هل يمكن أن تندلع حرب نووية؟
السياسية:
كشفت ملفات رُفعت عنها السرية مؤخراً أن سيناريو “الرعب النووي الذي قد يُنهي العالم” أمر وارد الحدوث، رغم ما تحظى به الأسلحة النووية من ضمانات في إطار كونها سلاح ردع.
ومنذ إلقاء الولايات المتحدة قنبلتين ذرّيتين على هيروشيما وناجازاكي، ما أرغم اليابان على الاستسلام وانتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945، تطوّرت الأسلحة النووية بصورة مرعبة، وكدّستها الدول النووية، وبخاصة الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي (بعد انهياره امتلكت روسيا تلك الترسانة).
وواجهت البشرية بالفعل خطر الفناء بسبب اندلاع حرب نووية في أكثر من مناسبة، ربما يكون أقربها للحدوث -بحسب ما نعرفه- أزمة الصواريخ الكوبية، في أكتوبر/تشرين الأول 1962، لكن بعض الملفات التي رُفعت عنها السرية مؤخراً كشفت واقعاً مختلفاً ومقلقاً للغاية في الوقت نفسه، بشأن الرعب النووي.
هل اندلاع حرب نووية أمر مستحيل؟
حاول تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية تقديم إجابة تفصيلية لهذا السؤال، جاء فيه أن ما يجب تذكره دائماً هو أنّ اندلاع حربٍ إقليمية صغيرة -مهما كانت شنيعة- لن يُدمّر الولايات المتحدة أو يُهدد بنهاية العرق البشري. ومع ذلك فإنّ أي صراعٍ نووي على أي مستوى في نصف الكرة الشمالي سوف يعني نهاية العصر الحديث فعلياً.
ولا شك أنّ الكثير منا يعتقد أنّه من المستحيل اندلاع حربٍ نووية تشهد تبادل إطلاق الأسلحة النووية بين دولتين أو أكثر في صراعٍ مفتوح. أليس هذا الاعتقاد صحيحاً؟ كلا، إنّه اعتقادٌ خاطئ، وإليكم الكيفية التي قد تندلع بها كل سيناريوهات الكارثة.
خطأ ميكانيكي
إنّ الأسلحة النووية ليست كائنات واعية، فالروبوتات لا تمتلك وعياً ذاتياً، ولن تمتلكه على الإطلاق، إذ إنّها مجرد آلات، ويمكن للآلات أن تواجه مشكلةً داخلية من تلقاء نفسها، ودون تدخلٍ بشري.
وبقدر ما هو مرعب أن نفكر في اندلاع حربٍ بسبب حادثةٍ ميكانيكية، فمن الضروري أن نتذكر أنّ هذا السبب يمثل أكثر الاحتمالات المستبعدة لاندلاع حربٍ نووية، إذ أمضت القوى العظمى الكثير من الوقت إبان الحرب الباردة لضمان تأمين ترسانات أسلحتها النووية ضد الحوادث، لدرجة أنّ الأمريكيين والسوفييت بدأوا التفكير فيما إذا كانوا قد وضعوا عقبات أكثر من اللازم قد تمنعهم من إطلاق الأسلحة عن عمد حين تندلع الحرب.
ورغم أنّ خطر إطلاق الأسلحة النووية الاستراتيجية بطريق الخطأ يقترب من الصفر، فإنه لا يزال قائماً على نطاقٍ ضيق. إلا في حال صمم شخصٌ ما “آلةً لنهاية العالم” تُخرج البشر من المعادلة، ولكن من قد يكون مجنوناً لهذه الدرجة؟
حسناً، تبيّن أن القيادة العليا السوفييتية كانت بهذه الدرجة من الجنون في سنواتها الأخيرة، إذ بنى الاتحاد السوفييتي نظاماً يُدعى Perimetr، أو “يد الموت” كما كان معروفاً في روسيا.
صاروخ قادر على حمل رؤوس نووية/ويكيبديا
وكان Perimetr عبارةً عن نظامٍ حاسوبي في الأساس، يمكنه مراقبة مؤشرات الهجوم النووي والرد من تلقاء نفسه، في حال أُصيبت القيادة السوفييتية بالضربة الأولى واختفت من الوجود. وقد سألنا الروس منذ ذلك الحين إن كان هذا النظام لا يزال قائماً، لكنهم أكدوا لنا بكل ثقة أن علينا الاهتمام بشؤوننا الخاصة وتركهم وشأنهم. هذه الإجابة بالطبع ربما تعني أنهم انتبهوا إلى خطورة الأمر، أو ربما تعني أنها طريقة الروس في إبقاء أمورهم غامضة بالنسبة لأعدائهم (الأمريكيين)، من يدري؟
وفي هذا السياق، كان تقرير نشره موقع Live Science الأمريكي قبل أسابيع بعنوان “ما الحدُّ الأدنى لعدد الأشخاص اللازمين من أجل نجاة البشرية من نهاية العالم؟”، قدم رصداً للأبحاث والدراسات العلمية التي سعت للتوصل إلى إجابة للسؤال الذي قد يبدو غريباً للبعض. أما عن أسباب التفكير في احتمال انتهاء الحياة البشرية على كوكب الأرض فهي في حقيقة الأمر كثيرة ومتنوعة، وضع التقرير على رأسها احتمال اندلاع حربٍ نووية شاملة.
خطأٌ بشري
ما دامت هناك آلات يُديرها البشر فسوف تحدث أخطاء، لكن الحرب لن تندلع بسبب سقوط قاذفة قنابل أو اشتعال النيران في صومعة، بل سيكمن سبب الخطأ في سوء تفسير الحوادث بواسطة البشر غير المعصومين من الخطأ.
