السياسية:

كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد غزت أفغانستان في أعقاب أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 التي أدت إلى مقتل 3000 أمريكي وتبناها تنظيم القاعدة، ورفضت حركة طالبان التي كانت تحكم أفغانستان وقتها، تسليم قيادات التنظيم لواشنطن.

واستمر الوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان نحو عقدين من الزمان، وتكلف أكثر من تريليوني دولار وأسقط أكثر من 25 ألف قتيل من الجيش الأمريكي وأضعاف هذا العدد بين المدنيين الأفغان، ومع قرار الرئيس جو بايدن الانسحاب من أفغانستان، عادت طالبان للحكم مرة أخرى بسرعة مذهلة.

ترسانة من الأسلحة الأمريكية

ومع السرعة القياسية التي سقطت بها المدن والأقاليم الأفغانية تحت سيطرة مقاتلي طالبان واستسلام الجيش الأفغاني دون قتال، كان من الطبيعي أن تثار أسئلة حول مصير الأسلحة الأمريكية المتطورة التي وفَّرتها واشنطن للقوات الأفغانية على مدى عقدين من الزمان.

وعلى سبيل المثال فقط، كانت وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” قد نشرت صوراً، مطلع يوليو/تموز الماضي، لطائرات مقاتلة ومدرعات وطائرات مسيَّرة وبنادق ومعدات رؤية ليلية واتصالات عسكرية، قالت إنها أرسلتها إلى الجيش الأفغاني؛ لمساعدته في التصدي لطالبان.

وفي منتصف يوليو/تموز أيضاً، نشرت وزارة الدفاع الأفغانية صوراً على وسائل التواصل الاجتماعي لسبع طائرات هليكوبتر جديدة، قالت إنها وصلت إلى كابول من الولايات المتحدة.

وبعد أيام قليلة، قال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، للصحفيين في مقر البنتاغون: “سيستمرون في تلقي مثل هذا الدعم بوتيرة مستقرة من الآن فصاعداً”. لكن لم تمر سوى أسابيع قليلة للغاية إلا وكانت حركة طالبان قد سيطرت على أغلب البلاد ومعها “غنمت” الأسلحة والعتاد الأمريكي الذي خلفته القوات الأفغانية في أثناء فرارها أمام مقاتلي الحركة.

وظهرت تسجيلات مصورة لعناصر من طالبان في أثناء تقدُّمهم وهم يتفقدون صفوفاً طويلة من المركبات ويفتحون صناديق ممتلئة بأسلحة نارية جديدة ومعدات اتصال وحتى طائرات عسكرية مسيَّرة.

تقرير بالأسلحة الأمريكية لدى الجيش الأفغاني

كانت مجلة Time الأمريكية قد نشرت تقريراً، الأسبوع الماضي، حول التسليح الأمريكي للجيش الأفغاني، قالت فيه إن واشنطن أنفقت 83 مليار دولار على تسليح الجيش الأفغاني الذي استغرق بناؤه وتدريبه وتسليحه نحو 20 عاماً، وفي النهاية استولت طالبان على أغلب تلك الأسلحة.

ونشرت صحيفة The Hill التابعة للكونغرس الأمريكي تقريراً أكثر تفصيلاً عن تلك الأسلحة، وما هو مؤكدٌ أن طالبان استولت عليه بالفعل، وشملت تلك الأسلحة مروحيات عسكرية من طراز “بلاك هوك” وطائرات هجومية خفيفة من طراز “سوبر توكانو”، إضافة إلى مركبات عسكرية مضادة للألغام وأطنان من الأسلحة الخفيفة.

وكانت صور متداولة لمقاتلي حركة طالبان، إثر استيلائهم على الحكم في أفغانستان، أظهرت امتلاكهم بنادق هجومية أمريكية من طراز “إم 4” و”إم 16″، ومركبات مدرعة أمريكية من طراز “هامفي” ومركبات مضادة للألغام.

وبحسب التقارير الأمريكية، تم إرسال أسلحة من الولايات المتحدة الأمريكية إلى أفغانستان بأعداد ضخمة، على ثلاث مراحل، أولاها كانت في الفترة من 2003 حتى 2016، وخلالها تم إرسال أكثر من 75 ألف مركبة عسكرية، ونحو 600 ألف قطعة سلاح متنوعة، وأكثر من 162 ألف قطعة من الأجهزة الخاصة بالاتصالات العسكرية، و208 طائرات حربية، إضافة إلى أكثر من 16 ألف قطعة من الأجهزة الخاصة بالاستطلاع والاستخبارات والاتصالات.

وجاءت المرحلة الثانية في الفترة من 2017 حتى 2019، وخلالها تم إرسال أكثر من 7 آلاف مدفع رشاش ونحو 5 آلاف مدرعة من طراز هامفي، وأكثر من 20 ألف قنبلة يدوية و2520 قنبلة و1394 قاذف قنابل.

أما المرحلة الثالثة والأخيرة فقد جاءت خلال الأشهر القليلة الماضية وخلالها حصلت قوات الجيش الأفغاني على 211 طائرة إمداد عسكري أمريكية، استخدمت القوات الأفغانية 46 طائرة منها للهروب إلى أوزبكستان، بعد سيطرة حركة طالبان على الحكم في البلاد.

