هل يعتزم الرئيس بايدن التنحي عن منصبه؟
السياسية – رصد:
أثارت الزيارة الغامضة لمدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، ويليام بيرنز، لموسكو، ومحادثته الهاتفية الأكثر غموضا مع الرئيس الروسي، زوبعة من التخمينات والافتراضات شديدة الجرأة.
للتذكير، فقد التقى السفير الأمريكي السابق إلى موسكو، ومدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية حاليا، ويليام بيرنز، سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي، نيكولاي باتروشيف، ورئيس جهاز المخابرات الخارجية، سيرغي ناريشكين، في الثاني من نوفمبر بالعاصمة الروسية موسكو. قبل ذلك بقليل، طلبت نائبة وزير الخارجية الأمريكي، فيكتوريا نولاند، زيارة موسكو.
فما الذي يحدث الآن في العلاقات الأمريكية الروسية، ويحمل طابع الأمور الملحة لدرجة أن كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية، واحدا تلو الآخر، يطلبون زيارة موسكو؟
كما أذكر أيضا بتصريح المتحدث باسم “البنتاغون”، جون كيربي، في 5 نوفمبر الجاري، الذي وصف فيه نشاط الوحدات العسكرية الروسية بأنه “غير عادي”.
رسميا، أعلنت واشنطن عبر شبكة “سي إن إن” أن الغرض من زيارة مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية هو “تحذير” الجانب الروسي من أن “الولايات المتحدة الأمريكية تراقب عن كثب حشد القوات الروسية بالقرب من الحدود مع أوكرانيا”. الصياغة نفسها تثير ابتسامة: ترى هل تلمح واشنطن إلى أن اقتراب الدبابات الروسية من العاصمة الأوكرانية، كييف، يعني أن تنتظر موسكو من المسؤولين في البيت الأبيض ألا يناموا آناء الليل وأطراف النهار، ممن سيراقبون بكل اهتمام هزيمة أوكرانيا؟ وهل تعتزم واشنطن عمل شيء بهذا الصدد، أم ستكتفي بـ “المتابعة بقلق بالغ”؟
على أي حال، فقد نفت موسكو، بطبيعة الحال، مثل هذه التقارير وسخرت منها.
حتى كييف، التي عادة لا تفوت أي فرصة لإعلان “العدوان الروسي”، دحضت على الفور تصريحات واشنطن. ووصف سكرتير مجلس الأمن القومي والدفاع في أوكرانيا، أليكسي دانيلوف، نشر الدبابات الروسية على حدود أوكرانيا بالمعلومات المضللة. وأكد كلماته بشأن عدم وجود تهديدات رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الأوكرانية، سيرغي شابتالا.
زيادة في الاحتياط، وبعد اجتماعات موسكو، تواصل ويليام بيرنز مع الرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي، لـ “تخفيف حدة التوتر”، بمعنى أنه فيما يبدو اقترح على كييف ألا تأخذ على محمل الجد السبب الرسمي لزيارته، وألا تخاف من هجوم روسي محتمل.
أي أنه إذا تمت مناقشة أوكرانيا خلال الزيارة، فمن الواضح أنها لم تكن القضية الرئيسية أو موضوعا ساخنا للنقاش، كانت مجرد تمويه لإخفاء الغرض الحقيقي من الزيارة.
من جانبها، عرضت موسكو رواية أخرى لسبب الزيارة، وهو بحث المأزق المحيط بالبعثات الدبلوماسية بين البلدين. فكما نعلم، توقفت واشنطن عن إصدار التأشيرات في روسيا، واستولت على عدد من المنشآت الدبلوماسية الروسية في الولايات المتحدة الأمريكية، وتبادل البلدان تقييد أنشطة البعثات الدبلوماسية إلى الحد الأقصى. رغم أن ذلك لا علاقة له من قريب أو من بعيد بمدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، ولا يعد الأمر ملحا لهذه الدرجة.
كذلك اقترح بعض المعلقين الروس الاستعدادات الطارئة لاجتماع جديد بين بوتين وبايدن كتفسير لسبب الزيارة. إلا أن آخر المعلومات تشير إلى عدم إمكانية عقد اجتماع بحلول نهاية العام سوى عن طريق الفيديو، على أن تكون المقابلة المحتملة وجها لوجه فقط العام المقبل. أي أنه لا داعي للعجلة بهذا الشأن.
