السياسية:

عندما أصبحت الدنمارك أول دولة أوروبية تلغي تصاريح الإقامة لأكثر من 200 لاجئ سوري الشهر الماضي، واجهت إدانة من المشرعين في الاتحاد الأوروبي والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وجماعات حقوق الإنسان.

وتجادل السلطات في كوبنهاغن بأن أجزاء من سوريا باتت آمنة بما يكفي لعودة اللاجئين إليها.

ورغم تمتع الدنمارك بسمعة ليبرالية سابقاً، إلا أنها باتت تتسم بالتشدد المتزايد في مجال سياسات الهجرة في السنوات الأخيرة.

وفي سياق منفصل، وقعت الدولة مؤخراً اتفاقية هجرة مع رواندا الأمر الذي أدى إلى رواج تكهنات بأنها تعتزم فتح مركز هناك للتعامل مع طلبات اللجوء.

وأخطرت السلطات الدنماركية عائلة سارة في فبراير/ شباط بأنها ووالداها وإخوتها الصغار لم يعد مسموحاً لهم البقاء في البلاد.

“كل حياتي هنا… كيف يمكنني العودة إلى سوريا الآن؟” تقول الفتاة البالغة من العمر 19 عاماً، والتي تتحدث الدنماركية بطلاقة ومن المقرر أن تقدم امتحانات الثانوية العامة النهائية الشهر المقبل.

تحلم سارة بأن تصبح مهندسة معمارية، لكن بعد قضائها ست سنوات في الدنمارك، يبدو أن مستقبلها الآن بات موضع شك.

وعائلة سارة هي من بين أكثر من 200 مواطن سوري ألغيت إقاماتهم بذريعة أن دمشق وريفها تعتبر مناطق آمنة.

كان والد سارة، محمد، يعمل محامياً في سوريا، لكنه لجأ إلى الدنمارك في عام 2014 بعد أن باتت حياته معرضة للخطر، وفرّ باقي أفراد أسرته من الحرب بعد عام من ذلك، ووصلوا إلى الدنمارك بعد أن عبروا اليونان مروراً بتركيا.

وقبل أسبوعين، رفضت محكمة دنماركية الاستئناف الذي تقدمت به الأسرة ضد القرار وأمهلتهم 60 يوماً للمغادرة.

وتخشى الأسرة الاعتقال والتعذيب في ظل حكم الرئيس بشار الأسد. وتقول سارة: “إن أي شخص يعود إلى سوريا بعد أن غادرها معرض للخطر”.

وقال والدها الذي يدير مطعماً حالياً: “توقفنا عن تلقي المعونات من الحكومة الدنماركية منذ أربع سنوات”.

بعد أكثر من عقد من اندلاع الصراع في سوريا، يعيش حوالي 35 ألف مواطن سوري في الدنمارك.

وعلى مدار العام الماضي، قامت دائرة الهجرة بإعادة تقييم حالات أكثر من 1200 لاجئ من دمشق وريفها. وقالت أن “الأوضاع في دمشق لم تعد خطرة ولا يوجد سبب لمنح أو تمديد تصاريح الإقامة المؤقتة لأبناء هذه المنطقة”.

والعديد من أولئك الذين لديهم تصاريح لجوء مؤقتة هم من النساء أو كبار السن، لأن الشباب الذين كانوا معرضين لخطر التجنيد العسكري الإلزامي، مُنحوا تصاريح إقامة وحماية مختلفة.

وتقول الحكومة إنها كانت واضحة دائماً بشأن الحماية التي قدمتها وأكدت دائماً أنها لفترة مؤقتة.

ولا يزال مئات اللاجئين السوريين ينتظرون معرفة مصيرهم والعديد منهم ينتظر البت في طلبات الاستئناف التي تقدموا بها ويستغرق ذلك فترات طويلة:

وفقاً للأرقام الأولية، فقد بتّت دائرة الهجرة الدنماركية في 300 حالة منذ يناير/كانون الثاني.حصل حوالي نصفهم على تصاريح جديدة أو جرى تمديد إقاماتهم.تم إلغاء أو عدم تجديد تصاريح إقامة لـ 154 لاجئاً، بالإضافة إلى 100 تصريح تم سحبه من أصحابها في عام 2020.تم رفض طلبات لجوء 39 شخصاً ممن ينحدرون من دمشق بشكل نهائي من قبل هيئة شؤون اللاجئين.

وسيتمكن محمد مليس، الذي يبلغ من العمر 30 عاماً، من البقاء مع إخوته. لكن أُبلغ والداه وشقيقته مؤخراً أنه عليهم مغادرة البلاد.

ويقول محمد: “لقد عشنا حوالي أربع سنوات في ظل الحرب؛ منزلنا مدمر الآن أتى الجنود إلى مدينتنا، كانوا يريدون اعتقالنا لأننا شاركنا في الاحتجاجات”.

وصل هو وشقيقه إلى الدنمارك في عام 2014 بعد رحلة بحرية استمرت ثلاثة أيام من ليبيا إلى إيطاليا. وبعد عام، انضمت كل من والدته عواطف وشقيقته مايا إليهما عبر تركيا واليونان.

حريق مخيم موريا: دول أوروبية توافق على استقبال أطفال بعد حريق المخيم اليوناني

ويؤكد محمد أنهم إذا عادوا إلى سوريا، فسيُزجّون في السجن.

وأضاف “النظام لديه قائمة بأسماء الأشخاص الذين تظاهروا ضد الأسد في كل من سوريا والدنمارك؛ إنهم يراقبون وسائل التواصل الاجتماعي”.

واستندت الحكومة الدنماركية في قرارتها على التقرير الصادر عن دائرة الهجرة الدنماركية.

ولكن، نأى 11 خبيراً من أصل 12 ممن شاركوا في وضع التقرير عام 2019، بأنفسهم عن النتائج التي توصل إليها التقرير. أما الخبير الثاني عشر، فهو ضابط سوري يرأس إدارة الهجرة في سوريا.

وتقول سارة كيالي، الباحثة السورية في منظمة هيومن رايتس ووتش، إن تقييم الدنمارك للأوضاع في سوريا غير سليم.

وبعث مؤخراً 33 من أعضاء البرلمان الأوروبي رسالة إلى رئيسة الوزراء ميت فريدريكسن، دعوا فيها إلى الدنمارك إلى “تغيير سياسة اللجوء التي تتبعها بـ 180 درجة”.

ولأن الدنمارك ليست لها علاقات دبلوماسية مع نظام الرئيس الأسد، فلا يمكنها تنفيذ عمليات الترحيل القسري. لذا فإن الخيارات هي إما العودة الطوعية أو أن يُترك اللاجئون لمصيرهم ويصبحوا في طي النسيان في مركز “الترحيل” ، كما تقول ميشالا بنديكسن، رئيسة منظمة الترحيب باللاجئين، وهي مؤسسة خيرية دنماركية.

وتقول: “الغرض الوحيد لإنشاء هذه المعسكرات هو للضغط على الناس للعودة والتخلي عن آمالهم في البقاء في الدنمارك؛ هنا ليس لديك دخل و لا يمكنك العمل أو الدراسة”.

وتضيف: “حتى السجون الدنماركية أفضل بكثير من هذه المراكز من نواح كثيرة”.

وفي الوقت الذي نظم فيه أفراد من الجالية السورية في الدنمارك احتجاجاً أمام البرلمان يوم الثلاثاء، دافع وزير الهجرة عن قرار الحكومة بإلغاء تصاريح الإقامة للمئات منهم.

الدنمارك كانت أول دولة تنضم إلى اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين في عام 1951، ووفقاً للأمم المتحدة كانت واحدة من أقوى الداعمين للاجئين في أوروبا. لكن الوضع اختلف الآن.

في عام 2015، وصل أكثر من 21 ألف لاجئ إلى الدنمارك، وجرى تشديد سياسات اللجوء بشكل كبير في ذلك العام ومرة أخرى في عام 2019 وتخلت عن اهتمامها بالاندماج وصبت جل تركيزها على منح اللاجئين الحماية المؤقتة وإعادتهم من حيث أتوا.

شنت الحكومات الدنماركية المتعاقبة حملات مناهضة للهجرة، بما في ذلك مصادرة الأصول مثل المجوهرات من طالبي اللجوء.

وفي عام 2017 احتفلت وزيرة الاندماج آنذاك إنغر ستوجبرغ، بالقيود الخمسين المفروضة على المهاجرين من خلال نشر صورة لها مع كعكة احتفالية على وسائل التواصل الاجتماعي.

كما تبنى الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم موقفاً متشدداً في هذا المجال لكسب أصوات الأحزاب اليمينية.

ويقول مارتن ليمبيرغ بيدرسن، الأستاذ المشارك في مركز دراسات الهجرة المتقدمة: “إن نظام الهجرة الدنماركي فريد من نوعه، إنه نظام يدفع بشدة في هذا الاتجاه أكثر من البلدان الأخرى… ولا يؤمن بإمكانية نجاح تجربة الإندماج في المجتمع”.

وبالنسبة لبيدرسن، تتلخص السياسات المتبعة في تحقيق هدف واحد هو “الردع”، أي بعث رسالة للآخرين بعدم القدوم إلى الدنمارك.

في العام الماضي، انخفض عدد طالبي اللجوء إلى 1500، تم منح 600 شخص فقط منهم حق اللجوء، وهو أدنى عدد منذ ثلاثة عقود.

وقال تسفايي في شباط /فبراير: “هذه حقاً أخبار سارة، وبالطبع تفشي فيروس كورونا يلعب دوراً، لكنني أعتقد أولاً وقبل كل شيء، أنه بسبب سياستنا الخارجية الصارمة، كثيرون ممن يلجأون إلينا لا يحتاجون إلى أي حماية على الإطلاق”.

ووضعت الحكومة هدفاً لها يتمثل بالوصول إلى رقم صفر من حيث عدد اللاجئين الذين يحصلون على الإقامة في البلاد، بذريعة أن الأموال التي يتم توفيرها في هذا المجال يمكن أن تذهب الى نظام الرعاية الإجتماعية.

وقبل أسابيع، قام وزيرا الهجرة والتنمية في الدنمارك برحلة سرية إلى رواندا، مما أثار تكهنات بأن تكون الزيارة عبارة عن خطوة أولى نحو إنشاء مركز للتعامل مع اللاجئين وطلباتهم خارج حدودها.

ووقّعت الدنمارك ورواندا اتفاقاً غير ملزم للتعاون في قضايا اللجوء والهجرة، لكن المسؤولين الدنماركيين قللوا من أهمية تلك الرحلة.

وحذر نيلز موزنيكس، من منظمة العفو الدولية من أن أي محاولة لنقل طالبي اللجوء إلى رواندا هي “بلا ضمير وغير قانونية”.

وبدأت الخلافات حول سياسة اللجوء في الدنمارك بالظهور بين حلفاء الحكومة وكذلك بين بعض المؤيدين على مستوى القاعدة الجماهيرية.

وقالت صوفي كارستن نيلسن، زعيمة حزب الليبراليين الاجتماعيين، للنواب: “أشعر بالأسف لأننا أصبحنا ساذجين لهذه الدرجة”.

وقالت إنها لم تتخيل قط أن تكون الدنمارك الدولة الوحيدة إلى المجر بقيادة فيكتور أوربان تعتبر سوريا بلداً آمناً.

بي بي سي