سياسة بايدن تجاه القضية الفلسطينية.. تصنع التوازن والانحياز الكامل للكيان الصهيوني
السياسية – تقرير: محمد الطوقي
ثمة محددات للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية تقوم بمجملها بالانحياز لصالح الكيان الصهيوني، إلا أن بعض الخطوات كانت تعتبر خطا أحمر لا يمكن تجاوزه، وهو يعتبر عرفا دوليا متبعا لا سيما في القضايا المتصلة بقرارات صادرة عن الأمم المتحدة كـ”وضع القدس القانوني، وتجريم الاستيطان، ونقل السفارة إلى القدس المحتلة”.
لكن بعد استلام الرئيس السابق دونالد ترامب للرئاسة الأمريكية في 20 يناير 2017، حدث تغير دراماتيكي في السياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية، حيث قام بخطوات انقلابية على القانون الدولي لم تتجرأ إدارة أمريكية سابقة على القيام بها.
ومع ذلك كله لم تبدِ إدارة الرئيس الأمريكي الديمقراطي جو بايدن، أية نية لمراجعة قرارات مصيرية اتخذتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، بشأن القضية الفلسطينية، من بينها الاعتراف بمدينة القدس عاصمة للكيان الصهيوني.
غير أنها أعلنت نيتها إعادة فتح القنصلية الأمريكية في مدينة القدس الشرقية، وفتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية لدى واشنطن، واستئناف المساعدات لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”.
من أبرز القرارات التي أصدرها ترامب واعتبرت انقلابية في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية:
– وكالة الأونروا: حسمت إدارة الرئيس السابق ترامب موقفها وقررت يوم 31 أغسطس 2018 وقف التمويل كلياً عن وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). وكان التمويل الأمريكي للوكالة يمثّل سابقاً ثلث ميزانيتها السنوية البالغة 1.24 مليار دولار، وهو ما أثر جذريّاً على حياة ملايين اللاجئين الفلسطينيين في مناطق العمل الخمس (لبنان، الأردن، سوريا، قطاع غزة والضفة الغربية).
– القدس المحتلة: في ديسمبر 2017، اعترف الرئيس السابق ترامب بالقدس عاصمة الكيان الإسرائيلي، وأتبعها بنقل السفارة الأمريكية إليها في مايو 2018. وفي يوليو 2018، تبنى الكنيست الإسرائيلي قانون “الدولة القومية”، وهو القانون الذي منح اليهود – دون غيرهم من مواطني الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48 – حق تقرير المصير، ولم تصدر إدارة ترامب مواقف واضحة تندد بهذا القانون العنصري.
– الاستيطان في الضفة الغربية: بدلت الولايات المتحدة موقفها من المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، إذ لم تعد ترى وجودها مخالفا للقانون الدولي، كما قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في 19 نوفمبر 2019 في تصريح نقلته الـ”بي بي سي”.
وأضاف أن وضع الضفة المحتلة أمر يتفاوض عليه الإسرائيليون والفلسطينيون. ورفض الاتحاد الأوروبي الموقف الأمريكي الجديد، وأصر على اعتبار الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة مخالفا للقانون الدولي. وفي عهد ترامب تضاعف الاستيطان بشكل مخيف.
وبغض النظر عن خلفيات الرئيس والحكومة التي تقبع في البيت الأبيض جمهورية كانت أم ديمقراطية فقد أدى تعامل الإدارات الأمريكية المتعاقبة مع قرارات الأمم المتحدة ،فيما يخص القضية الفلسطينية إلى كشف الوجه الحقيقي للولايات المتحدة ، التي همها الأوحد الكيان الصهيوني وأنه حجر الزاوية في سياساتها، وهو ما ظهر جليا خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة .
فطيلة أيام العدوان لم يفارق احتضان أمريكا لكيان الاحتلال الإسرائيلي والدفاع عن جرائمه وإجراءاته القمعية في مجلس الأمن حيث سارعت واشنطن إلى اتخاذ الموقف المتطرف المنحاز إلى جانب الإرهاب الإسرائيلي.
فالانحياز الأمريكي المطلق للكيان الصهيوني عزّزته إدارة الرئيس الحالي جو بايدن التي عملت طوال فترة العدوان على إفشال أربع محاولات في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لإصدار قرار لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة.
محللون أشاروا الى أن إحباط الولايات المتحدة إصدار قرار من مجلس الأمن الدولي لإدانة العدوان الإجرامي الذي تقوم به دولة الاحتلال ضد الفلسطينيين العزل، يؤكد الشراكة الأمريكية في جرائم الاحتلال.
كما يشكل، بحسب المحللين، انتهاكاً صارخاً لكافة الأعراف والمواثيق الدولية، ويعبر عن عجز واضح لمجلس الأمن في إدانة الكيان الإسرائيلي.
وأوضح المحللون بأن وقوف الإدارة الأمريكية حائلاً أمام إصدار مجلس الأمن قراراً بوقف العدوان وإدانة الإرهاب الإسرائيلي شجع الاحتلال على مواصلة جرائمه، ووضعها في مرتبة الشريك الفعلي للاحتلال، الأمر الذي يحملها المسئولية الكاملة عن كل ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من مذابح ومجازر وجرائم حرب.
وإذا ما تجاوزنا القراءات العامة للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية التي تركز على تصفيتها منذ أن تسلمت واشنطن من بريطانيا – التي كانت وراء إنشاء الكيان الصهيوني – مهمة رعاية هذا الكيان فإنها عملت على تقويته، و تحصينة من كل القرارات الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة التي حولتها بشكل فاضح إلى ناطق باسمها ودائما ما عملت على تغليف الرغبة الصهيونية بشرعنة وجودة عن طريق ممارسة الضغوط السياسية والاقتصادية والعسكرية لفرض إرادتها على الدول الأعضاء في المنظمة الدولية.
وفي هذا الصدد، استخدمت الولايات المتحدة طوال مسيرتها الفيتو عشرات المرات ضد قرارات مجلس الأمن التي تدين الكيان الإسرائيلي كما أوقفت قرارات بإدانة الصهاينة لانتهاكهم حقوق الشعب الفلسطيني، في الحياة والوجود على الأرض.
وتحفل الأجندة الأممية، منذ العقد الستيني المنصرم، بأكثر من 1000 قرار لصالح القضية الفلسطينية، لم تنفذ أغلبها وجل ما تفعله المنظمة الدولية عند أي اعتداء من الكيان الصهيوني على الشعب الفلسطيني هو اتخاذ موقف المتفرج وتعداد الخروقات، والطلب بضبط النفس.
وتعد الولايات المتحدة، الأكثر من بين الدول التي تساهم في ميزانية الأمم المتحدة، بنحو خمس الميزانية ولعل هذا الدعم الأمريكي له أسبابه وأهدافه، والتي تتمثل في مسألة الهيمنة والسيطرة النسبية على منظمات الأمم المتحدة واستخدام ذلك في الضغط على الدول لتحقيق أهداف سياسية.
وتعتمد فكرة السيطرة الأمريكية على المنظمات الدولية من خلال مساعدات واشنطن الكبيرة المقدمة لها، ما يعني أن هذه المساعدات مرهونة بمدى موافقة المنظمات الدولية للسياسة الأمريكية، التي تخدم الكيان الصهيوني حتى لو كانت مخالفة للقوانين الدولية، أو الأخلاق العالمية التي تدّعيها أمريكا.
فقد هددت الولايات المتحدة السلطة الفلسطينية في حال استمرار انضمامها إلى المنظمات الدولية، ويرى المتتبع لسياق الانسحابات أو التهديدات الأمريكية أن جزءاً مهماً منها جاء بصورة مباشرة لمصلحة الاحتلال الإسرائيلي، بدءاً من منظمة “اليونسكو” إلى مجلس حقوق الإنسان، والمحكمة الجنائية الدولية.
باختصار مازالت الأمم المتحدة التي وقفت عاجزة أمام التسلط الأمريكي النابع من مصلحة إسرائيل أسيرة الإدارات الأمريكية المتلاحقة التي عملت على تغطية كل جرائم وانتهاكات كيان الاحتلال ودعمه بشتى الوسائل ورفض تبنى أي قرارات ضده في المحافل الدولية وما جري في غزة خير دليل ذلك.
من أبرز محددات السياسة الخارجية الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية
– حماية أمن الكيان الإسرائيلي وضمان تفوقها، مع السعي لإقامة سلام دائم بين العرب و الكيان الإسرائيلي، حتى لو لم تتوفر الأسس الموضوعية وكذلك عناصر العدالة لذلك.
– إدانة أي عمل فلسطيني مقاوم واعتباره عملا إرهابيا، حتى وإن كان يقع في إطار الدفاع عن النفس ضد جنود احتلال أو مستوطنين مسلحين.
– عدم إدانة أي عمل عسكري إسرائيلي ضد الفلسطينيين، حتى لو تسبب بمقتل مدنيين فلسطنييين أو تدمير الأعيان المدنية.
– رفض التعامل مع أي مكون سياسي فلسطيني يرفض الاعتراف بدولة الاحتلال، حتى وإن جاء بطريقة ديمقراطية عبر صناديق الاقتراع.