لكن جميع هذه الروايات تحطمت على صخرة المحادثة الهاتفية بين بوتين ومدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، التي حدثت خلال زيارة الأخير إلى موسكو، والتي أعلن عنها المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، يوم أول أمس 8 نوفمبر الجاري. بل إن المحادثة نفسها تتجاوز البروتوكول الدبلوماسي، حيث يمكن أن يكون تعامل رئيس الدولة فقط مع نظيره الرئيس، باستثناء حالات إرسال بعض رسائل الطوارئ وجهاً لوجه. أي أن أعلى سلطة في البلاد تتواصل فقط مع أعلى سلطة في الجهة المقابلة، إذا ما كنا نتحدث عن شركاء متساويين في الحوار، وهذا ما تصر عليه موسكو دائما.
أود الإشارة أيضا إلى أنه قبل وأثناء زيارة ويليام بيرنز، التزمت موسكو بجميع القيود الصارمة للبروتوكول فيما يتعلّق بمستوى الاجتماعات، وحافظت على موقف هادئ للغاية تجاه جميع مظاهر الاهتمام من قبل واشنطن، على الرغم من جهود الأخيرة.
لكن شيئا ما تغير بعد أن أبلغ ويليام بيرنز موسكو بشيء ما. لم تكن طبيعة العلاقات هي ما تغيرت، فما زالت نبرة موسكو تجاه واشنطن باردة.
فلا تستحق أي من القضايا العالقة الموجودة على جدول أعمال العلاقات الروسية الأمريكية البطيئة أن تكون سببا لمحادثة هاتفية عاجلة بين الرئيس الروسي ومدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية.
يجدر النظر هنا إلى الدور الحقيقي لوكالة المخابرات المركزية في الولايات المتحدة الأمريكية. فقد رأينا جميعا، خلال رئاسة ترامب، الدور الذي لعبته “مصادر مجهولة في وكالة المخابرات المركزية” في محاولات عزله. وكالة المخابرات المركزية الآن ربما لم تعد مجرد وكالة استخبارات، قدر ما تمثل نواة “الدولة العميقة” للولايات المتحدة الأمريكية، القوة الحقيقية التي تسيطر على البلاد. بمعنى أن أي مدير للوكالة الآن يميل لأن يكون شخصية فاعلة في السياسة الداخلية أكثر من كونه شخصية فاعلة في السياسة الخارجية للبلاد.
فإذا تحدث بوتين مباشرة مع مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، فذلك يعني قطعا أن القضية مهمة وملحة، وقد تكون على جدول أعمال السياسة الأمريكية المحلّية. علاوة على ذلك، يدور ذلك الحوار دون تدخل الرئيس الأمريكي، جو بايدن، فيه. من الناحية الفنية، لم يكن حديث بوتين وبايدن ليكون أقل نجاحا من حديثه مع ويليام بيرنز، إذا ما كان الرد المطلوب من بوتين موجها إلى بايدن.
ربما يكون ويليام بيرنز بمثابة سفير “الدولة العميقة” أو “حكومة الظل” التي رفعت بايدن، بأدائه المتواضع، إلى العرش.
ترى هل أصبح بايدن عاجزا عن العمل؟ هل كانت هذه القضية هي محور الزيارة؟
يمكننا هنا إطلاق العنان لأي تفكير جامح. فربما طلب بيرنز من بوتين قبول أوكرانيا ودول البلطيق هدية، وربما كذلك دول أوروبا الشرقية كلها، مقابل عدم التدخل في صراع القوى القادم بين الجمهوريين والديمقراطيين في الولايات المتحدة، في حالة تبديل بايدن، الذي تنزلق شعبيته نحو الأسفل، بالشخصية التي لا تزيد عنه شعبية بايدن كثيراً، كامالا هاريس؟
تبدو الفكرة السابقة كمزحة أقرب إلى الهزل منها إلى الحقيقة، ولكن، ألم تكن السياسة الأمريكية بأكملها في السنوات الأخيرة لا معقولة ومأساوية عبثية؟
جميع الروايات الأخرى المتعلقة بالقضية الرئيسية للسياسة الخارجية الروسية: أوكرانيا، أو حتى بالقضية الأكثر أهمية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية: المواجهة مع الصين، وإمكانية مبادلة حياد روسيا بشأن هذه القضية مع أوكرانيا أو أي شيء آخر، لا تفسر استبعاد جو بايدن من الحوار بين البلدين على أعلى مستوى.
الحالة الوحيدة الذي يمكن أن تفسر غياب بايدن عن هذه المحادثات هي إذا كان عاجزا بالفعل عن أداء مهام منصبه، وسيصبح هذا النهج في المحادثات ممارسة منتظمة، بحيث سيكون التفاعل بين إدارته والقادة الأجانب من خلال تجاوز “بايدن النائم” كما وصفه دونالد ترامب…
باختصار، أطلق الجانبان سحابة من الضباب لم تترك أمامنا سوى مزيد من التكهنات والتخمينات والافتراضات بشأن الأحداث الكبيرة المقبلة.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف
المصدر: روسيا اليوم
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب