القتل الأمريكي للمدنيين في سوريا… الأسباب والتداعيات
السياسية :
الولايات المتحدة الأمريكية وحتى تاريخ اللحظة لم تستطع أن تحسم أي نصر لصالحها إن كان في سوريا أو العراق أو أي دولة من دول الشرق الأوسط، ونتيجة لفشلها المستمر نجدها تتجه يوما بعد يوم نحو المبالغة والإفراط باستخدام العنف، كما تفعل في سوريا الأمر الذي أدى إلى تعميق الأزمة الإنسانية من خلال نزوح المزيد من الملايين داخل وخارج سوريا ومقتل المزيد من الآلاف حياتهم.
قبل يومين أعلن البنتاغون أنّه فتح تحقيقاً جديداً في غارة جوية أسفرت عن مقتل مدنيين في سوريا في 2019، في خطوة تأتي بعد أسبوعين من تحقيق صحافي نشرته “نيويورك تايمز” واتّهمت فيه الجيش الأميركي بأنّه حاول التستّر على وجود ضحايا غير مقاتلين في عداد قتلى الغارة.
وقال المتحدّث باسم البنتاغون جون كيربي إنّ وزير الدفاع لويد أوستن كلّف الجنرال في سلاح البرّ مايكل غاريت “إعادة النظر في التقارير المتعلّقة بالتحقيق الذي سبق وأن أُجري في هذه الحادثة” التي وقعت في 18 آذار/مارس 2019 في بلدة الباغوز في شرق سوريا.
ووفقاً للتحقيق الذي أجرته صحيفة “نيويورك تايمز” فإنّ قوّة أميركيّة خاصّة كانت تعمل في سوريا وتحيط عملياتها أحياناً بسريّة بالغة أغارت ثلاث مرات في ذلك اليوم على مجموعة من المدنيين قرب بلدة الباغوز، آخر معقل لتنظيم الدولة الإسلامية في حينه، مما أسفر عن مقتل 70 شخصاً بينهم نساء وأطفال.
وأوضح كيربي أنّ الجنرال غاريت الذي كان قائداً للقوات البريّة العاملة في الشرق الأوسط، وهو منصب لم يغادره سوى قبل أيام قليلة من الضربة الجوية، سيجري خلال مهلة أقصاها 90 يوماً مراجعة لا تشمل الضربة فحسب وإنّما أيضاً الطريقة التي أجري فيها التحقيق الأولّي بشأنها وكيفية إبلاغ التسلسل الهرمي العسكري بحيثياتها.
بكل الأحوال كل هذه التحقيقات التي تقوم بها واشنطن لا تساوي الحبر الذي كتبت به، فجميع ما تكتبه الادارة الأمريكية وتنشره ما هو إلا حق أريد به باطل، فهي لاتزال متواجدة على الاراضي السورية بطريقة غير شرعية، وتقتل المدنيين كل يوم، تحت ذريعة محاربة “داعش” وهي في الحقيقة تحارب كل من يقف في وجه داعش لانها تريد احلال الفوضى وابقائها في سوريا بشكل دائم ومستمر.
على سبيل المثال أين تذهب اسلحتها التي تقوم بإدخالها إلى سوريا. الواضح أنها انتهت بيد المتطرفين، الذي يقتلون بدورهم المدنيين السوريين.
الولايات المتحدة اتخذت من تواجدها في وسرا ذريعة لمكافحة الارهاب، لكن فشلها العلني تحول إلى كارثة على رؤوس المدنيين السوريين.
إن التدخل العسكري الأمريكي فشل في تحقيق مآربه المعادية لسورية وعلى واشنطن الآن أن تواجه الواقع إذ أن سورية انتصرت وعلى صناع القرار الأمريكيين التعامل مع هذه الحقيقة، ناهيكم عن زيف خطابات رؤساء الولايات المتحدة وتصريحاتهم المستمرة بالانسحاب والتي لم نرى منها شيء على ارض الواقع.
وكان تحقيق أوّلي أجرته القيادة المركزيّة الأميركيّة “سنتكوم” التي تشرف على العمليات العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط خلص إلى أنّ الغارة الجوية التي استهدفت الباغوز في ذلك اليوم تمّت في إطار “الدفاع المشروع عن النفس” وكانت “متناسبة” و”اتّخذت خلالها خطوات ملائمة لاستبعاد إمكانية وجود مدنيين”.
وأضاف التحقيق الأولي أنّ بعضاً من النساء والأطفال “سواءً بناءً على عقيدة تلقّنوها أو على خيارهم الشخصي، قرّروا حمل السلاح في هذه المعركة وبالتالي لم يكن بالإمكان اعتبارهم محض مدنيين”.
وبحسب “نيويورك تايمز”، فإنّ الغارة شنّتها وحدة القوّات الخاصّة “تاسك فورس 9” بطلب من قوّات سوريا الديموقراطيّة.
ووفقاً لسنتكوم فإنّ “موقعاً لقوات سوريا الديموقراطية كان تحت نيران كثيفة ومعرّضاً لخطر الاجتياح، ما استدعى غارات جوية دفاعية على مواقع مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية”، مضيفاً أنّ قوات سوريا الديموقراطية وقوات العمليات الخاصة على الأرض لم تبلغ عن وجود أيّ مدنيّين في المنطقة.
وفي آذار/مارس 2019 أعلن كلّ من قوات سوريا الديموقراطية التي يقودها الأكراد والتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة إسقاط “دولة الخلافة” التي أقامها تنظيم الدولة الإسلامية وذلك بعد أن دحر آخر مقاتلي التنظيم الجهادي من آخر معقل له في بلدة الباغوز في شرق سوريا.
لا تكف الولايات المتحدة الأمريكية التحريض على سوريا بشتى الوسائل، فلا تستطيع الادارة الأمريكية استيعاب فكرة أن سوريا تمكنت من الخروج من الحرب منتصرة بعد عشر سنوات دمر خلالها الارهاب بالتعاون مع واشنطن غالبية البنى التحتية السورية ولا ننسى أن القوات الأمريكية تتواجد على الأراضي السورية وتحتل هذه الاراضي وتعمل على توسعة قواعدها بطريقة غير شرعية ودون اذن من احد.
أما الأمر الأكثر اغاظة بالنسبة للادارة الامريكية فهو حجيج دول العالم نحو سوريا، خاصة تلك التي كانت لا تريد تطبيع العلاقات مع سوريا، وفي النهاية وجدت هذه الدول أنه لا مفر من التعاون مع سوريا، ومنها الامارات التي اعادت فتح سفاراتها وهاهي السعودية تسير على نفس الطريق بعد قطيعة طويلة مع سوريا.
الإدارة الأمريكية مدركة لخطورة هذا الموقف لأن عودة العلاقات بين هذه الدول وسوريا هو بمثابة انتصار للدولة السورية، ومن هذا المنطقل ورغبة منها في تحذير الدول من اعادة العلاقات مع سوريا، جددت واشنطن “الرفض القاطع لتطبيع” علاقاتها مع سوريا، وأرجعت ذلك إلى “الجرائم والفظائع الإنسانية” التي ارتكبت في السنوات العشر الماضية.
بعد كل هذا التدخل وكل هذا الاجرام بحق السوريين وجدت الادارة الامريكية أنها خاسرة هي وحلفائها، وأن كل ما دفعته من تكاليف لم يحقق ما كانت تبحث عنه، ومصدر القلق الجديد لها اليوم هو توافد الدول الاعادة علاقاتها مع سوريا.
* المصدر : الوقت التحليلي