هذه أبرز الخسائر.. كيف فشل العدو الإسرائيلي في غزة؟
السياسية:
دخلت حرب إسرائيل على قطاع غزة أسبوعها الثاني اليوم الإثنين 17 مايو/أيار، فكيف جاءت فاتورة الأسبوع الأول؟ ولماذا فشلت تل أبيب في تحقيق الانتصار؟
وقبل أن ندخل إلى لغة الأرقام الجافة، من المهم سرد القصة من بدايتها حتى تكتسب الأرقام معنى وسياقاً واضحاً يبرز دلالاتها. لم يكن إطلاق فصائل المقاومة الفلسطينية أول رشقة صواريخ من قطاع غزة تجاه إسرائيل هو ضربة البداية في هذه الحرب. الحرب بدأتها إسرائيل لأسباب داخلية تتعلق برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وسعيه للتمسك بمنصبه تفادياً لإدانته، فهو متهم ويحاكم الآن في ثلاث قضايا منفصلة بتهم تلقي الرشوة وخيانة الأمانة واستغلال النفوذ.
البداية جاءت من خطط حكومة نتنياهو تهجير عائلات فلسطينية من حي الشيخ جراح في القدس الشرقية المحتلة، ثم إغلاق باب العامود بداية شهر رمضان والاعتداء على المسجد الأقصى من جانب المستوطنين اليمينيين المتطرفين في حماية شرطة الاحتلال، والإعلان عن تنظيم فعالية ضخمة يقتحم من خلالها أكثر من 30 ألفاً من المستوطنين باحات المسجد في ليلة القدر.
ورداً على الاعتداءات المتكررة من جانب المستوطنين وقوات الاحتلال على المسجد الأقصى وتحويل ساحته إلى معركة غير متكافئة مع المصلين الفلسطينيين العزل، وجهت فصائل المقاومة وعلى رأسها حركة حماس نداءات متكررة لحكومة نتنياهو بوقف تلك الاعتداءات والتراجع عن السماح للمستوطنين باقتحامه، ومع تجاهل نتنياهو وحكومته لتلك النداءات -رغم تحذيرات أجهزة الأمن الإسرائيلية من أن ذلك قد يؤدي لانتفاضة فلسطينية- انطلقت الصواريخ من غزة ومعها فتح جيش الاحتلال الإسرائيلي نيرانه جواً وبحراً وبراً على القطاع المحاصر، لتندلع “الحرب” مساء الإثنين 10 مايو/أيار.
الخسائر البشرية في غزة وفي إسرائيل
وبحسب الإحصاءات الرسمية لوزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، أدى العدوان الإسرائيلي خلال الأسبوع الأول إلى استشهاد 197 فلسطينياً، بينهم 58 طفلاً، و34 سيدة، و15 من كبار السن، فضلاً عن إصابة 1235 آخرين.
وخلال الأسبوع الأول، ارتكبت إسرائيل مجازر راح ضحيتها عدد من العائلات الفلسطينية، التي أُبيد بعضها بشكل كامل، كما غيّرت هذه الغارات، من طبيعة المظهر العام لمعالم عدة مناطق حيوية في مدينة غزة، محوّلة إياها إلى “خراب” وأكوام من الركام والرماد.
وعلى الجانب الآخر، قالت السلطات الإسرائيلية إن عشرة من مواطنيها قد قتلوا، بينهم طفلان، بينما تتفاوت أعداد المصابين بين الإسرائيليين، والملاحظ هنا أن وزارة الصحة في الدولة العبرية لا تصدر بيانات دورية تفصيلية حول القتلى والمصابين جراء سقوط صواريخ المقاومة على المدن الإسرائيلية.
ويرى مراقبون أن هذا أمر متعمد في ظل الوضع السياسي الداخلي، إذ يسعى نتنياهو إلى إخفاء الخسائر في صفوف الإسرائيليين قدر المستطاع حتى يستطيع “الاحتفال” بالانتصار على الفلسطينيين في غزة، وكان هناك بالفعل مؤتمر صحفي مقرر اليوم الإثنين لنتنياهو بمناسبة انتهاء الأسبوع الأول من الحرب على غزة لكن تم إلغاؤه بعد أن لم يجد نتنياهو ما يمكن “الاحتفال به”، بحسب مصادر تحدثت لوسائل إعلام إسرائيلية.
لكن الأحداث التي تشهدها المدن الإسرائيلية، من تل أبيب لعسقلان لأسدود واللد وغيرها، ومقاطع الفيديو التي تظهر الحرائق والمباني شبه المهدمة والسيارات المحترقة نتيجة لسقوط الصواريخ الفلسطينية تشير إلى أن الخسائر البشرية الإسرائيلية على الأرجح أعلى مما يتم الإفصاح عنه.
الخسائر الاقتصادية في قطاع غزة
لا توجد حتى الآن تقارير تفصيلية بشأن الخسائر التي تكبدها الاقتصاد الإسرائيلي في الأسبوع الأول من الحرب، على عكس الموقف في غزة، حيث نشرت حكومة حماس في القطاع تقريراً يرصد خسائر القطاع.
