هزيمة تحالف العدوان في اليمن تُجبر “بن سلمان” على تقديم تنازلات جديدة لـ”أنصار الله”
السياسية :
لا تتوانى حكومة صنعاء وحركة “أنصار الله” اليمنية عن رفض المبادرات السعودية لوقف إطلاق النار في اليمن، لاعتبارات عديدة تندرج في حسابات مختلفة، نتيجة التغيرات السياسية والعسكرية التي أفرزت واقعاً جديداً في اليمن. واقع لا تزال الرياض ترفض الإذعان له، إذ لا زالت تفاوض اليمن من موقع المنتصر الذي يمنّ على الطرف الآخر ببعض الإنفراجات الإنسانية هنا أو هناك، وكأنها ليست الخاسر الأكبر في معركة خسر فيها كل من شارك بها وانتصر اليمن وشعبه. مشكلة المبادرات السعودية هي أنها غير جدية، إذ تستخدمها الرياض في محاولة تحصيل المزيد من المكاسب السياسية بطرق غير مباشرة، بعدما ثبتت هزيمتها المدوية على أرض المعركة، وتحديداً في معركة مأرب تلك التي تكبدت بها القوات السعودية وقوات “هادي” والجماعات الإرهابية خسائر هائلة بالعديد والعتاد، فضلاً عن التقدم المستمر الذي تحققه قوات الجيش واللجان الشعبية اليمنية “أنصار الله” باسترجاع المزيد من الأراضي اليمنية.
وحول هذا السياق وفي خطوة جديدة، أقدم تحالف العدوان السعودي قبل عدة أيام على تعليق عملياته في اليمن لتسهيل المفاوضات، في الوقت الذي تستعد فيه حكومة صنعاء وحركة “أنصار الله” اليمنية لإعادة فتح مطار صنعاء. كلام أعلنه المتحدث باسم تحالف العدوان العميد الركن “تركي المالكي”، بقوله إنه “لم يتم تنفيذ عمليات عسكرية بمحيط صنعاء وأي مدينة يمنية أخرى خلال الفترة الماضية، تقرّر عدم القيام بأي عملية بهدف تهيئة الأجواء السياسية للمسار السلمي”. لكن السؤال هل حقاً اقتنع السعوديون بهزيمتهم في اليمن وحان الوقت لحوار واقعي مع حكومة صنعاء وحركة “أنصار الله” اليمنية؟
وللإجابة عن هذا السؤال، كشف مصدر سعودي رفيع المستوى النقاب عن تنازلات جديدة أبدى ولي العهد “محمد بن سلمان”، استعداده لتقديمها لحركة “أنصار الله” في اليمن مقابل البدء بتطبيق وقف إطلاق النار. وذكر المصدر، أن “بن سلمان” قدم تنازلات جديدة عبر الوسطاء الدوليين والذين كان آخرهم وفد سلطنة عمان الذي زار اليمن الأسبوع الماضي والتقى بقادة حركة “أنصار الله” في العاصمة صنعاء. وأشار إلى أن الوفد العماني حمل عدة تنازلات سعودية رسمية لإرضاء حركة “أنصار الله” بشرط وقف هجماتهم العسكرية على المملكة والجلوس على طاولة المفاوضات. وقال إن: “بن سلمان وافق على دفع عشرات المليارات لحركة أنصار الله لإعادة إعمار مناطق نفوذهم والاعتراف بسلطتهم على شمال اليمن”. ورغم ترحيب حركة “أنصار الله” بالتنازلات الجديدة، إلا أنهم يشترطون فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة كاستحقاق إنساني.