ما الأسلحة التي استولت عليها طالبان؟

من الصعب جداً تحديد الأسلحة الأمريكية التي استولت عليها طالبان بشكل دقيق، في ظل احتمالات تدمير بعض تلك الأسلحة، أو حدوث عمليات فساد داخل عمليات نقل الأسلحة من الولايات المتحدة إلى أفغانستان عبر متعاقدين مع البنتاغون، وهذا ما ورد بالفعل في تقارير المفتش الخاص، بشأن الأموال التي تم إنفاقها في أفغانستان على مدى عقدين من الزمان.

ولكن رغم غياب إحصائيات دقيقة لحجم الأسلحة التي وصلت إلى قبضة طالبان فعلياً، فإن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أقرت بأنها “كمية كبيرة”. وقال مسؤول أمريكي طلب عدم ذكر اسمه، لـ”رويترز”: “كل ما لم يتم تدميره أصبح الآن في يد طالبان”.

ويقول مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون إن لديهم مخاوف من أن تُستخدم تلك الأسلحة في قتل مدنيين أو تقع بيد جماعات متشددة أخرى مثل تنظيم الدولة الإسلامية، وتُستغل في مهاجمة مصالح الولايات المتحدة بالمنطقة أو تُسلَّم لخصوم لها مثل الصين وروسيا.

وتشعر إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، بقلق بالغ فيما يتعلق بتلك الأسلحة وتبحث عدداً من الخيارات. وكان بعض المسؤولين الأمريكيين قد قالوا إنَّ شن ضربات جوية لاستهداف العتاد العسكري الأثقل مثل الطائرات الهليكوبتر لم يُستبعد بعد، لكنَّ هناك قلقاً من أن يستعدي ذلك طالبان، في وقت تستهدف فيه الولايات المتحدة بالأساس إجلاء الأشخاص لبرِّ الأمان.

وذكر مسؤول آخر أنه رغم عدم توافر أرقام محددة، فإن التقييم الاستخباراتي الحالي يشير إلى أن طالبان سيطرت على أكثر من ألفي عربة مدرعة، منها ما هو من طراز هامفي الأمريكي وما يصل إلى 40 طائرة قد يكون من بينها طائرات من طراز يو.إتش-60 بلاك هوك وطائرات هليكوبتر هجومية وطائرات عسكرية مسيرة من طراز (سكان-إيجل).

وقال مايكل ماكول كبير الجمهوريين في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي، لـ”رويترز” عبر البريد الإلكتروني: “شاهدنا بالفعل مقاتلين من طالبان يحملون أسلحة أمريكية الصنع استولوا عليها من القوات الأفغانية. وهذا يشكل خطراً بالغاً على الولايات المتحدة وعلى حلفائنا”.

كيف يمكن أن تستفيد طالبان من تلك الترسانة؟

وهناك أسئلة تتعلق بمدى قدرة طالبان على الاستفادة من الأسلحة الأمريكية التي استولت عليها. فمن الناحية العملية، لا يمكن استخدام الطائرات المتطورة دون تدريب. وفي هذا السياق، يقول مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون إنه على الرغم من قلقهم من وصول طالبان لطائرات الهليكوبتر، فإن أغلبها بحاجة لصيانة متكررة، كما أن تشغيل العديد منها مسألة معقدة دون الحصول على تدريب مكثف. وقال مسؤول لـ”رويترز”: “ما يدعو للسخرية أنَّ تعطل معداتنا المتكرر يعتبر الآن إنقاذ حياة”.

وقال الجنرال الأمريكي المتقاعد جوزيف فوتيل، الذي أشرف على عمليات الجيش الأمريكي بأفغانستان في الفترة من عام 2016 إلى عام 2019، بصفته وقتها قائد القيادة المركزية الأمريكية، إن أغلب العتاد المتطور الذي وصل لأيدي طالبان ومن ضمنه الطائرات، لم يكن مزوداً بتقنيات أمريكية حساسة. وأضاف: “في بعض الحالات، سيكون جانب منها أشبه بالجوائز التذكارية”.

لكن جانباً كبيراً من تلك الأسلحة والعتاد لا يحتاج للتدريب المتخصص لاستعماله، مثل نظارات الرؤية الليلية والبنادق الخفيفة والقنابل وقاذفاتها. وقال مستشار في الكونغرس، لـ”رويترز”: “القدرة على تنفيذ عمليات ليلاً عامل يغير موازين اللعبة بحق”.

وقال فوتيل وآخرون إن الأسلحة الخفيفة التي استولى عليها المسلحون مثل البنادق الآلية وقذائف المورتر وقطع المدفعية، وضمنها مدافع هاوتزر، قد تعطي طالبان ميزة في مواجهة أي مقاومة قد تستجد في معاقل معروفة بمناهضة الحركة مثل وادي بنجشير شمال شرقي كابول.

وقال مسؤولون أمريكيون إن التوقع العام هو أن أغلب الأسلحة ستستخدمها عناصر من طالبان نفسها، لكن من السابق لأوانه الحكم على ما تخطط له الحركة مثل احتمالية تشارُك العتاد مع دول منافسة مثل الصين.

ويرى آندرو سمول، الخبير في السياسة الخارجية الصينية بصندوق مارشال الألماني بالولايات المتحدة، أن طالبان ستسمح على الأرجح لبكين بالوصول لأي أسلحة أمريكية في يدها حالياً. لكن أحد المسؤولين الأمريكيين استبعد أن يعود ذلك بمكاسب تُذكر على الصين، مرجحاً أن تكون لديها بالفعل إمكانية الوصول لمثل تلك الأسلحة والمعدات.

عربي بوست