نكاية في الهند أم مصالح مشتركة؟ سر التقارب القوي بين الصين وباكستان
السياسية:
خلال العامين الماضيين دخلت العلاقة بين باكستان والصين في منحى جديد أكثر إيجابية على عدد من المستويات، ربما بسبب التوتر بينهما وبين الهند، وكان أبرز ظهور لهذه العلاقة في المجال العسكري.
وتستمر العلاقة الاستراتيجية والعسكرية بين الصين وباكستان في التعمق. أدخل الجيش الباكستاني مؤخراً أولى دفعات الدبابات القتالية الصينية “في تي-4”. إذ إن الدبابات القتالية “في تي-4” التي تنتجها شركة نورينكو الصينية الحكومية للصناعات الدفاعية، بدأ إمدادها إلى باكستان في أبريل/نيسان 2020. وتعد باكستان ثالث دولة تشتري دبابات “في تي-4″، بعد تايلاند ونيجيريا، بحسب تقرير لمجلة The Diplomat الأمريكية.
وتعد “الدبابة في تي-4 متوافقة مع أي دبابة حديثة في العالم تدمج دروع الحماية المتطورة والقدرة على المناورة وقدرات القوة النارية والتكنولوجيا الحديثة، كما أن هذه الدبابات من الجيل الثالث استُخدمت في دور هجومي بواسطة تشكيلات هجومية”. ويُجسِّد بيع وإدخال الدبابات الصينية مجرد مؤشر آخر على مواصلة ترسيخ الشراكة الاستراتيجية بين البلدين في وجه الظروف الدولية المستجدة في المنطقة.
الطائرة الصينية j-10/رويترز
وبالمثل، لا يمكن تجاهل استخدام باكستان الطائرات المسيَّرة القتالية أو الطائرات المسلحة بدون طيار صينية الصنع، وذلك ضد الهند. فبعد أن كانت مستورِداً للطائرات المسيرة، تبرز الصين اليوم بوصفها مُصدِّراً أساسياً للطائرات بدون طيار ذات الاستخدامات المدنية وذات الاستخدامات القتالية، لعدد من البلاد.
في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعلنت وسائل الإعلام الصينية الحكومية عن قرار بيع 50 طائرة مسيرة من طراز تشنغدو وينج لونج إلى باكستان، وادعت أنها “ستكون كابوساً للتشكيلات البرية الهندية في المناطق ذات الارتفاعات العالية؛ نظراً إلى أن الجيش الهندي لا يملك القدرة على الرد على أسلحة المواجهة العصرية الحديثة”.
وفي الشهر نفسه من عام 2020، علَّق قائد القوات الجوية الهندية على بيع طائرات تشنغدو وينج لونج قائلاً: “سواء كانت عند خط المراقبة في جامو وكشمير، أو عند خط السيطرة الفعلية في لداخ، فإن المجال الجوي يراقَب مراقبة دقيقة عن طريق الرادارات ويُتنازع عليه بشدة عن طريق المقاتلين. الطائرات المسيرة سوف تُسقَط بكل بساطة إذا عبرت الحدود”.
الطرفان يسعيان لتعميق الشراكة
وبعد ستة أشهر، قبيل نهاية يونيو/حزيران، كان الواقع مختلفاً عندما وقع هجوم بطائرة مسيرة عند المنطقة التقنية الأمنية المشددة لمحطة سلاح الجو الهندي في جامو. ولكن لا يزال غير واضحٍ ما إذا كانت الطائرة المسيرة عبَرت خط المراقبة، أم أن التحكم فيها كان من داخل الأراضي الهندية نفسها.
صحيحٌ أن تجارة المعدات الدفاعية بين الصين وباكستان ليست أمراً جديداً، لكن مبيعات الأسلحة المشهودة مؤخراً تمثل إشارة على رغبة مشتركة في تعميق الشراكة الاستراتيجية. ومن أجل هذه الغاية، زار وزير الدفاع الصيني وي فنغ خه، إسلام آباد في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، ووقَّع البلدان على مذكرة تفاهم تستهدف تعزيز التعاون الدفاعي بين جيش التحرير الشعبي الصيني والجيش الباكستاني.
فضلاً عن أن الحقيقة التي تشير إلى أن باكستان تؤيد موقف الصين تأييداً مطلقاً في الموضوعات الأساسية، التي على شاكلة بحر الصين الجنوبي وتايوان وإقليم سنجان والتبت، تعد مصدر طمأنينة قطعاً بالنسبة للصين.
