شارل أبي نادر*

كان من شبه المؤكد أن قاعدة التنف الأميركية جنوب غرب سوريا سوف تتعرض لاستهداف صاروخي أو مسيّر أو بالاثنين معًا، من وحدات تابعة لمحور المقاومة ردًا على الاعتداء الأخير الذي نفذته القاذفات الاسرائيلية، والتي استفادت من ثغرة القاعدة الأميركية في التنف. هذه القاعدة كانت وبمعزل عن أن “اسرائيل” استغلت الوجود الأميركي فيها والمجال الجوي المفتوح له بينها وبين الاردن، لتنفيذ اعتدائها، كانت دائمًا وما زالت، تشكل نقطة الارتكاز الأكثر حساسية وايذاء على الداخل السوري شرقًا وعلى الداخل العراقي غربًا وعلى المنطقة الحدودية بين الدولتين، لناحية كونها نقطة تنسيق وتوجيه واطلاق للمجموعات الارهابية في تلك المنطقة، ولناحية كونها أيضًا، القاعدة الأكثر تأثيرًا على حركة الجيشين العراقي والعربي السوري وحلفائهما في محور المقاومة، في معركة هؤلاء لاكمال تحرير الشرق السوري أو لتثبيت مواجهة “داعش” في غرب العراق.

من جهة أخرى، ومع أهمية هذه القاعدة بالنسبة للأميركيين، كونها شبه منعزلة بريًا، وتسيطر على أهم موقع جغرافي للوحدات الأميركية بين الأردن وسوريا والعراق، وتشكل هدفًا دائمًا لوحدات محور المقاومة في المراقبة أو في الاستهداف، من المفترض حتمًا، أنها تستفيد من بنية دفاعية قوية جدًا، لناحية نشر منظومات الدفاع الجوي الأكثر تطورًا، أو لناحية الحرب والحماية الالكترونية، في الرصد البعيد والتشويش والاتصالات المتطورة المعقدة، أو لناحية ما تحضنه من رادارت الكشف المبكر لكافة الأجسام الطائرة، من مسيرات وصورايخ وقاذفات أو طوافات.

مع ما ذُكر من معطيات، أي الاحتمال الكبير بأنها كانت معرضة للاستهداف، بالإضافة لما تتجهز به من امكانيات حماية ودفاع متطورة، لم يمنع ذلك من وصول خمس طائرات مسيرة وثلاثة صواريخ ذكية إلى داخلها، والانفجار بين منشآتها الممتدة على مساحة غير بسيطة. وبمعزل عن سقوط أو عدم سقوط إصابات داخلها أو في محيطها الخارجي المرتبط بها أمنيًا وجغرافيًا، بين الجنود الأميركيين أو البريطانيين أو بين وحدات ارهابية مسلحة من التي تديرها الوحدات الأميركية، مثل ما يسمى “مغاوير الثورة” أو غيرها، يستنتج من الأمر أن الاستهداف نجح بشكل كامل، وأن العملية، بالإضافة لما حققته في البعدين العسكري والاستراتيجي، فإنها تحمل نسبة كبيرة من التحدي للأميركيين، وأنه على هؤلاء بعد هذا الاستهداف، إعادة حساباتهم واعتبار أن المسار المنتظر بعدها سيكون مختلفًا عما سبقه.

البعد الإسرائيلي في الموضوع، يمكن وضعه في خانتين أساسيتين، وذلك على الشكل التالي:

أولًا، صحيح أن الاستهداف يحمل كافة عناصر الرد على اعتداء تدمر الذي نفذته القاذفات الإسرائيلية، في الشكل والهدف والتوقيت والفعالية، ولكن استهداف الأميركيين يحمل رسالة مزدوجة للطرفين، ولـ”اسرائيل” ربما أكثر، كون قاعدة التنف تشكل نقطة حماية غير مباشرة لها ( لـ”اسرائيل”)، وتشكل أيضًا نقطة ارتكاز هجومية لمصلحة الأجندة الإسرائيلية في المنطقة، والمتمثلة باستهداف أطراف محور المقاومة.

ثانيًا، في البعد العسكري، وفيما دائمًا يرشح عن مسؤولين عسكريين اسرائيليين خشيتهم وخوفهم من الطائرات المسيرة بشكل عام، ومما تمتلكه أطراف محور المقاومة من هذا السلاح الفعال بشكل خاص، وفيما كانت دائما “تل ابيب” تنظر بعين الخوف والترقب الحذر لانجازات مسيرات وصواريخ انصار الله في اليمن، وما تحققه داخل السعودية من نجاح، بالرغم من وجود تمركز كبير لشبكة معقدة وواسعة من منظومات الدفاع الجوي الاميركية، فإن “اسرائيل” اليوم وبعد استهداف التنف بنجاح، ازدادت مخاوفها بشكل أكبر، بعد استنتاج الامكانية الضخمة لتأثيرات المسيرات عليها في أية مواجهة أو في أية عملية مستقلة ضدها، كونها محاصرة من دائرة شبه مكتملة من أطراف محور المقاومة، وكون منشآتها ومراكزها الحيوية والإستراتيجية، محصورة في عمق هش، ستتجاوزه بسهولة مسيرات محور المقاومة.

من جهة أخرى، اذا وضعنا جانبًا الرابط بين العملية وبين “اسرائيل”، حيث سوف يبقى الصراع معها مفتوحًا، مع الوجود الأميركي أو بعد انسحابهم فيما لو حصل، فإن البعد الأميركي من استهداف التنف، يمكن وضعه في الإطار التالي:

صحيح يمكن اعتبار استهداف التنف بأنه الرد المنتظر من وحدات محور المقاومة على اعتداء تدمر، حيث تحمل العملية كافة الظروف والمعطيات التي تحدده هكذا، ولكن الصراع مع الأميركيين ومواجهتهم كقوة احتلال في سوريا، هو أبعد من عملية رد واحدة على اعتداء أو أكثر، ومن المفترض أن يكون ضمن مسار متواصل ومتكامل من أعمال المقاومة المفتوحة ضد هذا الاحتلال، ولتأتي ثلاثة معطيات أساسية وتنقل هذه المواجهة أو الاشتباك مع الأميركيين في سوريا الى مكان آخر، اعتبارًا من اليوم، وهذه المعطيات يمكن تحديدها بالتالي:

– في الجانب العسكري: نجاح العملية وتثبيت وتأكيد إمكانيات محور المقاومة في مواجهة الأميركيين، لقواعدهم الثابتة أو لدورياتهم ومراكز انتشارهم، يفتح الباب واسعًا بعد اليوم على مرحلة جديدة من المواجهة تحت مسمى “المقاومة الفعلية للاحتلال الأميركي في سوريا”.

في جانب القانون الدولي، مشروعية استهداف هذا الاحتلال واضحة وتفرض نفسها بشكل لا يحمل الجدل أو التشكيك بتاتًا، وهذا حق تاريخي لكافة الشعوب المحتلة أراضيها، تحميه وترعاه كافة المواثيق والأعراف والقوانين الدولية.

– في جانب الظروف المؤاتية لاطلاق المقاومة، الجميع تابع الانسحاب الأميركي المذلّ من أفغانستان، والذي حصل بعد عشرين عامًا من الخسائر والجهود الضخمة المهدورة، ودون تحقيق أي هدف معلن أو غير معلن من هذا الاحتلال، وذلك حصل فقط تحت ضغط العمليات العسكرية وعمليات مقاومة تلك الوحدات المحتلة، وليس تحت ضغط أي أمر آخر، لا سياسي ولا شعبي أميركي ولا ديبلوماسي.

من هنا، كل تلك المعطيات تحمل إمكانية واسعة وشبه مؤكدة، أن يكون هذا (الاستهداف – الرد) الناجح لقاعدة التنف الأميركية، باكورة مرحلة جديدة من أعمال مقاومة هذا الاحتلال، لا بد من أنها سوف تعطي نتيجة على طريق تحرير كامل الجغرافية السورية من كافة الاحتلالات الحالية، من دول إقليمية أو غربية أو من مجموعات إرهابية.

* المصدر : موقع العهد الإخباري