السياسية :

عندما تستمع إلى ذكريات المؤرخ والأديب الشيخ كاظم ياسين تتذكر قول الفيلسوف جمال حمدان “إن بلادنا قد تخصصت في إهالة التراب على مفكرينا وهم أحياء وعلى تمجيدهم وهم موتى”.

تذكرك روائع الشيخ ياسين القصصية عن أدب شباب المقاومة، بتجربة الكاتبة الصحافية البيلاروسية سفيتلانا أليكسييفيتش والحائزة على جائزة نوبل عام 2015، القائمة على جمع الشهادات وتعدد الأصوات. ويومذاك اعتبر فوزها توسيعاً لمفهوم الأدب، حيث وُصفِت كتابتها بأنها أقرب للتقريرية أو السردية الصحافية أو الوثائقية.

وأرجعت سارة دانيوس الأمينة العامة الدائمة للأكاديمية سبب فوزها إلى “أن الكاتبة طرقت دروباً أدبية جديدة، ففي السنوات الثلاثين إلى الأربعين الأخيرة أجرت سفيتلانا مسحاً للإنسان خلال المرحلة السوفياتية وما بعدها”.

قد يكون الشيخ ياسين أول من أجرى مسحاً لتجربة أبطال المقاومة من خلال مجموعة قصص الأحرار التي تحتوي عشرات القصص. وفي سرده لتجربتهم بأسلوب جميل وسلس يجذبك لإكمال الحكاية ولا تتركها إلا بالإنتهاء منها.

يروي الشيخ ياسين تجربته وذكرياته مع الأدب للميادين نت، فتشعر أنك أمام كنز مخبأ اكتشفناه بالصدفة.

قصة “طوعة”

في الحديث معه دائماً ما يتذكر قصة “طوعة” – وهو إسم اقتبس من “طوعة” – التي حمت في بيتها مسلم بن عقيل – التي يروي فيها قصة حقيقية عن شاب جامعي يدرس في بيروت، من بلدة مجدل زون الجنوبية كان قد أعطى مفتاح منزل أهله في تلك القرية لشباب المقاومة، لكي يكون قاعد انطلاق سرية لشن عمليات على جيش الاحتلال.

ويكمل الشيخ قصة “طوعة”: وفي أحد الأيام أتت أم ذلك الشاب على منزلها لتتفاجأ بوجود الشباب في المنزل. ولم يكن أمامهم إلا مصارحتها بأنهم من المقاومة وأن ابنها هو من سلّمهم مفتاح المنزل.

ويقول إن المفاجأة في القصة هو أن الأم طلبت من شباب المقاومة أن يرجعوا المفتاح لإبنها وكأن الموضوع قد انتهى. وقدمت لهم مفتاحها الخاص للبيت ذاته بهدف أن يبقى الأمر سرياً حتى على إبنها فلذة كبدها.

ويختم ياسين تلك القصة بقوله: يوم توفيت صاحبة قصة “طوعة” الحقيقية وهي إمرأة عجوز، مشى وراء جنازتها كل قادة وشباب المقاومة، إلى درجة جعلت أهالي “مجدل زون” يتساءلون عن سر ذلك؟

يهدف الشيخ ياسين حسبما يقول من قصصه الأدبية إلى إبراز الجانب العقيدي والسياسي والتنظيمي للمقاومة من خلال الكتابة الواقعية.

ويتذكر الشيخ تجربته الطويلة مع عالم السياسة والأحزاب، ويقول: تجربة المقاومة في لبنان تتميز عن تجارب الاَخرين أنها تتمتع بحس أخلاقي وتنظيمي عالٍ. ويضيف: انخرطت مع المقاومة منذ التأسيس ورأيت المقاومة كيف تفكر؟ وكيف تقاتل؟ وعرفت لماذا فشل أولئك ولماذا انتصر هؤلاء.

قصة “البقرة”

يحكي الشيخ ياسين للقراء قصة “البقرة” وهي قصة حقيقة حدثت. ويبدأ القصة بأسلوبه الأدبي الخاص: بسم الله الرحمن الرحيم، “ألف لام ميم” الإقليم، في تلك الأعالي التي تناسب الفوق بكا ما فيه من عزة وكرامة وشهامة وجنة وحور عين وأنبياء ومعصومين”.

يروي ياسين أنه في أشهر الحصار، تفاقمت أزمة الغذاء ومضى شهر لا يأكلون إلا من المعلبات. وفي هذه الفترة طلب “وفد المطبخ” في المقاومة من أحد الرعاة أن يبيعهم “بقرة” بالثمن الذي يريده، ولكنه رفض بعناد شديد حتى وصل الأمر بهم أن يجعلوا سعرها يومذاك نصف مليون ليرة اي ما نستطيع أم نشتري به سبع بقرات في حينه.. وعاد وفد المطبخ خائباً.. وحاول الوفد مرة أخرى زيارة صاحب البقرة فردهم بقوله: اتتخذوني هزواً… ورفض بيعها برغم ما دفعوه من المال الطائل..

مرت الأيام وتساقطت القذائف وأصيبت البقرة بشظية قاتلة وارتمت تنزف دماً… وفي اللحظة الأخيرة كان يسرع الخطى إلى المطبخ يتوسلهم أن يشتروا البقرة ولو بثمن بخس، وأن يبادروا إلى ذبحها..

ويكمل الشيخ روايته: وهنا قام شباب المقاومة بذبح البقرة بأسياخهم،/ بينما كان احدهم يضع في يد صاحبها نفس الثمن الذي كانوا يحاولون إغراءه به قبل أن تصاب، أي نصف مليون ليرة. أي ثمن 7 بقرات.. لم يبتزوه ولم يستغلوا حاجته ويستفيدوا من الفرصة.. فالسلام على تلك الربوع والأعالي الطاهرة.

تشكل رؤية الشيخ ياسين فرصة للدخول إلى قراءة الأدب العالمي والعربي فيقول للميادين نت أنه منذ نعومة أظفاره بدأ قراءة الأدب العالمي: كوخ العم توم، الأم، البؤساء، شارع السردين المعلب، فوق الثلوج، وداعاً للسلاح، ذهب مع الريح، د. زيفاكو، ومسرحيات شكسبير.

ويتذكر رواية كوخ العم توم ويقول إنه تاثر بموضوع العبودية ومعاناة السود فيها وما تعرضوا له من ظلم وتعسف. ويضيف: قرأت الأدب المصري وبالأخص منه: ثلاثية نجيب محفوظ، روايات محمد عبد الحليم عبدالله وإحسان قدوس ويوسف السباعي.

ويكشف لنا ياسين أنه كتب مسرحيات عدة عندما كان طالباً وقد عرض بعضها على مسرح مدرسة بلدته. وهناك مسرحيات عدة منها: “نموت واقفين ولن نركع”، “حوار تحت الأقدام”.

للشيخ ياسين 20 مؤلفاً بين القصة والرواية والتاريخ ومنهجية البحث والسيرة النبوية، منها مجموعة كتب قصص الأحرار: من قانا، أبو الحن، مثلث الحديد، أمير القلوب، حمزة، ديب عرنابا.

ويعمل الشيخ ياسين على نشر المجموعة الثانية من قصص الأحرار: معركة عيتا، معركة مربع الزيتون، معركة مارون الراس، معركة محيبيب.

كما يعد كتباً عن سير الشهداء: الحاج سمير مطوط “الحاج جواد”، الشهيد الإستشهادي صلاح غندور، والشهيد أبو علي ياسين. وكتاب عن عملية تصفية العميل عقل هاشم.

* المصدر : الميادين نت