ثكنة القذافي تتحول إلى مجمع ترفيهي وسط طرابلس
أصبح مقر الكلية العسكرية للبنات متنزها لليبيين ومكانا لممارسة الألعاب الرياضية
السياسية :
قبل عشرة أعوام لم يكن الليبيون يتخيلون أن إحدى الثكنات الشهيرة في ظل حكم العقيد معمر القذافي في وسط طرابلس قد تتحوّل إلى مجمع ترفيهي، لكن هذا ما حدث بالفعل لمقر “الكلية العسكرية للبنات”، أحد رموز نظام كان يفتخر بأن النساء يحرسن زعيمه.
بعد إطاحة ثورة فبراير (شباط) 2011 القذافي ثم قتله، تنازعت مجموعات مسلحة عدة للسيطرة على المقر الذي خرّج عدداً كبيراً من النساء العسكريات. وشهدت الكلية اشتباكات مسلحة متكررة، إلى أن صدر قرار حكومي قبل أربعة أعوام بتحويلها إلى مساحة للترفيه. وشكّل القرار خطوة على طريق إخلاء العاصمة من المقرات العسكرية بين الأحياء السكنية.
متنفس بيئي استثنائي
وطوال السنوات الماضية، صدرت قرارات متكررة بإخلاء المدن من المظاهر المسلحة ومن المعسكرات، لكن وحده مقر “الكلية العسكرية للبنات” الممتد على ثمانين ألف متر مربع وجد طريقه إلى التنفيذ. ومنذ فتحه أمام العموم قبل أيام، لا يفرغ المجمع الواقع قبالة الكورنيش على أحد شواطئ البحر المتوسط من الزوار.
ويأتي افتتاح المجمع بعد أشهر على تشكيل حكومة جديدة في ليبيا مكلفة الإشراف على مرحلة انتقالية، يفترض أن تنتهي في ديسمبر (كانون الأول) بإجراء انتخابات.
ومنذ الافتتاح، يحرص مهند كشار على الحضور مساء كل يوم مع أطفاله الثلاثة وزوجته إلى المكان الذي يضم مضماراً للدراجات الهوائية وآخر للمشي، إلى جانب مقاهٍ وألعاب الأطفال، وسط مساحات عشب خضراء.
ويقول كشار لوكالة الصحافة الفرنسية، “عمري 47 عاماً وأحب الرياضة. منذ أسبوعين تقريباً، أواظب على المجيء إلى هنا. أمارس رياضة المشي مع زوجتي، بينما أطفالي يلعبون ساعات طويلة، فيعودون إلى المنزل منهكين يريدون النوم فقط”.
وبينما ينهي كلامه ضاحكاً، تقول زوجته إن وجود المجمع قبالة البحر “يجعل منه متنفساً بيئياً استثنائياً”. وتضيف “تشعر بهواء البحر المنعش. ومع وجود عائلات كثيرة عشية كل يوم، تشعر بأن طرابلس حية، على الرغم من ويلات الحروب التي مرّت بنا، وبأن المستقبل، على الرغم من التحديات، لا يزال مشرقاً”.
وصار لعشاق وهواة الدراجات الهوائية مضمار مجهز نادر في طرابلس يمارسون فيه رياضتهم المفضلة. يقول محمود التيجاني “وصلنا البارحة من مدينة الزاوية (45 كلم غرب طرابلس)، رفقة خمسة أصدقاء بدراجاتهم، ونقوم بجولات في المضمار الجميل الذي نفتقده في المتنزهات العامة”.
ويضيف “هي فرصة أيضاً لإنشاء صداقات جديدة، والتعرف إلى رياضيي الدراجات الهوائية من مختلف المدن”.
قرار موفق
ويرى عميد بلدية طرابلس، إبراهيم الخليفي، أن تحويل أحد مقرّات القذافي إلى مجمع ترفيهي، “قرار موفق”، مشيراً إلى أنه حظي بدعم جميع الأطراف داخل طرابلس.
ويوضح الخفيفي، من داخل المجمع، “طرابلس عاصمة وبحجم سكانها، الأضخم بين مدن ليبيا تحتاج إلى مثل هذه المساحات الترفيهية. كان هناك تفهم من الجميع ودعم للحكومة في تحويل هذا المشروع إلى واقع”.
ويتابع، “ما حدث نقلة نوعية، وكان الهدف الحدّ من ظاهرة السلاح وانتشاره وإزالة كل المعسكرات من داخل المدن، وهو قرار حكيم يجعل الليبيين ينعمون برخاء واستقرار يستحقونهما”.
ويشير المسؤول المحلي إلى أن مشروع “المجمع الترفيهي” هو باكورة لعدد من المشروعات اللاحقة، تتمثل في حدائق ومتنزهات ومصائف بحرية سيجري افتتاحها خلال الفترة المقبلة.
ويضيف، “الليبيون بحاجة إلى مثل هذه المساحات الخضراء والرياضية، لأنها تخفف عنهم الضغوط اليومية وتعطي أسرهم فرصة للاستجمام والترفيه في ظل ظروف البلاد التي لا تخفى على أحد”. ويشير إلى أن الآلاف يزورون المجمع يومياً.
تعزيز السلام
وسعى الفنان التشكيلي الليبي، إسكندر السوكني، إلى إضفاء طابع فني داخل المجمع، فنفذ لوحة تشكيلية على أرضيته تحمل رسالة سلام. ويقول السوكني إن مبادرته التي دعمتها بلدية طرابلس، تهدف إلى تعزيز “السلام والتعايش بين الليبيين”.
ويضيف أنه حاول “خلق البهجة من خلال الألوان، لأن الفن رسالة سلام قوية، لها دور وتنتصر دوماً على الصراعات، وتساعد في فتح صفحة جديدة من التعايش بين مكونات الشعب الليبي”.
وأقام الفنان التشكيلي المعروف لوحته على مساحة تصل إلى 2500 متر مربع. واستغرق الانتهاء منها نحو ثلاثة أشهر، وقد استخدم فيها مزيجاً من ألوان الأصفر والأحمر والأزرق، على شكل دوائر متقنة وتموجات تشبه موجات البحر، وتعبّر، وفق السوكني، عن انتصار إرادة الحياة على الدمار.
وتلفت نظافة المكان النظر، حيث وضعت سلال مهملات في كل زاوية منه. بعض العائلات يجلس حول أكواب من الشاي أو القهوة على الطاولات والمقاعد الخشبية. بينما يهرع بعض الأطفال وراء شاحنة لبيع المثلجات دخلت الحديقة.
ويعبّر السوكني عن أمله في “نسخ هذه التجربة في معظم مدن ليبيا”، لأن الفن والترفيه “رسالة سلام ليبيا في أمسِّ الحاجة إليها”.