يقدم العدد المتزايد من التدريبات العسكرية الصينية الباكستانية إشارة أخرى على تعمُّق الشراكة بين الجيشين. في واحدة من المشاركات التي وقعت مؤخراً في شهر مايو/أيار، أجرى الجيشان تدريباً مشتركاً بالقرب من خط السيطرة الفعلية في التبت. وجاء التدريب العسكري المشترك على خلفية الصراع بين الصين والهند في وادي جلوان، والمواجهة العسكرية الممتدة في لداخ الشرقية. ولا تتاح كثير من التفاصيل حول القوات المشاركة، ولكن تشير تقارير إلى أن قوات الدفاع الجوي لجيش التحرير الشعبي الصيني شاركت في التدريبات المشتركة. قبيل التدريبات العسكرية المشتركة، قيل إن جيش التحرير الشعبي الصيني والجيش الباكستاني أجريا تمرينات سابقة للتدريب المشترك، وكان ذلك بمدينة سرغودها في باكستان.
وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، شاركت القوات الجوية لجيش التحرير الشعبي الصيني والقوات الجوية الباكستانية في تدريب مشترك سُمي “شاهين 9” بإقليم السند. كان الغرض من هذه التدريبات “تعزيز نمو العلاقات بين الجيشين الصيني والباكستاني، وتعميق التعاون العملي بين القوتين الجويتين، وتحسين مستوى التدريب على المعارك الفعلية بالنسبة للجانبين”.
بعد فحص تدريب “شاهين 9″، الذي يعد التاسع في سلسلة من التدريبات المشتركة بين القوتين الجويتين للبلدين، علّق رئيس أركان الجيش الباكستاني، الجنرال قمر جاويد باجوا، قائلاً إن التدريب يمكن أن “يطور القدرات القتالية لكلتا القوتين الجويتين تطويراً كبيراً، ويحسّن كذلك قابلية التشغيل المتبادل”.
لماذا زادت أهمية التعاون بين بكين وإسلام آباد؟
كانت باكستان شريكاً مهماً للصين على مدى عقود. ولعل أهميتها قد زادت أكثر لعدد من الأسباب. يكمن أحد هذه الأسباب في نهج الصين المُعادي لعدد كبير من البلاد، في ظل دبلوماسية الذئب المحارب التي تتبعها، بدءاً من جيرانها في منطقة المحيط الهادئ الهندي ووصولاً إلى أوروبا. أثار هذا أهمية الشركاء الحقيقيين القليلين الذين لديها، مثل باكستان. إضافة إلى أنَّ تفاقم توتر العلاقات مع الهند أسفر عن تقارب نيودلهي من واشنطن وحلفائها، وضمنهم أستراليا واليابان. فضلاً عن أن الهند طورت شبكة من الشراكات الاستراتيجية والأمنية، ومن بينها الحوار الأمني الرباعي (كواد) مع الولايات المتحدة وأستراليا واليابان، وطورت كذلك عدداً من الشراكات الثلاثية الاستراتيجية مثل شراكة هندية-أمريكية-يابانية وشراكة يابانية-هندية-أسترالية.
صُممت كل هذه الشراكات الجديدة، بكل وضوح، بهدف التصدي للصين، حتى لو امتنعت الهند عن الإفصاح عن ذلك بكل صراحة. لكن جميعها كذلك جعل الصين تعمق علاقتها أكثر من ذلك مع باكستان، بغرض التصدي للهند.
ثمة سبب آخر يتعلق باعتماد الصين على باكستان في الموقف المتطور داخل أفغانستان. مع توقع استيلاء حركة طالبان على أفغانستان، لدى الصين عديد من الأسباب التي تجعلها راغبة في أن تحظى بعلاقة عملية مع طالبان. فعلى جانبٍ، ينتاب القلقُ الصينَ من احتمالية انتشار المتطرفين من أفغانستان إلى منطقة سنجان.
في الوقت الراهن، يبدو أن طالبان تطمئن بكين بشأن نواياها حول قضية الإيغور. فقد أوردت تقارير أن مسؤولاً بارزاً في طالبان قال: “إننا نكترث لاضطهاد المسلمين، سواء كانوا في فلسطين أو في ميانمار أو في الصين، ونكترث باضطهاد غير المسلمين في أي مكان بالعالم. لكن الأمر الذي لن نفعله هو التدخل في الشؤون الداخلية للصين”. ويجب أن يكون تعهُّد طالبان بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للصين إشارة مطمئنة لبكين، لكن الأمر برمته مسألة لا تستطيع الصين تجاهلها.
يضاف إلى هذا أنه في ظل خروج الولايات المتحدة من مسرح الأحداث في أفغانستان، قد ترغب الصين في تعظيم وصولها إلى وسط آسيا عبر أفغانستان. لن يتحقق كل هذا إلا عبر المساعي الحميدة من جانب إسلام آباد والعلاقات التي تحظى بها المؤسسة الباكستانية مع طالبان. وأخيراً، ربما تريد الصين إبراز ولائها لأصدقائها المقربين مثل باكستان، وقدرتها على المحافظة على علاقات جيدة مع البلاد الأخرى في وقتٍ إشكاليٍّ بالنسبة لعلاقاتها مع كثير من البلاد في المنطقة.
يشير كل هذا إلى أن العلاقة الاستراتيجية والعسكرية العميقة بالفعل بين الصين وباكستان، سوف تستمر في التعمق أكثر وأكثر.
عربي بوست