بقلم: صالح بن أدران—————–

 

باريس(موقع ” slate” الفرنسي, ترجمة : أسماء بجاش-سبأ):

 

توضح الحالة المزرية التي يعيشها اليمن مدى الصعوبات التي تواجه الإطار الحالي للمنظمات غير الحكومية في النزاعات الداخلية والدولية التي تستهدف المدنيين بالدرجة الأولى.

يعيش اليمن حالة حرب منذ أواخر مارس من  العام  2015, بين القوات الحكومية المدعومة من قبل قوات التحالف العربي المنضوية تحت راية المملكة العربية السعودية وبين المتمردون الحوثيون الذين يتلقون الدعم بدورهم من الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

ومن جانبها, اعلنت هيئة الامم المتحدة عن وقوع البلد في شرك “أسوأ أزمة إنسانية”, كما أشارت ايضاً إلى أن الحرب في اليمن وصلت مؤخرا إلى مرحلة جديدة في تاريخ الصراع ومستوى العنف, إذ لم يعد المدنيين او المقاتلين هم الجهات المستهدفة فقط, ولكن أصبح الآن العاملين في المجال الإنساني في مرمى نيران العمليات القتالية.

وفي أعقاب عملية الاغتيال التي استهدفت أحد موظفي اللجنة الدولية للصليب الأحمر في شهر إبريل المنصرم، اضطر الصليب الاحمر الذي  ظل يقدم خدماته الإنسانية في البلد منذ العام 1962، إلى إجلاء بعض موظفيه لأول مرة منذ أكثر من نصف قرن, حيث جاءت عملية الاغتيال هذه في أعقاب سلسلة من الحوادث والتهديدات” التي تعرض لها العاملون في المجال الإنساني, حينها أجبر مدير عمليات اللجنة الدولية لصليب الاحمر “دومينيك شتيلهارت, اوائل يونيو المنصرم  على نقل 71 من معاونيها إلى خارج اليمن, إذ تضم الهيكلية العامة للمنظمة ما يقرب من 17000 شخص, موزعين في أكثر من 80 دولة حول العالم.

وأضاف انه من الواضح أن هناك رغبة في استغلال المنظمة على ساحة الصراع, محملاً مسؤولية هذه الحوادث على جميع الاطراف الفاعلين في الساحة اليمنية, فعلى مدى 50 عاما  الماضية عملت اللجنة الدولية في اليمن على تقديم المساعدات الإنسانية لضحايا النزاع المسلح والعنف.

كان هذا القرار بمثابة أمر نادر يصدر من قبل منظمة تتسم بالحيادية, والتي تحظى باحترام دولي,  حيث سيعمل هذا القرار إلى تقليل المساعدات الغذائية والمياه الصالحة للشرب إلى جانب الحد من الرعاية الطبية التي تقدمها إلى أكثر سكان العالم ضعف.

ومن جانبها, أشارت التقارير الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 22 مليون يمني يحتاجون الآن إلى مساعدات إنسانية:  منهم 16 مليون شخص لا يحصلون على مياه صالحة للشرب، في حين أن  8.4 مليون آخرين يواجهون شبح الوقوع في شرك المجاعة, ناهيك عن كون هذا البلد مدرج ضمن قائمة البلدان الأقل نماءً على مستوى العالم قبل اندلاع الصراع فيه.

صعوبات كبيرة تواجه المنظمات غير الحكومية:

سيلقي هذا الانسحاب الجزئي للجنة الدولية بظلاله على العمل الإنساني في اليمن, إذ سيتم تقديم العديد من التنازلات بالتوازي مع الإجراءات الأخرى التي تضطلع بها المنظمة في أي حقل من حقول الألغام، ومعرفة الزيارة المنتظمة للمعتقلين، والبحث عن المفقودين، والإفراج عن أسرى الحرب ونشر قواعد القانون الدولي الإنساني بين القوات المسلحة النظامية وغير النظامية.

وفي الأخير قد يعمل هذا القرار على ان تحذو المنظمات غير الحكومية الأخرى الموجودة في الساحة أو يشجعها على مضاعفة اليقظة ومراجعة مستوى مشاركتها في هذا المجال.

تواجه المنظمات الإنسانية في اليمن العديد من التحديات اللوجستية المتعلقة بالنقل و توفير أو تسليم المواد الغذائية, والملابس والأغطية, والأدوية وغيرها من إمدادات الإغاثة نتيجة لحصار المفروض على البلد من قبل قوات التحالف العربي بقيادة الرياض والسيطرة عليها من قبل القوات غير النظامية، بما في ذلك المتمردين الشيعة من حزب أنصار الله.

وعلاوة على ذلك، فإن هذا الانسحاب الجزئي للجنة الدولية من اليمن يطرح السؤال الحاسم حول فعالية القانون الدولي في حماية المدنيين والعاملين في المجال الإنساني فضلاً عن مدى فعاليته في زمن يتسم بالعنف دون  اي قواعد أو حدود لذلك.

ارتفاع معدل الضحايا في صفوف المدنيين:

دق “جاكوب كيلينبرغر”  المدير السابق للجنة الدولية لصليب الاحمر منذ 17 عاماً, ناقوس الخطر في الاجتماع الذي عُقد في مدينة “زيوريخ” السويسرية حول قضية “العمل الإنساني في ظل النزاعات المسلحة”.

إن بين العقبات التي يتعترض  لها العمل التقليدي، فقد اشار على وجه الخصوص التغيير والتحويل التدريجي لطبيعة هذه الصراعات في القرن الحادي والعشرين، وبشكل متزايد جراء التدويل الداخلي، كما هو الحاصل في جمهورية الكونغو الديمقراطية أو جمهورية سيراليون.

وبالمقارنة بالصراعات الدولية التي ميزت القرن الماضي بشكل كبير, فضلا عن الدور المتنامي في هذه الصراعات من قبل الجهات غير الحكومية الفاعلة، والتي هي في العديد من الحالات يصعب تحديدها, حيث يتم تنظيمها بطريقة مربكة دون تسلسل زمني واضح.

كما حذر ايضاً من ارتفاع معدل الضحايا بين صفوف المدنيين, الذين يمثلون 90 %  من أجمالي عدد ضحايا النزاعات المسلحة الحالية, إذ اصبح استهداف المدنيين هو الهدف الحقيقي لإطراف الصراع, لأسباب مختلفة, ففي بعض الاحيان قد يؤول الامر إلى إرهابهم أو ترحيلهم أو حتى إخضاعهم وكثيرا ما يتم استخدام السكان المدنيون كمصدر للإمدادات الغذائية و تجنيد المقاتلين.

عمال الإغاثة شهود على الانتهاكات:

أما بالنسبة لموظفي المنظمات الإنسانية، فقد أصبحوا هدف متعمد بشكل متزايد للجهات الفاعلة في حيثيات الصراعات المتأججة, إذ يكمن الهدف بشكل عام من هذا التكتيك هو انسحاب المنظمات من ساحات الصراعات وذلك نظراً لما يمثلونه كآخر شهود على تلك الانتهاكات والإساءات التي ترتكبها مختلف الجهات الفاعلة في هذا المجال.

ومن جانبها, فقد حذرت رئيسة اللجنة الدولية السابقة إلى أن حالات الاستهداف هذه كانت مقصودة, حيث ازدادت بشكل كبير في السنوات الأخيرة.

لم يتغير هذا الوضع خلال السنوات 17 الماضية,  بل على العكس من ذلك، لم يتم التأكيد عليها بشكل كبير، كما يتضح من بين أمور أخرى، كالصراعات الحالية في ليبيا, وسوريا واليمن.

فهذا يؤكد صحة مدى تجاهل التحذيرات  التي اشارت اليه رئيسة اللجنة الدولية السابقة للصليب الأحمر.

23 من أغسطس المنصرم، تسببت غارتين جويتين نُسبت إلى قوات التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن في مقتل 30 شخصاً, بينهم 26 طفلاً وأربعة نساء. كما استهدفت أيضا, حافلة تقل طلاب مدارس في سوق مزدحمة في محافظة صعدة الشمالية معقل المتمردين الحوثيين, اسفرت عن حصد ارواح 50 شخصاً جلهم من الاطفال.

أغسطس شهر الموت:

اتشح اليمن بالسواد جراء الغارة المروعة التي شنها التحالف العربي اواخر أغسطس المنصرم, حيث تعرضت أكبر مستشفيات اليمن والواقعة في مدينة الحديدة التي يسيطر عليها المتمردون الحوثيون إلى عملية تفجير, في الوقت الذي كان فيه موظفي منظمة الصحة العالمية يحظرون للعمل على البدء بحملة تطعيم ضد الكوليرا، والتي قد تؤثر على مليون شخص, حيث تسببت تلك العملية بمقتل 55 مدنياً, وفقاً لما اوردته اللجنة الدولية لصليب الاحمر.

