السياسية:

أثار تزامن القبض على رئيس حزب “قلب تونس” نبيل القروي، وتسليم المعارض الجزائري اللاجئ إلى بلده سليمان أبو حفص، تساؤلات حول وجود صفقة بين الرئيس التونسي قيس سعيد والسلطات الجزائرية لتسليم القروي لتونس باعتباره من أبرز معارضي قيس سعيد، حيث إن حزبه من أشد مناهضي إجراءات سعيد الأخيرة.

ومؤخراً، أفادت وسائل إعلام جزائرية بإيقاف الأخوين نبيل القروي وغازي القروي في إحدى الشقق بمدينة تبسة الجزائرية بعد اجتيازهما الحدود البرّية خلسة، دون تعقيب رسمي حتى اليوم من البلدين.

قطب إعلامي شعبوي تعرَّض للملاحقة ونافس في الانتخابات من السجن

ونبيل القروي هو رجل أعمال ورئيس حزب قلب تونس (28 نائباً من بين 217  إجمالي نواب البرلمان) والمنافس المباشر للرئيس قيس سعيد في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية أكتوبر/تشرين أول 2019 وصاحب قناة تلفزيونية خاصة، 

في حين أن غازي القروي عضو بالبرلمان التونسي وقد وقع رفع الحصانة عنه بموجب التدابير التي اتخذها رئيس الجمهورية في 25 يوليو/تموز الماضي بتجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن النواب.

ويرجح أن خوفهما من الملاحقة في قضايا فساد هو سبب هروبهما من تونس، بحسب إعلام محلي.

في أغسطس/آب 2019، أوقفت السلطات التونسية القروي على خلفية بلاغ ضده بتهم “فساد مالي”، ثم أطلقت سراحه عقب نحو شهرين من الحبس على ذمة القضية آنذاك، وفي 24 ديسمبر/كانون الأول الماضي، قضت محكمة بحبسه للتهمة نفسها، دون تحديد مدة الحبس.

وبعد الإفراج عنه، أوقف مرة أخرى تحفظياً في ديسمبر/كانون الأول الماضي قبل أن يخلى سبيله مؤقتاً في يونيو/حزيران.

وأسس نبيل القروي بالتعاون مع شقيقه غازي، قناة “نسمة” الفضائية الترفيهية عام 2007، حيث توجه للجمهور في المغرب العربي، وأصلها ترفيهي فني إيطالية تونسية، ومقرها العاصمة الفرنسية باريس.

وقدم نبيل القروي برنامجاً انتخابياً ارتكز على مناهضة الإسلام السياسي ومكافحة الفقر، وخاض الانتخابات وهو في السجن لكنه هُزم بفارق كبير في الدور الثاني للانتخابات أمام الأستاذ الجامعي قيس سعيد، بعدما أيدته أغلب القوى السياسية بما فيها حركة النهضة، رغم أن سعيد تبنى برنامجاً قام على رفض النخب الحاكمة في تونس منذ ثورة 2011.

وأعلن الرئيس التونسي قيس سعيد، في نهاية يوليو/تموز الماضي، اتخاذ قرارات  استثنائية مثيرة للجدل جمَّد بموجبها عمل البرلمان وأقال رئيس الحكومة.

وشهدت تونس منذ ذلك الوقت توقيفات استهدفت بعض نواب البرلمان والقضاة ورجال الأعمال والمسؤولين السابقين، ومُنِع آخرون من السفر خارج البلاد، أو وضعوا في الإقامة الجبرية على خلفية شبهات فساد.

والثلاثاء، أصدر القضاء التونسي، مذكرة تفتيش (بحث) بحق نبيل القروي، وشقيقه غازي، على خلفية اجتيازهما حدود البلاد صوب الجزائر بشكل غير قانوني، دون التطرق لتوقيفه.

وذكر مصدر قضائي في الجزائر أن محكمة قسنطينة بشرق البلاد قد قضت السبت باحتجاز المرشح الرئاسي التونسي السابق نبيل القروي بتهمة عبور الحدود بطريقة غير مشروعة، وأربعة جزائريين آخرين بتهمة تهريب البشر. وهي معلومات أكدتها صحيفة “النهار” الجزائرية بقولها: “إن القرار جاء بعد  أن تمت متابعة الموقوفين من طرف نيابة الجمهورية بجنحة الدخول إلى التراب الجزائري بطريقة غير شرعية”.

هل هناك صفقة لتسليم نبيل القروي لتونس؟ 

رغم صمت البلدين بخصوص القبض على الأخوين قروي، إلا أن نبأ توقيفهما تزامن مع ترحيل اللاجئ السياسي الجزائري سليمان أبو حفص (54 سنة) من تونس نحو بلاده، وذلك بعد إيقافه في 25 أغسطس/آب الماضي من قبل أشخاص بالزي المدني وسيارة بلوحات غير معروفة، وفق بيان أمضت عليه مجموعة من الجمعيات الحقوقية من بينها الرابطة التونسية لحقوق الإنسان، أدانت فيه عملية الترحيل.

وأشارت الجمعيات الحقوقية إلى أن “أبو حفص قدم إلى تونس حيث منحته المفوضية السامية لشؤون اللاجئين صفة اللاجئ حتى سبتمبر /أيلول 2022”.

وأضافت أن “الحماية الدولية التي حصل عليها سليمان أبو حفص تفرض على السلطات التونسية الموقعة على معاهدة جنيف لسنة 1951 وبروتوكولها لسنة 1967 واتفاقية مناهضة التعذيب عام 1984عدم إعادته القسرية”.