وتعرّضت البنى التحتية في مناطق القطاع المختلفة، من شبكات المياه، والصرف الصحي، وخطوط الكهرباء، للتدمير، فقد شنّت المقاتلات الحربية الإسرائيلية نحو 1200 غارة واعتداء منذ بداية العدوان، بحسب بيان صدر عن المكتب الإعلامي الحكومي (تديره حماس).
وقال بيان لحماس إن الغارات الإسرائيلية تركّزت على “المنازل والمباني السكنية، والمقرات الحكومية، والبنى التحتية من طرق وشبكات المياه والصرف الصحي، والكهرباء”، وذكر المكتب الإعلامي الحكومي، أن إجمالي الخسائر الأولية، التي تكبّدها قطاع غزة، منذ بداية العدوان، وصل إلى 177 مليوناً و500 ألف دولار.
وأشار إلى أن قيمة الخسائر المباشرة بلغت حوالي 127 مليون دولار، فيما قدّر قيمة الخسائر غير المباشرة بنحو 50 مليوناً و500 ألف دولار، بحسب تقرير لوكالة الأناضول التركية.
كما وثّق مكتب الإعلام الحكومي في غزة تعرّض أكثر من 770 وحدة سكنية بين الهدم الكلي والبليغ، فضلاً عن تضرر ما لا يقل عن 4 آلاف و976 وحدة أُخرى، لأضرار وصفت بين المتوسطة والجزئية جراء القصف المتواصل.
كما رصد المكتب قصف 97 بناية سكنية، وهدمها بشكل كامل، وقال إن الخسائر الأولية المباشرة في قطاع الإسكان، من بين إجمالي الخسائر، وصل إلى 36 مليون دولار، وبيّن المكتب أن الغارات تسببت في تضرر 36 مدرسة، وعدد من المرافق الصحية وعيادات الرعاية الأولية بشكل بليغ وجزئي جراء القصف الشديد في محيطها.
ودمّرت إسرائيل نحو 32 مؤسسة إعلامية، من خلال قصف عدة أبراج تواجدت هذه المؤسسات بداخلها، وفق المكتب، ومن هذه الأبراج “الجوهرة، والجلاء، والشروق، والسوسي، والوليد، والرؤية”.
وأضاف المكتب أن العدوان الإسرائيلي أسفر عن إصابة 10 صحفيين بجراح مختلفة، خلال تغطيتهم للأحداث الميدانية، ومن بين هؤلاء، يوجد 3 صحفيين أصيبوا باستهداف طائرة استطلاع لمركبة تابعة للصحافة، وأوضح المكتب أن الغارات طالت أيضاً منازل 5 صحفيين في مناطق مختلفة بغزة، ما تسبب باستشهاد أحد أفراد عائلاتهم.
كما بلغ عدد المقرات الحكومية والمنشآت العامة، التي استهدفتها الطائرات الإسرائيلية الحربية نحو 65 مقراً، بحسب المكتب، وتنوّعت تلك المنشآت بين “مقرات شرطية وأمنية ومرافق خدماتية”، بخسائر مباشر تقدّر بـ16 مليون دولار، من إجمالي الخسائر. ومن أبرز هذه المقرات: مقر قيادة وزارة الداخلية والأمن الوطني غربي مدينة غزة، ما تسبب بتدميره بالكامل وبأضرار كبيرة في عدد من المقار الحكومية المجاورة.
كما تم تدمير مقر جهاز الأمن الداخلي في محافظات غزة والشمال وخان يونس (جنوب)، وإلحاق أضرار كبيرة بمركز شرطة بيت لاهيا شمال قطاع غزة نتيجة القصف، وتدمير مبنى وزارة العمل بشكل كامل، وتعرض مبنى وزارة التنمية الاجتماعية لأضرار كبيرة.
كما قال المكتب الإعلامي إن استهداف الشوارع، والبنى التحتية المتمثلة بشبكات المياه والصرف الصحي، تسبب بخسائر أولية تقدّر بـ14 مليون دولار، وأما قطاع الطاقة، فقد تكبّد خسائر قدّرها المكتب بنحو 10 ملايين دولار، جرّاء قصف شبكات ومحوّلات وخطوط الكهرباء.
وفي القطاع الاقتصادي والتجاري، رصد المكتب وجود خسائر بقيمة 21 مليون دولار، جرّاء غارات إسرائيلية طالت 4 مقرات لبنوك محلية، ومصانع، كما تضررت، بحسب المكتب، عشرات المركبات بشكل كامل وجزئي بقيمة تقديرية للخسائر وصلت إلى 5 ملايين دولار.
وفاق إجمالي الخسائر الأولية للعدوان الإسرائيلي على قطاع الزراعة بغزة، 17 مليون دولار، وقالت الوزارة، في بيان الأحد، إنها تتوقع تضاعف “الأضرار والخسائر في القطاع الزراعي، نتيجة تواصل القصف المركّز لمئات الأراضي والمنشآت الزراعية، واستهداف مخازن ومستودعات مدخلات ومستلزمات الإنتاج الزراعي بشكل مباشر”.
