السياسية:

أصبح على رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك الذي أعيد لمنصبه بعد انقلاب عسكري أن يحل معضلة سياسية إذا كان له أن يحقق طموحه بتشكيل حكومة تضمن للمدنيين القيام بدور في مرحلة الانتقال العاصفة من حكم الفرد إلى الديمقراطية.

ولإنقاذ الانتقال السياسي، وكذلك سُمعته، يحتاج حمدوك الخبير الاقتصادي صاحب النبرة الهادئة لتأكيد استقلاله عن قيادة الجيش التي فرضت عليه الإقامة الجبرية واعتقلت بعضاً من أعضاء حكومته السابقة لعدة أسابيع قبل التوصل لاتفاق معه الشهر الماضي يقضي بعودته لترتيب الانتقال السياسي.

هل ينجح حمدوك بإعادة رسم المسار السياسي للسودان؟

ذكر عربي بوست وفقا لما قالته وكالة رويترز إنه من المحتمل أن يؤدي فشل حمدوك في تلك المهمة إلى مزيد من الاضطرابات في السودان الذي ينذر بتعليق الدعم الاقتصادي الدولي له باختلال مالي في وقت يحتاج فيه ما يقرب من ثلث سكان البلاد لمساعدات إنسانية، كما أن تجدد القلاقل يهدد بزعزعة استقرار الأقاليم بما فيها دارفور ومنطقة الحدود الشرقية مع إثيوبيا.

كان الاتفاق الذي أبرمه حمدوك مع قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان قد أثار انتقادات واسعة. فقد أغضب حركة احتجاجية كبيرة تطالب بالديمقراطية منذ الإطاحة في 2019 بالرئيس عمر البشير كما أنه أبعد فصائل سياسية كانت تشارك الجيش في السلطة.

في السياق، يقول خالد عمر يوسف، وزير مجلس الوزراء، في مقابلة مع رويترز، إن “اتفاق البرهان-حمدوك هو شرعنة للمقاتل ولن يصمد وسوف ينهار سريعاً. وندعو حمدوك الذي ارتكب خطأ كبيراً بأن يعود إلى جانب الثورة والشعب”، حسب تعبيره.

في الوقت الذي يحاول فيه وسطاء رسم مسار يعود بالسودان إلى مسيرة الانتقال الديمقراطي بتصور جديد نددت حركة الاحتجاج بالقوات المسلحة في الشوارع تحت شعار “لا تفاوض لا مساومة لا شراكة”.

ورغم الإفراج عن كبار المعتقلين السياسيين يقول ناشطون إن آخرين محتجزين خارج العاصمة الخرطوم لا يزالون خلف القضبان.

وفي تجمع شعبي يوم الإثنين في الخرطوم بحري شمالي النيل الأزرق، قال عدد من المتظاهرين إنهم لا يعترضون على حمدوك شخصياً، لكنهم سيواصلون مسيرتهم حتى يبتعد الجيش عن السلطة مهما حدث للاقتصاد السوداني.

قال عسجد عمر لرويترز: “بصراحة حمدوك وحتى فترة معينة، كنا نعتبره جزءاً منا وبمجرد أن أصبح في جانب العساكر الموضوع بالنسبة لنا أصبح أي اتفاق معه أصبح غير مُجدٍ”.

وزارات سودانية خالية من المناصب والمسؤولين

أصدر حمدوك قرارات بتجميد أو إلغاء تعيينات نصّبت مسؤولين قدامى من عهد البشير خلال الفترة بين الانقلاب وعودته لمنصبه، لكن الغموض يلف مدى النفوذ الذي يمكن للإصلاحيين استعادته في الجهاز الإداري للدولة.

فقد أبدى بعض كبار المسؤولين الذين عُينوا في مناصب خلال الانتقال السياسي رفضهم للعودة في حين لم يبتّ آخرون في الأمر وهو ما يزيد الغموض الذي يكتنف وزارات أصبحت خالية إلى حد كبير.

يقضي الاتفاق بأن يعين حمدوك وزراء من الكفاءات في حكومة جديدة. غير أن “التحالف المدني” الذي وُلد من رحم الانتفاضة على حكم البشير مستبعد من المشاركة في الحكومة في حين من المتوقع على نطاق واسع أن تحتفظ أحزاب سابقة متحالفة مع الجيش بالمناصب التي اكتسبتها من خلال اتفاق سلام تم توقيعه في 2020.

وقد أبدى جبريل إبراهيم، الذي أصبح وزيراً للمالية بعد أن وقعت حركة العدل والمساواة التي يرأسها ذلك الاتفاق، تأييده للجيش قبل الانقلاب واستمر في أداء دوره في الوزارة بعده.

فيما عيّن الجيش مجلساً سيادياً جديداً لحكم البلاد وسقط اتفاق مبرم عام 2019 لتسليم السلطة من الجيش إلى قيادة مدنية تقود الفترة الانتقالية قبل إجراء انتخابات في 2023.

“حمدوك قد يستقيل إذا لم يحصل اتفاقه مع الجيش على تأييد سياسي”

من جهتها، قالت خلود خير من شبكة “إنسايت استراتيجي بارتنرز” وهي مؤسسة بحثية مقرها الخرطوم، إن حمدوك “وضع نفسه في وضع معقد للغاية ومقيد للغاية”، مضيفة أن “ما يحتاج إليه حمدوك على وجه السرعة هو مجلس وزراء فعّال يمكن للناس الوقوف خلفه”.

لم يتسنَّ الاتصال بحمدوك للتعليق غير أن مصادر مقربة منه قالت لرويترز إنه سيستقيل إذا لم يحصل اتفاقه مع الجيش على تأييد سياسي.

وقد أشار البرهان إلى أنه لا رجوع عن الإصلاحات الاقتصادية، وقال لرويترز إن تحقيقاً بدأ فيما حدث من خسائر في الأرواح خلال الاحتجاجات. غير أن الانقلاب جمَّد خططاً كبرى للتنمية.

ولا تعمل معظم المراكز الأساسية للرعاية الصحية بل إن مياه الصرف الصحي تتدفق من أنابيب مكسورة في طرقات الأحياء الراقية في الخرطوم.

يقول دبلوماسيون إن الوقت محدود أمام حمدوك، الذي اشتهر بالسعي إلى التوافق من خلال مشاورات مطولة، للفوز بتأييد الشارع وإثبات أنه لا ينفذ ببساطة ما تطلبه منه مؤسسة عسكرية لها تاريخ في القيام بالانقلابات. وقال أحد الدبلوماسيين متسائلاً: “حتى إذا حدثت العودة إلى الطريق السليم، كيف لأحد أن يثق أن ذلك لن يحدث من جديد؟”.