تونس تغلي وتنقسم بين مؤيد ومعارض بعد تصريحات “قيس سعيد” الاخيرة
السياسية – رصد :
قال الرئيس التونسي “قيس سعيد” في خطاب ألقاه أمام حشد في مدينة “سيدي بوزيد”، مهد الثورة التونسية، مساء يوم الاثنين الماضي، إنه تم وضع أحكام انتقالية وإن التدابير الاستثنائية ستستمر، وذلك بعد يومين من خروج مظاهرة وسط العاصمة تطالب بإنهاء الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس.
ورأى “سعيد” أن بلاده تشهد عدة أزمات مفتعلة، لكن التحدي الذي يطرحه البعض لا يقابل إلا بتحد أكبر، متوعدا تلك الجهات التي لم يسمها بأن “صواريخنا القانونية على منصاتها، وتكفي إشارة واحدة لتضربهم في أعماقهم. وجدد الرئيس دفاعه عن قراراته الاستثنائية التي اتخذها في يوليو/تموز الماضي، وقال “لم يكن هناك انتقال ديمقراطي بل انتقال من فساد لآخر، وكان لا بد من اللجوء للفصل 80 من الدستور”.
وشدد “سعيد” على أن التدابير الاستثنائية ستتواصل، وأنه سيتم تكليف رئيس حكومة على أساس الأحكام الانتقالية، كما أعلن أنه سيقدم قانونا جديدا للانتخابات في البلاد. وأكد عزمه على السير في ذلك الاتجاه، معتبرا أن الخطر “لا يزال جاثما، ولا يمكن أن أترك الدولة كالدمية تحرك من وراء الستار”.
وكان مئات التونسيين قد تظاهروا يوم السبت الماضي في شارع “الحبيب بورقيبة” بالعاصمة، ودعوا إلى إعادة العمل بدستور البلاد وتفعيل المؤسسات الدستورية، وعلى رأسها البرلمان الذي تم تعليقه إثر التدابير الاستثنائية التي أعلنها “سعيد” يوم 25 يوليو/تموز الماضي. ورفع المحتجون شعارات تطالب بالحفاظ على مكتسبات الثورة التونسية، ولا سيما الحريات التي يقولون إنها باتت مهددة في ظل الملاحقات الأمنية والقضائية العسكرية لعدد من معارضي الرئيس. وجاءت هذه الاحتجاجات وهي الأكبر حجما منذ الإجراءات التي اتخذها “سعيد” قبل نحو شهرين، عقب دعوات من نشطاء تونسيين إلى الاحتجاج؛ رفضا لما يسمونه بالانقلاب على المؤسسات الشرعية وعلى دستور البلاد.
كما شهدت شوارع العاصمة تونس يوم أمس الثلاثاء مظاهرات عارمة شارك فيها المئات انقسمت بين مندد بقرارات الرئيس “قيس سعيد” وداعم لها. ورفع المتظاهرون شعارات ضد قرارات الرئيس سعيد، مطالبين بعودة عمل البرلمان، في المقابل رفع متظاهرون آخرون شعارات داعمة للإجراءات التي اتخذها الرئيس في وقت سابق. وهتف بعض المتظاهرون بشعارات مناهضة لـ”سعيد”، واصفين الإجراءات التي أعلنها يوم 25 يوليو الماضي بـ”الانقلاب على الشرعية وعلى الدستور”. وطالب المتظاهرون بوقف المحاكمات أمام القضاء العسكري، ونادى المشاركون في الوقفة بإطلاق سراح النائب بالبرلمان المجمدة أعماله، “ياسين العياري”.
وعلى صعيد متصل، نفى عضو مجلس شورى حركة النهضة التونسية، “جلال الدين الورغي”، أي صلة لحركته بالمظاهرات الأخيرة، قائلاً: “ليس لدى الحركة ما تخفيه، وإذا قررت الحركة النزول للشارع فستعلن عن ذلك وتنزل”. وأكد عضو حركة النهضة الإخوانية أن الحركة تؤمن بأن الحل لا يأتي إلا من خلال الحوار، مشيرًا إلى أن الحركة لم تطلب من أنصارها النزول ولا دعت لذلك، وإن كان النزول للشارع حق من الحقوق السياسية للمواطنين. ولفت إلى أن هذه المظاهرات مشهد عبّر فيه المتظاهرون عن الدفاع عن المسار الديمقراطي والمكاسب التي تحققت على مدى عشر سنوات، مشيرًا إلى أنها رسالة بأن الجميع بات يتفق على أن هناك مخاوف حقيقية من الإجراءات الاستثنائية الأخيرة ومن بقاء البلاد في حالة الفراغ السياسي لمدة تزيد على خمسين يومًا من دون حكومة وفي حالة شلل لمؤسسات الدولة، كما قال ذلك الاتحاد التونسي للشغل، فضلا عن خروقات عديدة لحقوق الإنسان مثل المنع من السفر والحبس دون محاكمات وغير ذلك.
ومن جانب آخر، جدد لاتحاد العام التونسي للشغل، مطالبته بالتسريع في تشكيل حكومة مصغرة حتى تتولى حل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والصحية للبلاد، في مسعى إلى تفادي الفراغ السياسي. كما دعا الحزب الوطني التونسي إلى تكوين حكومة اقتصادية واجتماعية مصغرة، فيما طالب ائتلاف صمود بتكوين جبهة اجتماعية سياسية تضم المنظمات الوطنية والأحزاب الديمقراطية المتمسكة بمطالب الخامس والعشرين من يوليو. وقدم عدد من ناشطي المجتمع المدني والحقوقيين في تونس، التقرير الأول لتقييم وضع الحقوق السياسية والمدنية وواقع الحريات خلال الحالة الاستثنائية التي تمر بها البلاد. وأعرب عدد من أولئك الناشطين عن تحفظاتهم إزاء بعض الإجراءات مثل منع سفر بعض السياسيين والمحامين، بينما يؤكد الرئيس قيس سعيد احترامه للحريات والحقوق في تونس.