وحذّرت الوزارة من حدوث كارثة حقيقية في قطاع الإنتاج الحيواني “بسبب استمرار إغلاق المعابر، منوهة إلى أن الأعلاف الخاصة بالدواجن والأغنام والأبقار لا تعد تكفي بالمطلق لتغذيتهم”.
خسائر إسرائيل الاقتصادية
وعلى النقيض من ذلك، من الواضح أن حكومة نتنياهو تسعى لإخفاء الخسائر الضخمة التي يعاني منها الاقتصاد الإسرائيلي، على الرغم من أن اتحاد الصناعات في إسرائيل كان قد أصدر بياناً واحداً مقتضباً الخميس الماضي قال فيه إن خسائر القطاع بلغت نحو 177 مليون دولار خلال الأيام الثلاثة الأولى من الحرب.
ويمكن رصد منشآت اقتصادية حيوية أصابتها الصواريخ الفلسطينية مثل خط أنابيب إيلات-عسقلان وصهاريج المشتقات النفطية الضخمة في ميناء عسقلان والتي ظلت النيران مشتعلة فيها لأكثر من يومين متواصلين، وهناك أيضاً حقل غاز تمار الإسرائيلي الذي تم استهدافه بغواصة غير مأهولة من جانب المقاومة ما اضطر إسرائيل إلى إغلاقه.
كما تعرض قطاع الطيران المدني في إسرائيل لما يشبه الشلل التام طوال الأسبوع بعد أن وصلت صواريخ المقاومة إلى محيط مطار بن غوريون الدولي في تل أبيب مما أدى لتعليق العمل فيه وإعلان غالبية شركات الطيران تعليق رحلاتها من وإلى إسرائيل.
وتأثر قطاع السياحة في إسرائيل أيضاً بعد أن كانت تل أبيب قد أعلنت عودة استقبال السائحين بداية من 23 مايو/أيار الجاري في أعقاب اكتمال تلقيح غالبية مواطنيها ضد وباء كورونا، لكن مع اندلاع الحرب على غزة أعلنت غالبية شركات السياحة إلغاء رحلاتها التي كانت مقررة إلى إسرائيل.
دمار في عسقلان
قائمة خسائر الاقتصاد الإسرائيلي تطول بالتأكيد، في ظل حالة الشلل التام التي تعاني منها خوفاً من الصواريخ الفلسطينية، وتكلفة صواريخ غزة مقارنة بتكلفة محاولة التصدي لها من جانب قبة إسرائيل الحديدية تمثل عنصراً آخر من عناصر الفاتورة الباهظة التي تتحملها إسرائيل.
صحيفة “جروزاليم بوست” الإسرائيلية أشارت في تقرير لها إلى التكلفة الباهظة جداً لاعتراض كل صاروخ محلي الصنع يطلقه فلسطينيون من غزة، وقالت الصحفية، إنه “في القتال المستمر بين إسرائيل وحماس حول أي طرف يمكنه الصمود أكثر من الآخر ومن سيبدو أكثر يأساً لوقف إطلاق النار أولا، فإن القضية الرئيسية هي التكلفة”.
وأضافت: “من المعروف أن صواريخ القبة الحديدية المعترضة تكلف أكثر بكثير من صواريخ حماس التي تسقطها”، مشيرة إلى أن هذه التكلفة تقدر بـ50 إلى 100 ألف دولار لكل اعتراض، بينما ذكرت أن “تكلفة صاروخ حماس قصير المدى تقدر ما بين 300 إلى 800 دولار لكل صاروخ”.
كما نقلت عن طال إنبار، الرئيس السابق لمركز أبحاث الفضاء في معهد “فيشر” الإسرائيلي، أن تكلفة الصاروخ بعيد المدى تبلغ مرتين إلى 3 مرات أكثر من الصواريخ قصيرة المدى.
وكان وزير الدفاع بيني غانتس قد قال في تصريحات نقلتها وسائل إعلام عبرية إن منظومة القبة الحديدية للدفاع الصاروخي سجلت أكثر من 1000 حالة اعتراض خلال الأسبوع الأول من الحرب الحالية، بينما قال جيش الاحتلال في بيان اليوم الإثنين إن “حماس والجهاد الإسلامي أطلقتا 3100 صاروخ خلال 7 أيام من قطاع غزة باتجاه إسرائيل”.
الخلاصة هنا أن الأسبوع الأول من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة تسبب في فاتورة باهظة من الدماء الفلسطينية بسبب استهداف إسرائيل للمدنيين والأبنية بشكل مباشر، والهدف -بحسب المراقبين- هو إجبار الفصائل الفلسطينية على وقف إطلاق الصواريخ والاستسلام دون قيد أو شرط، لكن خسائر إسرائيل خلال الأسبوع الأول يبدو أنها أضخم بكثير، على الرغم من أن تلك الحرب يفترض -بحسابات القوة العسكرية المجردة- أن تكون غير متكافئة وتصب لصالح تل أبيب.
عربي بوست