وبالإضافة إلى بيان الجمعيات الحقوقية، أفادت صحيفة “أفانت غارد الجزائر”، الإثنين الماضي، بأن “تونس سلَّمت سليمان أبو حفص إلى الجزائر مقابل رجل الأعمال نبيل القروي”.

وأثار هذا التزامن في التوقيت بين الحادثتين الشكوك بوجود صفقة أمنية بين مسؤولين تونسيين وجزائريين نظراً لما تعلق بنبيل القروي من قضايا في المحاكم التونسية، ومعارضة حزبه لإجراءات قيس سعيد.

خالف قوانين الجزائر

في هذا الصدد، استبعد جمال مسلّم رئيس الرابطة التونسية لحقوق الإنسان وجود علاقة بين ترحيل سلمان أبو حفص من تونس وتوقيف نبيل القروي بالجزائر.

وفي حديثه للأناضول، أضاف مسلّم: “القانون الجزائري يرحل المجتاز خلسة نحو بلاده بعد تغريمه وحكم بالسجن مؤجل التنفيذ في أغلب الحالات، والقروي سيطبق عليه القانون الجزائري بسبب العبور خلسة عبر الحدود البرية”.

وتابع: “في حال تقدم نبيل القروي بطلب اللجوء السياسي يتم إعداد ملف متكامل من طرف المنظمة الأممية لشؤون اللاجئين ويقع البتّ فيه بطريقة دقيقة”.

وزاد مسلم: “بخصوص مسألة تسليم الناشط سليمان أبو حفص كنا قد اتصلنا بالمفوضية السامية للاجئين بتونس للاستفسار ولكن لم نحصل على أي ردّ، كما اتصلنا بالرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان، فأكدت أن أبو حفص قيد الإقامة الجبرية في انتظار إحالته إلى القضاء”.

ونفى جمال مسلم أي علم له “بالتهم الموجه للناشط سلمان أبو حفص غير أن حصوله على بطاقة لاجئ من المنظمة الدولية لم يكن إلا بعد التثبت من وضعيته وخضوعه للتراتيب والقوانين الدولية في حق اللجوء”.

الجزائر تنأى بنفسها عن الأزمة التونسية ولديها عرف بعدم تسليم اللاجئين

وأكد مسلّم أن الرابطة “اتصلت بوزارة الداخلية التونسية للاستفسار ولكن لم تتلقَّ أي رد رسمي”.

من جهته قال الإعلامي التونسي نصر الدين بن حديد إنه يستبعد تماماً وجود صفقة مقابل تسليم سلمان أبو حفص للسلطات الجزائرية وتسلّم الأخوين قروي من قبل تونس.

وأضاف بن حديد للأناضول أن “الأخوين قروي ليسا مواطنين عاديين بل شخصيتان بارزتان باعتبار أن نبيل القروي مرشح للرئاسية في انتخابات 2019 ورجل أعمال ورئيس حزب ممثل في البرلمان ورئيس جمعية في حين أن شقيقه القروي نائب بالبرلمان”.

وقال: “حسب قراءتي فإن الجزائر تنأى بنفسها عن التدخل المباشر في الأزمة التونسية وتريد أن تبقى على مسافة من الجميع؛ ولذا يمكن أن يطلب القروي مغادرة الجزائر نحو دولة أوروبية”.

وتابع بن حديد: “العرف السياسي في الجزائر أنها لا تسلّم من هرب إليها ومثال ذلك المرحوم محمد مزالي الوزير الأول في عهد الرئيس الحبيب بورقيبة الذي هرب خلسة (عام 1986) نحو الجزائر عبر الحدود البرية”.

ويضيف بن حديد: “الإشكال في أن نبيل القروي لم يسلم نفسه إلى السلطات الجزائرية بعد اجتيازه الحدود وإنما تم القبض عليه في إحدى الشقق التي يقيم بها بعد معلومات بلغت الأمن الجزائري”.

وكشفت مصادر مطلعة لـ”عربي بوست” أن المرشّح الرئاسي السابق ورئيس حزب قلب تونس نبيل القروي، سيقدم طلباً للجوء السياسي لدى الجزائر التي أوقفته رفقة شقيقه غازي القروي، بعدما حاولا دخول البلاد بطريقة غير شرعية عبر مدينة تبسة الجزائرية الحدودية. 

ودأبت السلطات التونسية على تلبية طلبات نظيرتها الجزائرية في تسليم المطلوبين حتى وإن كان ذلك يسبب لها حرجاً داخلياً. 

رغم أن مصادر “عربي بوست” لم تستبعد أن الجزائر ستسلّم الشقيقين القروي إلى تونس، إلا أن هناك احتمالاً ولو ضئيلاً لمماطلة الجزائر في تسليمهما والاحتفاظ بهما كورقة ضغط على الرئيس التونسي قيس سعيّد، الذي يبدو أنه أصبح قريباً من الأنظمة الخليجية ومصر أكثر من الجزائر. 

وكانت “عربي بوست” قد كشفت مؤخراً عن أن الجزائر لم تعد راضية على التقارب السعودي والإماراتي والمصري والتونسي، ودعت سعيّد لفتح حوار وطني شامل مع جميع القوى السياسية التونسية وهو ما لم يحدث لحد الآن. 
* المادة الصحفية نقلت حرفيا من موقع عربي بوست ولاتعبر عن وجهه نظر الموقع