وعلى صعيد متصل كشفت العديد من التقارير الاخبارية عن وصول، وفد من المكتب السلطاني في عمان بمعية رئيس وفد صنعاء التفاوضي، “محمد عبد السلام”، على متن طائرة عمانية إلى صنعاء يوم السبت الماضي. ونقلت قناة “المسيرة” عن “محمد عبد السلام” قوله إن “وفد المكتب السلطاني يصل للتباحث حول الوضع في اليمن على أساس مبدأ حسن الجوار والمصالح المشتركة”. وأضاف “عبد السلام”: “نعمل على الدفع بعملية ترتيبات الوضع الإنساني وكذلك عملية السلام”، مشيرا إلى أنه “استكمالا للجهود التي بذلناها بسلطنة عمان، نحن اليوم في صنعاء لمناقشة كل ما له مصلحة على المستوى الوطني والمنطقة عموما”. وهذه المرة الأولى التي يصل فيها وفد عماني إلى صنعاء، منذ بدء الحرب قبل نحو سبع سنوات في اليمن، وفق رصد الأناضول. وفي أيار الماضي، أجرى المبعوث الأممي إلى اليمن “مارتن غريفيث”، جولة استمرت اسبوعا في السعودية وسلطنة عمان، للتوصل إلى اتفاق بوقف إطلاق النار في اليمن.
ويوم الاثنين الماضي كشفت مصادر عمانية، عن مضمون رسالة خاصة وجهتها السعودية إلى قائد حركة “أنصار الله” تتعلق بمستقبل الحرب السعودية على اليمن والتي دخلت عامها السابع متسببة بأسوأ كارثة إنسانية في العصر الحديث. وقالت المصادر: إن “الوفد العماني الذي وصل إلى صنعاء يوم السبت الماضي حمل معه رسالة إلى قائد أنصار الله عبد الملك بدر الدين الحوثي من ولي العهد السعودي تتضمن تنازلات سعودية منها استعداد السعودية لفتح مطار صنعاء الدولي و ميناء الحديدة وتقديم معونات عاجلة لليمنيين مقابل وقف تقدمات قوات صنعاء بمأرب و وقف الهجمات الجوية بالمسيرات والصواريخ وغيرها على العمق السعودي. وأشارت المصادر إلى أن الوفد العماني قام بإيصال الرسالة إلى قائد حركة “أنصار الله” .الجدير بالذكر أن ناطق الحركة “محمد عبد السلام” وعضو المجلس السياسي “محمد علي الحوثي” كانا قد ردا على المبادرة السعودية الأخيرة والتي تضمنت مضامين مشابهة بالتأكيد على عدم مقايضة الملف الإنساني بالملف العسكري مشترطين تقديم الملف الإنساني ومعالجته قبل أي مفاوضات و دون أي اشتراطات .
وعلى هذا المنوال نفسه، ذكر العديد من المراقبين أنه يجب اقتراح منطق مشجع على الدخول في المفاوضات وقالوا، إن “إنهاء الحصار السعودي للبلاد هو بداية، لكن رسم أفق لترتيبات تقاسم السلطة بعد هذه الخطوة الأولى هو ما سيجعل محادثات السلام ممكنة. بعبارة أخرى، بدلاً من الخلاف مع حركة أنصار الله حول شروط وقف إطلاق النار، يجب على الولايات المتحدة أن تعلن عن رؤية لما يمكن أن تكون عليه التسوية السلمية النهائية”. ويقول البعض إن أي علامة على التنازل قد تشجع حركة أنصار الله أكثر على المضي قدمًا في تصعيدهم، كما يتضح من احتدام العنف مؤخرًا حول محافظة مأرب، آخر منطقة مهمة في الشمال لا تزال تحت سيطرة تحالف العدوان السعودي. ولكن، من المهم فهم أنه مع ارتفاع احتمالات إجراء مفاوضات السلام في عهد الرئيس “جو بايدن” مقارنة مع سلفه، يحاول قادة أنصار الله تعزيز موقفهم على الأرض وهذا ليس خطأ الإدارة الأمريكية الجديدة، إنها ببساطة طبيعة الحرب ومنطق الاوزان التفاوضية، ولا يقتصر بأي حال من الأحوال على اليمن.