وذكرت عدداً من المصادر الاخبارية، أن استطلاعاً للرأي نشر يوم الأحد الماضي، أن “سعيد” يحظى بـ”ثقة كبيرة” لدى نحو 72 بالمئة من التونسيين، بعد أكثر من شهر ونصف على إعلانه هذه الإجراءات. وأظهرت نتائج الاستطلاع، الذي أنجزته مؤسسة “سيغما كونساي” لسبر الآراء وجريدة “المغرب” اليومية، الذي نشر في عددها ليوم الأحد، حيازته 90 بالمائة من نوايا التصويت في الانتخابات الرئاسية. كما تواصل ارتفاع نسبة تفاؤل التونسيين بالمرحلة المستقبلية إلى 77.2 بالمئة، فيما عبّر 71.7 بالمئة منهم عن أن البلاد “تسير في الاتجاه الصحيح”. وفي المقابل، أظهرت نتائج الاستطلاع بقاء حظوظ الحزب الدستوري الجحر في الانتخابات التشريعية وافرة بحوالي 34 بالمئة، مقابل 26.1 بالمئة عبروا عن رغبتهم في التصويت لتيار سعيّد في حال شكل حزبا أو تقدم بقوائم مستقلة، بينما تراجعت حركة النهضة إلى المركز الثالث بنوايا تصويت لم تتجاوز 12.1 بالمئة.
الجدير بالذكر أن الرئيس التونسي “قيس سعيد”، صرح قبل عدة أسابيع أن عدداً من البرلمانيين والمحامين التونسيين، أصبحوا يمتلكون ثروات هائلة تم نهبها من المال العام، مشدداً على أنه لن يترك من سرقوا أموال التونسيين يعبثون بقوت الشعب، فيما ذكرت وسائل إعلام تونسية أنه تم إعفاء مدير إقليم الأمن الوطني بتونس، “لطفي بلعيد”، من مهامه، وذلك بعد أن تعالت أصوات حقوقية منددة بتعامل بعض القوى الأمنية مع متظاهرين. وفي هذا السياق أيضا، قال الرئيس التونسي، خلال لقائه عميد هيئة المحامين، وممثلين من الرابطة التونسية لحقوق الإنسان قبل عدة أسابيع: إن “ثروة زوجة أحد المحامين تبلغ 100 مليون دينار تونسي، وعقارات سكنية ومحال، على الرغم من أنها عاطلة عن العمل”. وأضاف الرئيس “سعيد” خلال استقباله، مساء يوم الخميس الماضي، إن “فساد الطبقة السياسية عموما هو ما دفعه لاتخاذ إجراءاته الاستثنائية والمتعلقة أساسا بتجميد عمل البرلمان”، مضيفا بالقول: “نائب في البرلمان حصل على مبلغ قيمته 1500 مليون دينار تونسي عندما تقلّد مهاما داخل الدولة، وسجل أملاكه باسم زوجته. وهناك فصل حاولوا تمريره في البرلمان بـ150 ألف دينار، فهل هذه شرعية أم سوق نخاسة؟”.
وأشار الرئيس التونسي قبل عدة أسابيع أيضاً إلى حصول سياسيين على أموال بطريقة مشبوهة، من خلال ابتزاز الأشخاص من تونس وخارجها، مضيفاً أن شخصاً لم يكشف اسمه تحصل على 100 ألف دينار لمنح شخص أجنبي الجنسية التونسية. وأكد الرئيس التونسي أن العديد من الوثائق، التي تتعلق بتلك التجاوزات تم إتلافها داخل وزارة العدل، فيما حذفت بعض المؤيدات من الملفات القضائية، مشدداً على أن المتورطين سيقفون أمام قضاء عادل وليس قضاء سُرقت بعض ملفاته. وقال الرئيس التونسي: إن “هناك مجموعة من الأشخاص، تدبّر مخططات لضرب مؤسسة الرئاسة، بينما تقوم مجموعة ثانية بتنفيذ ما تم تدبيره”. وأكد أنه على علم بمن يقف وراء عدد من المؤسسات الإعلامية لمهاجمة الرئاسة والتركيز على مواضيع معينة، مضيفاً أنه لن يحاكم أحداً بخصوص آرائه ولن يقبل أي ظلم أو دكتاتورية، لكنه سيتصدى بصرامة للعبث.
وتعاني تونس، التي ينظر إليها كقصة نادرة للتحول الديمقراطي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من أزمة سياسية تفاقمت بسبب المشاكل الاقتصادية الحادة ووباء “كورونا”. ولقد أثار تدخل الرئيس التونسي المفاجئ في 25 يوليو / تموز حالة من عدم اليقين داخل الدولة الموجودة في شمال أفريقيا. حيث قال الرئيس التونسي في ذلك الوقت، إن “الإجراءات كانت ضرورية لمنع انهيار البلاد”. وأشار إلى أنه اتخذ تلك القرارات بموجب الصلاحيات التي يقول إن الدستور منحها له. لكنه لم يكشف بعد عن خارطة طريق بشأن قراراته، على الرغم من المطالب المتكررة من قبل الأحزاب السياسية.
المادة الصحفية : تم رصدها حرفيا من موقع الوقت التحليلي