هل تصبح مصر رهانَ للكيان الإسرائيلي الأبرز لوقف الحرب مع حماس؟
السياسية:
بات الكيان الإسرائيلي في مأزق سياسي كبير عقب التصعيد الأخير بسبب الفتور الذي تواجهه إدارة نتنياهو من حليفتها الأمريكية رغم تضامن بايدن مع تل أبيب وتأييده “دفاع عن العدو الإسرائيلي عن نفسها”، ومن ثم يجب على نتنياهو التواصل مع مصر للعب دور وساطة أقوى في هذه الأزمة، كما تقول صحيفة Haaretz العدو الإسرائيلية.
وترى الصحيفة العبرية أن مصر يمكنها لعب دور قوي في هذه الأزمة بسبب علاقاتها القوية بالفصائل الفلسطينية ومن ثَم قد تمارس ضغوطاً على الأطراف للقبول بتهدئة، خاصة في ظل عدم وجود أفق واضح لانتهاء هذا التصعيد، وكذلك بسبب عدم التوافق بين بايدن ونتنياهو بسبب وقوف الأخير وراء تفاقم الأحداث المشتعلة.
نتنياهو مَن يقف وراء الأزمة
وقبل أسبوع، أنذرت فصائل المقاومة الفلسطينية إسرائيل إنذاراً يبدو مستحيل الاستجابة من جانب الأخيرة: اسحبوا قواتكم ومستوطنيكم من الحرم القدسي وحي الشيخ جرَّاح فوراً، وأطلقوا سراح جميع المعتقلين في هبة القدس الأخيرة، وإلا فقد أعذر مَن أنذر.
الهجوم اللاحق، الذي اتهم رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، على إثره الفصائل بما دعاه “تجاوزَ الخط الأحمر”، كان الذريعة التي اتخذها نتنياهو لشن هجومه الشامل على غزة، وهو هجوم لم يتحدد له هدف واضح حتى الآن.
والمقصود أن الأهداف الفضفاضة، من نوعية استعادة الردع أو التوعد بضرب حماس ضربات “لم تتصورها قط” رداً على الصواريخ، لا يمكن أن تفتح سبيلاً لمسار خروجٍ واضح من تلك المواجهة.
إذ كم عدد المنازل التي يجب هدمها، وكم عدد “قيادات حماس” الذين يجب قتلهم، قبل أن تدَّعي إسرائيل انتصارها؟ يبدو أن المسألة تعتمد كلياً على معايير الاحتلال. ويبدو أن ما تسببت به إسرائيل حتى الآن من قتل ودمار لم يفِ بالحصة التي كانت قد حددتها لنفسها لتحقيق انتصار عسكري أو خلق “أثر دائم” من الردع.
ولهذا السبب، رفضت قيادات الاحتلال الإسرائيلي رفضاً حازماً عروض الوساطة من مصر وقطر والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في البداية، لكن الآن قد تكون هي في أمَس الحاجة إلى هذه الوساطة.
وبحسب ما يبدو، لا يزال بإمكان إسرائيل الاعتماد على دعم البيت الأبيض لما تدَّعي أنه حقها في الدفاع عن نفسها، وعلى هذا المنوال جاء البيان الأمريكي بالقول إن الإدارة تعتبر الرد الإسرائيلي على صواريخ غزة متناسب القوة.
بايدن غير مكترث بالأزمة
وبعيداً عن إرسال بايدن لمبعوثه هادي عمرو، نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الفلسطينية والإسرائيلية، للقاء قادة من الجانبين، فإن الرئيس الأمريكي أبدى قدراً معتبراً من عدم الاكتراث بالمواجهة الجارية، وامتنع عن توجيه أي توبيخ حاد لأي من الجانبين لصالح الآخر، والتزم عبارات من نوعية “توقعاتي وأملي أن تنتهي دورة العنف هذه عاجلاً وليس آجلاً”، كما لو كان يتحدث عن مباراة بيسبول جاءت مخيبة للآمال. بل إنه عمل على عرقلة انعقاد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على أساس أنه قد يؤثر سلباً في جهود الوساطة، رغم علمه أن هذه الجهود لم تلقَ آذاناً مصغية لها على أي حال، كما تقول الصحيفة العبرية.
المُكالمتان اللتان أجراهما بايدن مع نتنياهو هذا الأسبوع لا تغيران حقيقة أن الرئيس الأمريكي يبدو عازفاً عن الانخراط في الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني عموماً، وجولة المواجهات الحالية خصوصاً. كما أن الأمر يعود في جزء منه إلى أن بايدن يريد تجنبَ إحراج نفسه أمام حليفه في تل أبيب الذي يحرص في كل وقت على تذكيره بأن إسرائيل مستعدة لفعل كل ما تعتبره ضرورياً لحماية نفسها، سواء في غزة أو في طهران، وسواء أحبت واشنطن ذلك أم لا.
على هذا النحو، تكتفي الإدارة الأمريكية في هذه المرحلة بمحادثات مع رؤساء الدول المعنية -إسرائيل ومصر والأردن والسعودية والإمارات- بهدف التوصل إلى وقف لإطلاق النار. ومن ثم، فإنه من دون سياسة أمريكية تُملي أو حتى توجه جهود الوساطة، فإن ما يتبقى هو قنوات الاتصال الإقليمية.
يتكون ذلك بالدرجة الأولى من اتصالات يجريها مسؤولون مصريون مع قيادات حماس وقادة الاحتلال الإسرائيلي، وتليها إحاطات من القاهرة إلى السعودية والإمارات حول مواقف الطرفين. وهي الصيغة نفسها التي شهدتها حروب جيش الاحتلال الإسرائيلي السابقة على غزة.
ماذا تريد الفصائل الفلسطينية؟
وتتضمن جهود الوساطة المطالبة بوقف إطلاق النار والعودة إلى التفاهمات التي تُوصِّل إليها بعد الاشتباكات التي شهدتها “مسيرات العودة” الفلسطينية قبل عامين. لكن هذه المرة، لم تغلق القاهرة حدودها مع القطاع في رفح، ويبدو من غير المرجح أن تفعل ذلك. وفي غضون ذلك، لم تمنع إسرائيل التحويلات النقدية الشهرية من قطر إلى غزة.
وبحسب مصادر في السلطة الفلسطينية وفي حماس، فإن المقاومة الفلسطينية تتمسك بمطالباتها بانسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين من الحرم القدسي ومن حي الشيخ جرَّاح الذي يسعى المستوطنون إلى طرد أهله منه بدعم من المحاكم والسلطات الإسرائيلية.
تذهب الصحيفة الإسرائيلية إلى أن التحدي الرئيسي الذي تواجهه جهود الوساطة المصرية في الوقت الحالي هو إقناع إسرائيل بفصل هجومها العسكري على غزة عما تدَّعي قوات الاحتلال أنه حاجة مُلحة إلى تخفيف التوترات في الحرم القدسي، وما تقول حماس إنه مشاركة منها في الدفاع عن المسجد الأقصى. وتقول الصحيفة إن مصر تعتبر هذا أمراً أساسياً ليس فقط لعزل المفاوضات عن دعائمها الأيديولوجية، لكن أيضاً لتجريد المقاومة مما تعلنه من “تآزر” مع صمود أهل القدس في مواجهة الأعمال العدائية الإسرائيلية التي أشعلت فتيل المواجهة.
رئيس المكتب السياسي لحركة حماس أسماعيل هنية/ رويترز
لكن في الجانب الإسرائيلي، يُنظر إلى هذا البند على أنه ينطوي على نوعٍ من التنازل للمقاومة، لأن أي انسحاب لقوات الاحتلال والمستوطنين من الحرم القدسي سيُعتبر من فوره انتصاراً لحماس والمقاومة. ومع ذلك، يطرح المقال طريقة محتملة للتغلب على هذه المعضلة، وهي أن تتفاوض إسرائيل والأردن على ترتيبات أمنية في الحرم القدسي، وهو ما يفتح سبيلاً لتجنيب ظهور إسرائيل في صورة التي قدَّمت تنازلات للمقاومة.
ماذا تريد إسرائيل من الوسطاء؟
وبحسب الصحيفة العبرية، ثمة مشكلة أخرى تتعلق بالضمانات التي ستطلبها إسرائيل من حماس للحصول على فترة تهدئة أطول. وهنا يجدر الذكر أن جميع الاتفاقات السابقة اعتمدت على ضمانات والتزامات مصرية، مع تعهدات قطرية بدعم مدني للقطاع. غير أن هذه الضمانات فشلت حيال ما يتعلق بالتصعيد في الحرم القدسي، ووضعت مصر في موقف حرج بدت عاجزة فيه عن إقناع إسرائيل بالانسحاب وفي الوقت نفسه غير قادرة على انتقاد حماس خشية الظهور بمظهر الممتنعة عن دعم النضال الفلسطيني الإسلامي للدفاع عن الأقصى.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو/ رويترز
لكن في الوقت نفسه، ليس لإسرائيل شريكٌ أفضل أو أشد فاعلية من مصر. ومن ثم، على إسرائيل أن تكون أكثر مرونة تجاه مصر في المفاوضات لإنهاء هذه المواجهة، حتى لو لم تكن الضمانات موثوقة بالدرجة الكافية. وهذه المرونة حاسمة لأن أي اتفاق يُتوصَّل إليه سيعتمد على تفاهم ضمني بأن إسرائيل لا تستطيع ولا تريد إسقاط سيطرة حماس على قطاع غزة.
والشاهد هنا أن هذا التفاهم هو الركيزة الأساسية لخطط إسرائيل في تقسيم الأراضي الفلسطينية إلى مناطق معزولة، والتي اعتمدت على فصل الضفة الغربية والقدس عن قطاع غزة، بهدف استخدام هذه الركيزة كجدار دفاعي ضد الضغوط الدولية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة. وما دام بقي هذا الفصل سياسةَ إسرائيل، فإنه يفرض عليها نوعاً من المرونة في علاقتها بالمقاومة في غزة.
* المادة الصحفية نقلت حرفيا من موقع عربي بوست ولا تعبر عن رآي الموقع