عبدالباري عطوان*

كشف نفتالي بينيت رئيس الوزراء الإسرائيلي عن ثَغرةٍ كُبرى في استراتيجيّة الدّفاع لكيانه تُسَلِّط الأضواء على حقيقة الأزمة العسكريّة والمعنويّة التي تعيشها “إسرائيل” في الوقتِ الرّاهن، عندما قال في مُؤتمر صحافي عقده أمس للحديث عن انتِشار الكورونا وبشَكلٍ غير مسبوق، ونحن ننقل حرفيًّا، “عدم قُدرة إسرائيل على شِراء صواريخ للقُبب الحديديّة، أمْرٌ خطيرٌ جدًّا”.

يأتِي هذا الكشف غير المسبوق بعد حرب الأيّام الـ 11 مع فصائل المُقاومة في قِطاع غزّة في أيّار (مايو) الماضي (سيف القدس)، وإطلاق “حزب الله” 19 صاروخًا على منطقةٍ مفتوحةٍ في شِمال مزارع شبعا المُحتلّة كإنذارٍ حاسمٍ ردًّا على غاراتٍ إسرائيليّة قصفت مناطق غير مأهولة في لبنان قبل يومين.

***
منظومة القُبَب الحديديّة الإسرائيليّة فَشِلَت في الحالين في اعتِراض مُعظم هذه الصّواريخ لعدّة أسباب، أبرزها استِخدام “نظريّة الكثرة” في الأعداد بما يفوق قُدرات هذه القُبَب مثلما حدث في حرب غزّة الأخيرة (4340 صاروخًا)، وتكتيك استِخدامها، أيّ الصّواريخ” مسارات مُنخفضة أُسوَةً بما فعلته حركة “أنصار الله” اليمنيّة في قصفها لمُنشآت وبُنى تحتيّة سعوديّة لتجنّب بطاريّات صواريخ الباتريوت ثانيًا، ولدقّتها في إصابة أهدافها ثالثًا.

التّسريبات العسكريّة الإسرائيليّة المُتَكرِّرة تدّعي أنّ قُدرة نجاح هذه القُبَب تَصِل إلى 90 بالمئة، ولكنّ الكثير من الخُبراء من بينهم مايكل أرمسترونغ أكّد في دراسةٍ نشرتها مجلة “ناشونال إنترست” قبل بضعة أيّام يُشَكِّكون في هذا الرّقم، حيث أكّد البروفيسور أرمسترونغ أنّ هذه القُبَب أقلّ فاعليّة بشَكلٍ ملحوظ خاصّةً أمام ضربات صاروخيّة تُوَجَّه إلى أهدافٍ قَصيرةِ المدى.

الدكتور سيث فرانتسمان مُؤلّف كتاب Drons War (أي حرب الدرونز: آلات القتل والتّجسّس الصّناعي وحُروب المُستقبل) يُؤكِّد في هذا الكتاب أنّه “لا يُوجد نظام دفاعي صاروخي تقليدي مهما كان مُتَقَدِّمًا يتَمتّع بحصانةٍ كاملة ضدّ الهجمات الصاروخيّة المُكَثَّفة بِما في ذلك نظام القُبَب الحديديّة” وأنّ إسرائيل سارعت للتَّوصُّل إلى اتّفاقٍ لوقف إطلاق الصّواريخ في حرب غزّة الأخيرة (بعد 11 يومًا) بسبب هذه الحقيقة، لأنّ هذه القُبَب فَشِلَت في التّصدّي لأكثر من 4340 صاروخًا بسبب كثافتها”، وأضاف “حرب غزّة الأخيرة مُختلفة عن كُل سابقاتها بسبب كثافة صواريخها، وفشل القُبَب في اعتِراض مُعظمها، ووجّهت رسالة للقِيادة العسكريّة الإسرائيليّة تقول مُفرداتها إنّ هذه القُبَب لم تَعُد كافيةً لتوفير الحِماية للإسرائيليين”.

ربّما يُفيد التّذكير بأنّ بيني غانتس، وزير الحرب الإسرائيلي، طار إلى واشنطن فور انتِهاء حرب غزّة للحُصول على مِليار دولار بشَكلٍ طارئ لإصلاح عُيوب القُبَب الحديديّة، والطّلب من واشنطن تعويض ما خسرته من صواريخ في هذه الحرب، وبأسرعِ وَقتٍ مُمكن، وتَكَرَّر الطّلب نفسه أثناء زِيارة الجِنرال لويد أوستن، وزير الدّفاع الأمريكي، لتل أبيب قبل أُسبوعين.

الخِيار الوحيد الذي بات مطروحًا أمام القِيادة العسكريّة الإسرائيليّة لوقف إطلاق هذه الصّواريخ من قِطاع غزّة وجنوب لبنان هو اجتِياحُهما بَرِّيًّا، وهذا خِيارٌ شِبْهُ مُستحيل، لأنّه سيكون مُكلِف جدًّا، بسبب حجم الخسائر البشريّة الضّخمة التي ستترتّب عليه في الجانب الإسرائيلي تحديدًا، بسبب وجود صواريخ الكورنيت المُضادّة للدبّابات ذات الفاعليّة العالية مثلما حصَل في اجتِياح غزّة عام 2009، وحرب تمّوز في لبنان عام 2006.

***
ما نُريد التَّوصُّل إليه من خِلال هذا الطّرح الموثق بالأرقام والحقائق إنّ دولة الاحتِلال الإسرائيلي فقدت أهم ميّزتين لها، الأُولى قُدرة الرّدع الاستِراتيجي في مُواجهة حربيّ الدورنز (المُسيّرات) والصّواريخ المُستقبليّة، والثّانية عُنصر المُفاجأة والأخْذ بزِمام المُبادرة في إشعال فتيل الحُروب، والاعتِماد على السّلاح الجوّي الذي فَشِلَ في حسم الحُروب، وهذا ما يُفَسِّر عدم قُدرتها المُباشرة في الرّد بشَكلٍ فاعل على الصّواريخ الأربعة “المَجهولة” التي قصفت مُستوطنة كريات شمونة (الخالصة) في الجليل، أو تنفيذ تهديداتها بالثّأر من إيران المُتّهمة بالوقوف خلف الهُجوم بالمُسيّرات على ناقلتها “ميرسر ستريت” في بحر عُمان حتّى كتابة هذه السّطور على الأقل، والتَّهرُّب باتّهام عناصر يَمنيّة بالإقدام على هذا الهُجوم بحثًا عن رَدٍّ “مسرحيّ”.

موازين القِوى، وقواعد الاشتِباك الحاليّة، لم تَعُد في صالح “إسرائيل” التي باتت، ورُغم تهديداتها الكثيرة، عاجزةً عن شنّ أيّ حربٍ، سواءً ضدّ فصائل المُقاومة في غزّة أو اليمن، أو جنوب لبنان، ناهِيك عن إيران، ولا نَستبعِد أن تتراجع في المُستقبل المَنظور عن هجماتها على سورية خَوفًا من مُفاجآتٍ لا تَسُرُّها.. واللُه أعلم.

* المصدر : رأي اليوم
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع