هناك رغبة واضحة في عدم الحديث عن اليمن
بقلم: جهاد جيلون وكاميل لافيرانس——————-
باريس (صحيفة ” jeuneafrique“ الفرنسية,ترجمة:أسماء بجاش- سبأ):
يرى فريق لجنة الخبراء الدولي المكلف بالتحقيق في الحرب الدائرة في اليمن, أن هذه الحرب قد تعثرت, حيث القت العمليات القتالية المحتدمة جراء التدخل العسكري لقوات التحالف العربي المنضوية تحت راية المملكة العربية السعودية بظلالها على المدنيين.
ومن جانبه, أصدر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قرار تمديد فترة عمل أخرى لفريق الخبراء لمدة عام.
كمال الجندوبي, رئيس لجنة الخبراء يسلط الضوء على مجريات عمل اللجنة لصحيفة جون أفريك” jeuneafrique“.
هجمات جعلت من المدنيين في مرمى نيرانها, وقيود مفروضة على عمليات إيصال السلع والمواد الغذائية، وتجنيد الأطفال واستخدامهم في العمليات القتالية، واعتقالات تعسفية، والاختفاء القسري، والتعذيب، وسوء المعاملة، وعنف جسدي وانتهاكات طالت حرية التعبير, قائمة طويلة من التجاوزات أشار إليها فريق الخبراء في تقريره الصادر في شهر أغسطس المنصرم والذي يحاكي الفترة ما بين سبتمبر 2014 إلى يونيو 2018, استناداً إلى الدراسات الاستقصائية الميدانية التي قام بها, قرر مجلس حقوق الإنسان في 26 من سبتمبر تجديد فترة عمل آخرى لفريق الخبراء.
الصحيفة: يشير التقرير الذي تقدمتم به إلى مجلس حقوق الانسان أن اليمن يعاني من أكبر تفشي لوباء الكوليرا في التاريخ الحديث, ناهيك عن المشاكل التي طالت قطاع المياه والحد من أمكانية إيصال المياه إلى الجهات المستهدفة, ناهيك عن انعدام الأمن الغذائي الذي أطبق خناقة على 17.8مليون شخص, والأسوأ من ذلك: أن ما يقرب من 8 مليون شخص على وشك الوقوع في شرك المجاعة. هل يمكن أن يزيد هذا تقرير من الضغط على دول التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية من تسهيل وصول المساعدات الإنسانية؟
كمال الجندوبي: استناداً إلى ردود الفعل التي تلقيتها، كان لهذا التقرير أن يلعب دوراً إيجابياً في تسهيل عمل وكالات الأمم المتحدة الإنسانية وتشجيع دول التحالف العربي على مضاعفة جهودها في هذا الاتجاه, ناهيك عن تكثيف المملكة السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة من اتصالاتهما لتعزيز علاقاتهما مع السكان.
الصحيفة: تعمل الرياض بالفعل وبشكل كبير على إيصال المساعدات الإنسانية التي تقدمها للمدنيين. هل يعود السبب في ذلك إلى التأثيرات الحاصلة على ارض الواقع أم بسبب تعزيز دول التحالف علاقاتها مع السكان؟
كمال الجندوبي: من الواضح أن مشاركتها مهمة, ومعترف بها من قبل وكالات الأمم المتحدة, حيث لمسنا تغييرا واضحاً في الاتصالات على مستوى العام منذ ازداد الضغط الدولي.
فعلى سبيل المثال، أصدر الملك سلمان عفو عام عن جميع السعوديين المتورطين في اليمن، لكن ذلك لا يعني في نهاية الأمر أنه يتعلق بالحقائق التي قد تكون متناقضة مع القانون الإنساني الدولي, حيث تم نقل مراكز الاعتقال في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات التحالف إلى السلطات القضائية اليمنية، على النحو الموصى به في أي مكان آخر.
كما تم إطلاق سراح العديد من السجناء في الآونة الأخيرة, كما يبدو أن معدل الهجمات والتفجيرات آخذ في التناقص في الأيام الأخيرة, بيد أن الوضع في الحديدة لا يزال مقلق للغاية.
الصحيفة: كيف تصف الوضع الإنساني في مدينة الحديدة؟
كمال الجندوبي: المعلومات نادرة جداً، إذ تصل إلينا عن طريق المكتب المحلي لمكتب حقوق الإنسان، الذي يتبع نظاما لجمع المعلومات والتحقق منها, ونحن لم نتمكن من الوصول إلى هذا النطاق بسبب تردي الوضع الأمني, ولكن كل شيء يشير إلى تدهور الحالة الإنسانية, فالعديد من سكان الحديدة قد تركوا المدينة, جراء تأثر معظم الأطفال والنساء والفئات الأكثر ضعفا من احتدام العمليات القتالية.
الصحيفة: وماذا بالنسبة للمناطق الأخرى؟
كمال الجندوبي: لا يختلف, خاصة في المناطق التي تسيطر عليها سلطات الأمر الواقع – الحوثيون ومؤيدي الرئيس السابق علي عبد الله صالح- إذ يسيطرون على 20٪ على أقل تقدير من الأراضي الشمالية, ولكنها تحتضن الغالبية العظمى من السكان, الذين يمثلون ما يقرب من 70٪ إلى 80٪ من إجمالي عدد السكان!
ومع ذلك، فإن هذه المناطق تعيش في مرمى نيران الهجمات والاشتباكات والتدابير القاسية التي تحد من الوصول إلى المساعدات الإنسانية والمنتجات الأساسية والأدوية, إذ تخيم حالة من الشلل التام على أكثر من نصف المستشفيات والمرافق الصحية, فهذه المناطق أصبحت بمثابة بؤرة لانتشار معظم الأمراض والاوبئة، جراء انعدام المياه الصالحة للشرب.
الصحيفة: ما هي الطريقة التي من خلالها نضمن رفع القيود المفروضة على عمليات إيصال البضائع؟
كمال الجندوبي: فرضت قوات التحالف العربي الحصار لما يقرب من خمسة عشر يوم بعد أول عملية إطلاق للصواريخ الحوثية نحو الأراضي السعودية, حيث اصبحت المتغايرات سيدة الموقف في هذا البلد, حيث تم فرض قيود على وصول السفن إلى مدينة الحديدة البوابة الرئيسية لليمن.
ففي فترة التي سبقت العام 2015, كان اليمن يعتمد على الوردات الخارجية, حيث كان يستورد 90% من احتياجاته الأساسية، منها % 80, تصل عن طريق ميناء الحديدة, وبالتالي فهذا يدل على مدى الأهمية الاستراتيجية لهذا الميناء, ناهيك عن إغلاق مطار صنعاء لمدة عامين تقريبا، مما حال دون مغادرة المرضى إلى الخارج, فالعواقب مأساوية.
الصحيفة: لقد تمكنتم من زيارة عدن وصنعاء وصعدة، ولكن ليس كل المحافظات المتضررة من الصراع الدائر. ما هي صعوبات التي وجهتكم في الوصول إلى تلك المناطق؟
كمال الجندوبي: لم تعد أي من شركات طيران تعمل في اليمن منذ بدء التدخل العسكري لقوات التحالف العربي, باستثناء الخطوط الجوية الوطنية التي عملت على أستأجر بعض الطائرات في ظل ظروف أمنية رهيبة، حيث يتم التحكم في هذه الرحلات بشكل منهجي من قبل التحالف.
وبالنسبة لنا، يتم التحكم أيضا بالرحلات التابعة للأمم المتحدة من قبل التحالف, حيث يجب الإبلاغ عن قائمة الركاب, وفي بعض الأحيان يتم منع هذه الطائرات.
وبطبيعة الحال، فإن الرحلات غير المنتظمة تعتمد على الوضع الأمني, في حين يوجد حل بديل آخر, وهو الذهاب عن طريق البحر من جيبوتي إلى عدن, إذ تستغرق هذه الرحلة أكثر من 14 ساعة, وبالتالي فقد استخدمنا كلتا الطريقتين.
الصحيفة: هل أنتابك شعور أن التحالف حاول عرقلة عمل لجنة الخبراء؟
كمال الجندوبي: في بعض الأحيان لم يكن بمقدورهم الحفاظ على سلامتنا, حيث التقينا بعدد من الناس، ولكن المفارقات أكثر تعقيدا في المناطق الجنوبية, ففي المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، أصبح الوصول إليها أكثر سهولة وأمان، باستثناء محافظة صعدة، وذلك بسبب الهجوم الجوي لقوات التحالف العربي, وللأسف لم نتمكن من الوصول إلى جميع الأماكن التي أردنا التحقيق فيها.
الصحيفة: أنت تصف أيضا وجود صعوبة في التغطية الإعلامية لحجب حقيقة هذا الصراع. هل كان التحالف سبب في ذلك؟
كمال الجندوبي: من ناحية، يعتبر الوصول إلى ارض الميدان غاية في التعقيد، إن لم يكن مستحيلاً, وبالرغم من ذلك, فقد سمحت السلطات وقوات التحالف في الآونة الأخيرة لبعثات إعلامية من ممارسة عملها ولكنها كانت خاضعة لسيطرة شديدة, حيث يتم إصدار تأشيرات لدخول المناطق الجنوبية من اليمن، والسؤال الذي دائما ما يطرح نفسه بالنسبة للصحفيين, هو كيفية التحرك نحو الشمال، مع العلم أنه يجب عليك المرور بطرق محفوفة بالمخاطر وغالباً ما تكون تحت سيطرة الميليشيات الحوثية أو غيرها.
كما يجب التعامل على حسب المناطق ومن يسيطر عليها, إذ يوجد العديد من التيارات: القوات الإماراتية، وتنظيم القاعدة، وميليشيات حزب الإصلاح “جماعة الإخوان المسلمين”، وتنظيم الدولة الإسلامية.
الحاصل في اليمن عبارة عن صراع منسي وهناك رغبة واضحة بالنسبة لي في عدم الحديث عن اليمن.
الصحيفة: منذ مارس 2015 إلى يونيو 2018، تضرر 16706مدنيا, منهم 6475شخص لقوا مصرعهم بحسب الاحصائيات الرسمية، ولكن الرقم الفعلي من المرجح أن يكون أعلى من ذلك بكثير. في ظل هذه الظروف, هل يمكننا التحدث عن الضربات المستهدفة؟
كمال الجندوبي: تم الاعتراف بحالتين من قبل التحالف العربي على أنها أخطاء فادحة:
– الاولى, في صنعاء عام 2016 شن التحالف غارة جوية استهدفت صالة عزاء أودت بحياة 120شخصًا.
– الثانية, في اغسطس المنصرم, حيث تم استهداف حافلة مدرسية في مدينة صعدة, أسفرت عن مقتل 40 طفلاً.
لقد رأينا أن الأماكن المدنية تعرضت للهجوم من قبل قوات التحالف العربي, بالرغم من أن القانون الدولي يفرض عددا من المبادئ, منها التمييز بين الأهداف العسكرية والمناطق المدنية، واحترام مبادئ التناسب والاحتياطات, في حين لم يكن هذا هو الحال في معظم الحالات التي تم دراستها.
بعض الحقائق يمكن اعتبارها جرائم حرب, حيث قدمنا أسئلتنا حول هذا الموضوع إلى التحالف العربي, حيث تلقينا للتو ردا عاما، بعد ثلاثة أشهر من تاريخ تقديم الملف, والذي لم يجلب أي نتائج.
الصحيفة: إن تقرير لجنة الخبراء يدعو المجتمع الدولي إلى الامتناع عن بيع الأسلحة إلى التحالف العربي، فهل يمكن اعتبار ذلك بمثابة إجراءات قانونية؟
كمال الجندوبي: قد يعتبر تقديم الأسلحة إلى المتحاربين الذين قد من المحتمل انهم ارتكبوا جرائم حرب متواطئين, وبالتالي يمكن محاكمتهم.
مهمتنا في لجنة الخبراء هي تحديد الحقائق التي يمكن استخدامها في الملاحقات القضائية, ولكن ليس لنا أن نتخذ القرار.
أن التقرير الذي تقدمنا به إلى مجلس حقوق الانسان لم يوجهه الاتهامات لأحد, كما لا يوجد بلد في المنطقة قد صدقت على معاهدة روما.
لذا يبدو من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، أن يصل الملف اليمني إلى المحكمة.