وعلى صعيد متصل، يرى خبراء ومراقبون أن السعودية تكبدت خسائر كبيرة في كثير من المجالات، خلال عدوانها على اليمن، لاسيما في المجال الاقتصادي وفي مجال الميدان. ويقول اعلاميون ان الصواريخ الباليستية اليمنية وصلت الى العمق السعودي وطالت موانئها ومطاراتها و لهذا أدركت السعودية ان لا مجال امامها الا السعي لوقف هذا القصف وتفادي هذه الخسائر. ويبين اعلاميون، أن هزيمة السعودية في عدوانها على اليمن طيلة سبع سنوات تعد هزيمة للولايات المتحدة وهزيمة لسلاحها ومنظومتها الجوية، لان كل سلاح السعودية ومنظومتها الجوية هي أمريكية والضباط الذين يحمون الحدود السعودية ويديرون غرف العمليات السعودية هم أمريكيون، لهذا هذه هزيمة لامريكا قبل ان تكون هزيمة للسعودية.
كما أكد العديد من الخبراء أن خسائر السعودية المعتدية على اليمن، لم تقتصر على خسائرها من الاسرى والخسائر البشرية التي حُصدت بفعل المقاومين الابطال من الجيش اليمني واللجان الشعبية لانصار الله، بل أن هذه المملكة وحسب ما يرى خبراء ومراقبون، تكبدت خسائر كبيرة في كثير من المجالات، خلال عدوانها على اليمن، لاسيما في المجال الاقتصادي وفي مجال الميدان، بعد ان وصلت الصواريخ اليمنية البالستية الى عمق هذه المملكة وطالت موانئها ومطاراتها ما دفعها للادراك متأخرة ان لا مجال امامها الا السعي لوقف هذا القصف وتفادي هذه الخسائر التي يزداد حجمها وتراكماتها يوما بعد اخر نتيجة البأس اليماني والارادة الصلبة لقواته في الذود والدفاع عن كل شبر من ارضهم المعطاء.
وفي الختام يمكن القول إن عمليات صنعاء الصاروخية والهجمات التي نفذتها باستخدام الطائرات من دون طيار في عمق المملكة العربية السعودية قد فرضت ضغوطًا كبيرة على القادة السعوديين، سواء من حيث إلحاق أضرار جسيمة بالاقتصاد النفطي السعودي أو من حيث الأمن السعودي الهش وعدم قدرة الجيش السعودي على الدفاع عن نفسه في الحرب ضد اليمنيين، ولهذا فقد سعى قادة الرياض خلال الفترة الماضي لإيجاد طريقة لمنع استمرار هذه الهجمات. وعليه، فإن التخطيط للعمليات البرية على الحدود السعودية والاستيلاء على أجزاء من الأراضي السعودية، إضافة إلى زيادة إشراك البيئة الإقليمية السعودية في الحرب، سيزيد الضغط الداخلي على الرياض لإنهاء الحرب في اليمن. كما إن كل هذه الانتصارات التي تمكن أبطال الجيش واللجان الشعبية اليمنية من تحقيقها في عدد من مناطق ومديريات محافظة مأرب وفي الحدود اليمنية السعودية تدل على أن اليمنيين وصلوا إلى مستوى من القوة لدرجة أنهم ليسوا على استعداد لتقديم أي تنازلات للعدو لإنهاء الحرب، مؤكدين على الحفاظ على سيادة واستقلال البلاد. وفي ظل هذه الظروف، تحاول الرياض بالتأكيد تخفيف حدة عزلتها وتقليل الضغط الدولي لإنهاء الحرب من خلال الاستعانة بالعلاقات الدبلوماسية الخارجية وبذل الجهود لإجبار المجتمع الدولي، على إدانة الضربات الجوية اليمنية، والتي تعتبر رادعاً مشروعاً لوضع حد للعدوان السعودي على أبناء الشعب اليمني.
* المصدر : الوقت التحليلي
* المادة التحليلية تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع