؛ لتسليط الضوء على القضية، في حين تقول محامية سويدية لـ”عربي بوست”، إن المحكمة وخلال الأعوام الخمسة الماضية، لم تمنح الحق في عودة الأطفال إلى ذويهم إلا في 2% فقط من القضايا المنظورة أمامها.
حاولنا التواصل مع الحكومة السويدية؛ للرد على هذه الاتهامات، ولم يتسنَّ لنا الحصول على رد حتى نشر هذا التقرير.
جميع الأطفال في #السويد لهم الحق في طفولة آمنة. لا تريد الدولة أن يفرق طفل عن أسرته، يحدث ذلك إذا تبين وأُثبت وجود خطر على الطفل، القرار النهائي بخصوص الأطفال ليس بيد الخدمات الاجتماعية بل بيد القضاء وهذا لا يعني انقطاع الاتصال مع الأهل ويوجد قضايا يعود الأطفال فيها لعائلاتهم.
الرعاية مثل المافيا
كانت الصحفية السويدية توف كارلسون، مؤلفة كتاب “السلطة على الأطفال-الخدمة الاجتماعية”، قد أشارت إلى أن قانون الخدمات الاجتماعية الحالي قد دخل حيز التنفيذ في عام 1982.
وكان الغرض منه هو البناء على الطوعية أكثر من القوانين التي حلت محلها، على ألا يتم استخدام التدابير القسرية إلا في حالات الطوارئ القصوى، كان الهدف المعلن للقانون هو تقليل عدد الرعاية غير الطوعية للأطفال.
كان القانون يخدم بشكل أساسي، العائلات التي تتقدم بطلب يفيد بأنها غير جاهزة للتعامل مع الطفل، سواء لأسباب نفسية، أو اجتماعية، أو أسرية، بعدها يُنظر إلى الطلبات؛ ومن ثم توافق الحكومة على أخذ الطفل بناءً على طلب من الأسرة، لكن الآن ما يحدث هو العكس؛ وهو ما قد يدفع بعض الأسر إلى التنازل عن أطفالهم؛ حتى يتمكنوا من رؤيتهم بدلاً من أن تجبرهم الدولة على تركهم، وفي هذه الحالة يتم منحهم لأسرة لا تستطيع الأسرة الأصلية التواصل معها.
لا تزال عشرات الآلاف من الأسر مهدَّدة بالقانون ذاته، وفي ظل التحرك الحكومي والأممي الطفيف في مواجهة كل هذه الشكاوى، لن تصل الأزمة ربما إلا إلى طريق مسدود.
المادة الصحفية : تم نقلها حرفيا من موقع عربي بوست