تعددت الاخطاء والنتوءات التي استهدفت المدنيين منذ البدء بالتدخل العسكري في اواخر مارس من العام 2015 تحت مسمى “عاصفة الحزم”, حيث شن التحالف العربي غارة جوية, في أكتوبر من العام 2016, استهدفت مراسيم عزاء في العاصمة صنعاء, خلفت وراءها 140 قتيل.

وفي المقابل, يتهم التحالف العربي الذي يقوده الرياض الحوثيين باستخدام المدنيين كدروع بشرية وتجنيد الأطفال, والنتيجة كانت سقوط 10 آلاف شخص, جلهم من المدنيين.

المعاهدات التي لا تخص سوى الدول:

ما الذي يجب القيام به مع دوامة العنف العشوائية والعمياء عندما تخفق المبالغ التي تصرفها الأمم المتحدة والمنظمات أو الدول الأخرى كل عام في وقف تأثير الصراع على المدنيين؟

هناك حاجة ملحة إلى العودة إلى الأصول لفهم أفضل للقضية والحلول المحتملة, حيث يرجع تاريخ القانون التأسيسي للقانون الدولي الإنساني إلى العام 1862، عندما الف “هنري دونان ” عالم الإنسان السويسري” كتابًا بعنوان “ذكرى سولفرينو”, والذي أدى فيما بعد إلى وضع اتفاقية جنيف الأولى في عام 1864، التي تعتبر جوهر القانون الإنساني المعاصر, حيث ظهرت منذ ذلك الوقت, العديد من الاتفاقيات, كان أهمها اتفاقيات جنيف للعام 1949 وبروتوكولاتها الإضافية لعامي 1977 و 2005.

كما ظهر في الوقت نفسه, معاهدات واتفاقيات تكميلية في جنيف أو في لاهاي, من أجل الاستجابة لطبيعة المتغيرة للصراعات، وأساليب الحرب والأسلحة, حيث كان العام 1983, شاهداً على دخول اتفاقية الأسلحة الكيميائية حيز التنفيذ, فهذا مثال واحد من بين الكثير.

كانت هذه النصوص تعمل على تغطية مناطق واسعة إلى حد ما من الصراع المسلح وتحديد قواعد وقيود “اللعبة” بشكل نظري, والتي لم يتم مراجعتها أو ضبطها في العقد الماضي, والتي تميزت بها موجة من اللاعبين غير النظاميين أو ما يطلق عليهم ايضاً “الإرهابيين”, إذ يفتقر إلى الهيكلية على أرض الواقع على المستويين: الأول يتمحور حول عدم تطبيقها على هذه الجهات غير الحكومية، التي تهيمن الآن على المشهد الحربي، مع العلم أن القانون الدولي الإنساني هو جزء لا يتجزأ من القانون الدولي الذي يتحكم بالعلاقات بين الدول, والمكون من الاتفاقات المبرمة بين الدول وكذلك العرف الدولي الذي يشكل ممارسات الدول وليس ممارسات المجموعات غير النظامية.

تغيير القانون الدولي الإنساني

ثانياً: عندما تنطبق هذه النصوص، فإنها غالباً ما تفتقر إلى آلية ملزمة حقاً, وهكذا، لم ينجح القانون الدولي الإنساني في إنهاء الاستخدام المتكرر للأسلحة الكيميائية في النزاع السوري أو في المذابح واحتجاز المدنيين في الصراع اليمني, تاركين مرتكبي الجرائم يواصلون المضي قدماً بإفلات تام من العقاب.

ومن المسلم به أن استخدام روسيا لحق النقض ضد القرارات التي تدين استخدام هذه الأسلحة غير القانونية قد عمل على منع الترجمة الملموسة لاتفاقية 1983 في سوريا.

وعلى الرغم من أن هذا يسلط الضوء على قضية أخرى لا تقل أهمية عن فعالية القانون الدولي الإنساني في يومنا هذا.

هل يجب أن يبقى رهن برغبات القوى الكبرى التي تشكل مجلس الأمن؟ وكيف يمكن تحريرها من صراعات القوى الدولية؟

يجب العمل على إنشاء مجلس “أمن” مستقل وإنساني أو مراجعة وضع صلاحيات المجلس الحالي وأعضائه الدائمين، وعلى سبيل المثال إلغاء حق النقض في حالات الضرر المؤكد ضد المدنيين؟

وفي غضون ذلك, يجب إطلاق حوار دولي جاد وموضوعي بشأن هذه القضايا، تظل هناك حقيقة واحدة لا يمكن إنكارها, فالعمل الإنساني والفلسفة التي يرتكز عليها لم يكن أبدا مهددة أو غير حاسمة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.