اليمن: أسوأ أزمة إنسانية عرفها العالم منذ 100 عام مع عدم وجود حل سياسي يلوح في الأفق
باريس (صحيفة ” atlantico ” الفرنسية, ترجمة: اسماء بجاش-سبأ):—–
مقابلة اجرتها صحيفة “” atlantico الفرنسية مع الباحث في الشأن اليمني فرانك ميرمير*.
يشهد اليمن أسوأ أزمة إنسانية عرفها العالم منذ 100عام, وفي خضم هذه الأزمة, لا يزال البلد يصطلي بنيران الحرب التي بدأت بسرد فصولها منذ أواخر مارس من العام 2015, حيث جعلت كلا من المملكة العربية السعودية و الجمهورية الإسلامية الإيرانية من اليمن ساحة حرب لهما بالوكالة.
الصحيفة: هل ترى حلا للأزمة التي غرق فيها اليمن على المدى القريب؟
فرانك ميرمير: لا أرى أي بوادر حل للأزمة اليمنية على المدى القريب, فبعد فشل المحادثات التي كان من المقرر عقدها في جنيف في 6 سبتمبر 2018, جراء رفض جماعة الحوثي الذهاب إلى هناك تحت ذريعة أن الضمانات التي قدمتها المملكة العربية السعودية فيما يخص الرحلة الجوية من وإلى العاصمة صنعاء لم تكن كافية.
والآن, يعيش البلد الآن في خضم حرب فرض السيطرة على مدينة الحديدة البوابة الرئيسية لليمن, والتي من خلالها يمر السواد الاعظم من الواردات, إذ لا يزال الحوثيين يسيطرون على المدينة, في حين تمنع القوات الحكومية المدعومة بشكل أساسي من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة من وصول الامدادات إلى الأجزاء الذي تسيطر عليه جماعة الحوثي.
هذا الأمر يعتبر أكثر خطورة في الوقت الذي يستمر فيه الحصار الجوي على العاصمة صنعاء بحجة أن طهران يمكن أن تزود حليفها الحوثي بالأسلحة.
لا يختلف الحال في المناطق الجنوبية التي يفترض أنها تعيش في كنف حكومة الرئيس هادي، فإن الوضع الاقتصادي يتدهور أيضاً بشكل كبير، لاسيما في ظل انهيار العملة المحلية، وعدم انتظام دفع رواتب موظفي الخدمة المدنية في المناطق التي تسيطر عليها جماعة الحوثي.
ومن المفترض أن تجد المساعدات الانسانية في مدينة عدن ضالتها, ولكن المدينة نفسها التي يفترض أنها العاصمة المؤقتة للحكومة اليمنية تعاني من انقطاع المياه والكهرباء مثل صنعاء التي شهدت للتو مظاهرات ضد تدهور وتردي الوضع الاقتصادي والتي قوبلت بعمليات قمع شديدة.
بالإضافة إلى ذلك، تعاني مدينة عدن من عدم استقرار سياسي كبير بسبب المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يتلقى الدعم بدوره من دولة الإمارات, حيث يعكف على وضع عقبات امام ممارسة سلطة الحكومة.
الصحيفة: في قراءة لما وراء الصراع، ما هي المصالح الإقليمية للمملكة العربية السعودية وإيران في اليمن؟
فرانك ميرمير: ترى المملكة العربية السعودية في اليمن جزء من حديقتها الخلفية ومن منطقة نفوذها, ففكرة تكوين قوة ذات الصلة بطهران في صنعاء تطمح للسيطرة على البلد برمته لم ترق للجانب السعودي.
كما أن اليمن اصبحت جزء من صراع إقليمي, ففي سوريا تمكنت طهران من تقويض سياسة التأثير السعودية, وبالنسبة لطهران، فإن الحرب اليمن هي ببساطة فرصة تمكنت من خلالها من توريط الرياض دون أن ترسل أي قوات أو حتى أسلحة.
الصحيفة: ما الأسباب التي ادت إلى تفشي لمثل هذه الأزمة الإنسانية ؟
فرانك ميرمير: يكمن السبب الرئيسي في وقوع اليمن في شرك أزمة إنسانية في قضية إطالة أمد الحرب المندلعة على العديد من الجبهات المختلفة مع حدوث حرب مدنية مميتة, وبالأخص في مدينتي تعز وعدن اللتان تمكنت من دحر قوات الحوثيين وبسبب الحصار الجوي والبحري الذي تمارسه الرياض وأبو ظبي, بالإضافة إلى تجزئة البلد وظهور قوى منافسة مختلفة الذي أدى إلى عزل البلد بشكل كامل.
كان اليمن قبل اندلاع الصراع يعاني من بنية تحتية هشة, حيث عانى القطاع الصحي من تدهور كبير, في حين شكل الفقر نسبة عالية جداً.
عامل آخر زاد من تفاقم الوضع في اليمن الذي يعتمد على الواردات بشكل كبير, كما أن الطبيعة العامة للبلد ريفية في معظمه, كما أن الضعف والوهن الذي اصاب حكومة الرئيس هادي التي فشلت في فرض نفسها, بالإضافة إلى اعتمادها الكلي على المملكة العربية السعودية يعتبر سبب آخر عمل على زعزعة الاستقرار في هذا الوضع الفوضوي.
في الجنوب، لا سيما في عدن وحضرموت يجب على المرء أيضاً أن يتعامل بحذر جراء التهديدات التي يشكلها تنظيم القاعدة وداعش.
تتمتع الرياض وأبو ظبي بكامل الحرية في اليمن, كما يملكان حق التصرف في المساعدات الدولية في المناطق التي يسيطرون عليها.
وفي حال تمكنت قوات التحالف من فرض سيطرتها على مدينة الحديدة الساحلية, سيودي ذلك إلى زيادة الحصار المفروض على الاجزاء الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، وبالتالي تفاقم الوضع المأساوي للسكان الذين يتعرضون للقصف الجوي.
إن الأزمة الإنسانية الحاصلة في البلد هي أيضا نتيجة اختيار الأطراف المتحاربة للخيار العسكري، حيث أن صراع الشرعية بين الرئيس هادي وجماعة الحوثي هو نقطة غير قابلة للحل في حل لم يفرض الرعاة الإقليميون إعادة رسم الخارطة, وكسر الجمود في مسألة الشرعية هذه منذ أن خسروا دعواهم لتمثيل أنفسهم.
* فرانك ميرمير: مختص في الشأن اليمني المعاصر, عمل مديراً للمركز الفرنسي للدراسات اليمنية في العاصمة صنعاء في الفترة ما بين 1991 إلى 1997، ثم المدير العلمي للدراسات المعاصرة في المعهد الفرنسي للشرق الأدنى في العاصمة اللبنانية بيروت في الفترة ما بين 2009-2002, يشغل حالياً منصب مدير الأبحاث في المركز الوطني للبحث العلمي.