ويعج التاريخ البشري بالكثير من هذه الأخطاء، ففي عام 1995، نسي الروس أن النرويجيين قد أعلموهم بإطلاق صواريخ من أجل إرسال بعض الأقمار الصناعية الخاصة بقراءة الطقس إلى الفضاء، لذا أرسلت القيادة العليا الروسية إلى الرئيس بوريس يلتسن لتُخبره أنّ لديها معلومات مؤكدة عن إطلاق صاروخ من الناتو فوق روسيا.
ولحسن الحظ، لم يفترض أحدٌ في الكرملين أنّ بيل كلينتون يحاول بدء حربٍ عالمية ثالثة بواسطة رأس حربي واحد من النرويج. علاوةً على أنّ العلاقة الطيبة بين كلينتون ويلتسن جعلت الرئيس الروسي متشككاً في أنّ روسيا ستتعرض لهجوم مفاجئ.
وقد أُثيرت الأخطاء التالية بسبب أسراب الطيور، وأخطاء الحواسيب العشوائية، وأشعة الشمس التي تُظهر تشكيلات غريبة على السُّحب (والتي فسّرتها الحواسيب السوفييتية على أنّها ذيلٌ ناري للعديد من الصواريخ الأمريكية). وفي كل هذه الحالات كان البشر هم المسؤولين عن اتخاذ القرار: هل هناك شخصٌ يُهاجمنا بالفعل؟ وقد حال الأشخاص الأذكياء من روسيا والولايات المتحدة دون تحوّل هذه الأخطاء الميكانيكية إلى حرب نهاية الزمان.
ومع ذلك، لا تساعد الملفات التي رُفِعَت عنها السرية مؤخراً بشأن هذه الوقائع على النوم ببالٍ مطمئن. ففي عام 1979 مثلاً، أيقظت قيادة الدفاع الجوي لأمريكا الشمالية (نوراد) مستشار البيت الأبيض زبغنيو بريجينسكي من نومه، لتخبره أنّ هناك هجوماً نووياً سوفييتياً ضخماً في الطريق. أو كان هذا هو اعتقادهم على أي حال: حيث قرروا تنبيهه أثناء تحققهم من الأمر، وكان بريجينسكي على بُعد دقائق من إيقاظ الرئيس جيمي كارتر وتسليمه أكواد الجحيم، قبل أن تتصل به القيادة مرةً أخرى وتقول: “عذراً، لا داعي للقلق، لقد ارتكبت الحواسيب خطأً، إنّها غلطتنا وسوف نُصلح الأمر”.
لكن تكرر الأمر مرةً أخرى في عام 1980، وحينها أرسل السوفييت، الذين انتبهوا إلى النشاط الكبير الواقع، مذكرةً لطيفة إلى كارتر لسؤاله فعلياً: ما الذي يحدث عندك؟ وقد كان سؤالاً جيداً أنقذ الموقف.
الأساس هنا لا يتعلق بالتكنولوجيا، التي تجعل إطلاق الصواريخ بسبب حادثةٍ ميكانيكية أمراً شبه مستحيل، بل يقع الخطأ هنا على عاتق البشر، الذين يمكنهم إصدار الأوامر بالرد الانتقامي في لحظات الأزمة، ليسببوا كارثةً لا يمكن الرجوع فيها. ورغم أنّ خطورة الأمر تقل في أوقات التوترات المنخفضة، لكن الاحتمالية تظل قائمة، إذ إنّ الجمع بين الأخطاء الميكانيكية وأخطاء البشر في إصدار أحكامهم قد يُضاعف خطر اندلاع الحرب بطريق الخطأ، ليتحول الأمر من خطأ صغير إلى احتماليةٍ شديدة الواقعية.
استعراض القوة
وبانتقالنا من الأخطاء الميكانيكية إلى الأخطاء البشرية تُصبح الأمور أكثر رعباً، إذ يمكن للآلات أن ترتكب الأخطاء، ولكن في غياب الأزمات العالمية والأدلة المؤكدة الإضافية لن يدخل أحدٌ في حرب بسبب عطلٍ في جهاز الإطلاق. وبينما كتب الصحفيون وخبراء السلامة النووية العديد من الكتب عن الانفجارات العرضية وغيرها من المخاطر، لكن أكثر ما يُثير القلق هو القرار الواعي باستخدام الأسلحة النووية.
وأسوأ خطأ يمكن ارتكابه مع الأسلحة النووية هو الاعتقاد بأنها مجرد أسلحةٍ عادية، وأنّها متاحة للاستخدام العادي مثل غيرها، لكن ثاني أسوأ خطأ هو الاعتقاد بأنّ الأسلحة النووية هي سحرية، وأن استخدامها يحل المشكلات التي تعجز عن حلها السياسة والاستراتيجيات. وهذا الخطأ الثاني هو ما يدفع الناس إلى التفكير بشأن أشياء مثل “الضربات الاستعراضية”، أو استعراض القوة النووية، حيث تنفجر الأسلحة النووية بالقرب من منطقة صراع وليس داخلها.
ومن الناحية الظاهرية يمكن لهذا الاستعراض أن يُعيد جميع الأطراف المتحاربة إلى رشدها، ويُلغي سبب اندلاع الأزمة من الأساس. وهذه فكرةٌ مغرية وخطيرة في الوقت ذاته، إذ يقول هذا المنطق إنّه إذا رأى العدو تصميمنا فسوف يرتدع عن عدوانه. ومن المحتمل بالطبع أنّ يؤدي انفجارٌ نووي إلى إعادة تركيز زعماء روسيا والصين وأمريكا ليمنحهم “لحظة صفاء”، بينما يفكر الجميع بشأن ما هو معرضٌ للخطر، ومقدار ما هم مستعدون للمخاطرة به من أجل النصر.
عربي بوست